0 / 0
12,60615/10/2017

شروط بيع المسلم فيه قبل قبضه لبائعه

السؤال: 278724

في شهر أكتوبر من عام ٢٠١٦ كان موسم حصد التمور ، وبيع محاصيلها من المزارع إلي تاجر التمور بأسعار منافسة ، وـ الحمد لله ـ قد اشتريت كمية تصل إلي عشرة أطنان من التمور الدرجة الأولى بسعر الموسم ، وهو خمسة دينار ونصف ، وعندما أردت أن أقبض الكمية التي ورد ذكرها أصبح البائع يماطل في التسليم ، حتي أعترف أنه لا يملك هذه الكمية ، ولا يملك قيمتها حتي يشتري مثلها من السوق ، ويريد أن يشتريها مني بالآجل ، وبدون توفر شرط التقابض ، وـ الحمد لله ، والفضل لله عز وجل ـ لم أقبل ببيعها له مادمت لم أقبضها ، وأصررت علي تسليمي بضاعتي ، ولكن بحكم أن المدة أصبحت طويلة ، وبعد مرور شهر رمضان شحت مثل هذه البضاعة من السوق ، والغالب أنه ـ البائع المماطل ـ حتي لو توفر لديه المال الآن لا يستطيع أن يسلمني بضاعتي ـ وحيث أصبح سعرها أعلي ، ويصل إلي ١١ دينارا اليوم ، ولا يوجد من يعطيك هذه الكمية الكبيرة حتي بمثل هذا السعر ، الواضح من كلام البائع المماطل في التسليم ، وبعد تفقد السوق أنه لن أستطيع أن أستلم مثل هذه البضاعة ، وبنفس الموصفات ، والكمية حتي قدوم شهر ١٠ من هذه السنة ، وانتظار المحصول الجديد ، مع العلم إن سعر التمر للكيلو سيتراجع من ١١ دينارا إلي ثمنه من نفس كل موسم ، وهو : ٥.٥ دينارا ، ويضيع مكسبا محتملا كنت أستطيع أن أتحصل عليه ، وقدره مابين ٤.٥ و ٣.٥ دينارا بعض خصم مصاريف النقل والشحن . السؤال : لا أعلم هل أبيع له بدون تقابض ، والظاهر أنه لا يجوز ؛ بحكم أن التمر من الأصناف التي يشترط فيها التقابض والبيع إلي تاجر آخر؟ أم أطلب منه تعويضي عن المكسب الذي أستطيع أن أحققه بإذن الله لولا مماطلته الواضحة لي طول مدة عشرة أشهر في تسليم بضاعتي ، والاستفادة من نقودي في تجارة بعد أن ضيع أكثر من فرصة لي لتسليم التمر فأقوم ببيعه ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

يجوز أن تبيع هذه التمور لبائعها قبل قبضها على الراجح، وهو من بيع المسلَم فيه قبل قبضه، فيجوز أن يباع لبائعه؛ لأن بيع الدين لمن هو عليه جائز، لكن بشروط، منها أن تبيعه له بسعر يومه، أي يوم البيع أو بأقل، لا بأكثر، ومنها أنك إن بعته له بالنقود، جاز معجلا ومؤجلا، فإن بعته له ببر ونحوه، منع التأجيل ولزم التقابض ، ولا يجوز أن تبيعه له بتمر مع التأجيل والزيادة ، لأن بيع التمر بالتمر يشترط له التماثل والتقابض .

وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وهو قول ابن عباس رضي الله عنه ورواية عن أحمد رحمه الله.

وينظر: الموسوعة الفقهية (25/ 218).

قال الشيخ ابن عثييمن رحمه الله: " فإن قال قائل: إذاً هل يجوز بيع المسلم فيه قبل قبضه؟

فالجواب: نعم يجوز بيعه على المسلَم إليه، وعند شيخ الإسلام يجوز بيعه حتى على أجنبي، لكن فيه نظر؛ لأنه حقيقة إذا بعته على غير من هو عليه، قد يتعذر عليه أخذه، ثم إذا بعته على غير من هو عليه، بما يباع نسيئة : معناه ما قبضه .

فالتوسع غير ظاهر لي جداً، وشيخ الإسلام يجوز بيع الدين على غير من هو عليه، ولكنه يشترط القدرة على أخذه .

لكن إن باعه على المسلم إليه فإنه يشترط ثلاثة شروط:

الأول: ألا يربح، بأن يبيعه بسعر يومه؛ لأنه لو باعه بأكثر من سعر يومه لربح فيما لم يضمن، وقد نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن ربح ما لم يضمن، فمثلاً أسلم في مائة صاع بُر حلَّت وقيمتها عند الوفاء مائتا درهم فقط، فقال: أبيعها عليك بمائتين وخمسين درهماً، لا يجوز؛ لأنه ربح في هذا البر قبل أن يدخل في ضمانه؛ لأنه لم يملكه ولم يقبضه، فيكون قد ربح فيما لم يضمن، ولحديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ وفيه: لا بأس أن تأخذها بسعر يومها، حتى لا يربح فيما لم يضمن .

فإن كانت مائة الصاع تساوي مائتي درهم ، وباعها عليه بمائة وخمسين : يجوز؛ لأنه إذا جاز بسعر يومها ، فبما دونه من باب أولى .

ولأننا عللنا منع الزيادة بألا يربح فيما لم يضمن، وهذا لم يربح بل خسر .

والمراد بقوله بسعر يومها ألا تزيد، فإن نقصت فقد فَعَلْتَ خيراً.

الشرط الثاني: أن يحصل التقابض قبل التفرق فيما إذا باعه بشيء يجري فيه ربا النسيئة، مثاله: أن يبيع البر بشعير، مائة صاع بر بمائتي صاع شعير، فهذا جائز بشرط التقابض قبل التفرق؛ لأن بيع البر بالشعير يشترط فيه التقابض قبل التفرق، ولحديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ، ما لم تتفرقا وبينكما شيء لأنه يبيع دراهم بدنانير أو دنانير بدراهم، وبيع الدراهم بالدنانير يشترط فيه التقابض قبل التفرق.

الشرط الثالث: ألا يجعله ثمناً لسلم آخر؛ لأنه إذا جعله ثمناً لسلم آخر فإن الغالب أن يربح فيه، وحينئذ يكون ربح فيما لم يضمن، مثاله: حل السلم مائة صاع من البر، فقالا: سنجعلها سلماً في خمس من الغنم ـ لأن السلم في الحيوان يجوز كما سبق ـ خمس من الغنم صفتها كذا وكذا ، تحل بعد سنة، فهذا لا يجوز؛ لأن الغالب أنه لا يفعل هذا إلا بربح، وأن هذه الغنم الخمس تساوي مائة وعشرين صاعاً؛ ولأنه يؤدي إلى قلب الدين بحيث يكون كلما حل دينه جعله سلماً آخر، وهذا حيلة على قلب الدين وازدياده في ذمة المدين بهذه الطريقة، وكلما حل الدين قال: اجعله سلماً آخر، وهكذا حتى تتراكم عليه الديون.

فالراجح أن بيعه جائز لكن بالشروط الثلاثة المذكورة .

أما المذهب فإن بيعه لا يجوز مطلقاً ودليلهم حديث: من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره كما سبق .

لكن هذا الحديث ضعيف كما حققه ابن القيم في تهذيب السنن .

وعلى تقدير صحته : فإنه يتعين أن يكون معناه من أسلف في شيء ، فلا يصرفه إلى غيره، أي: إلى سلم غيرِهِ، أي: لا يجعله رأس مالٍ لسلم جديد .
وأما إذا قلنا: إن الحديث ليس بصحيح ، فإن بيعَهُ : الأَصلُ فيه الحِلُّ؛ لعموم قوله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [البقرة: 275] .
ولأن حديث ابن عمر رضي الله عنها يدل على جواز مثل هذه المعاملة؛ إذ لا فرق بين دين السلم وغيره، ومن ادعى فرقاً بين دين السلم وغيره فليأت به" انتهى من الشرح الممتع (9/ 87).

ثانيا:

إذا سلم لك البائع التمر، فلا يجوز أن تطالبه بتعويض عن الفرصة الضائعة ، أو المكسب الذي كان متوقعا، مهما كان مماطلا؛ لأن التعويض عن المماطلة في الديون ربا.

وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن الشرط الجزائي:

" يؤكد المجلس قراراته السابقة بالنسبة للشرط الجزائي الواردة في قراره في السَّلَم رقم 85 ( 2 / 9 ) ، ونصه : ( لا يجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المُسْلَم فيه ؛ لأنه عبارة عن دَيْن ، ولا يجوز اشتراط الزيادة في الدين عند التأخير) … وقراره في البيع بالتقسيط رقم 51 ( 2 / 6 ) ونصه : (إذا تأخر المشتري (المدين) في دفع الأقساط بعد الموعد المحدد : فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين ، بشرط سابق ، أو بدون شرط ، لأن ذلك ربا محرم) " انتهى من "قرارات المجمع" (ص371).

هذا مع تحريم المماطلة وإثم المماطل؛ لقوله  صلى الله عليه وسلم: (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ) رواه البخاري (2400) ومسلم (1564).

والمطل: هو تأخير أداء الحق الواجب من غير عذر.

وقال صلى الله عليه وسلم: (لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ) رواه أبو داود (3628) والنسائي (4689) وابن ماجه (2427). حسنه الألباني في "إرواء الغليل" (1434).

واللي: هو المطل والامتناع. والواجد: الغني.

ومعنى يحل عرضه: أي أن يقول الدائن: فلان مطلني وظلمني. وعقوبته: حبسه، كذا فسره سفيان وغيره.

 والخلاصة :

أنه لا حرج عليك أن تبيع له التمر الذي في ذمته بدنانير ، بشرط أن يكون البيع بسعر السوق يوم البيع .

ولا بأس من تأجيل الدنانير كلها أو بعضها ، لأن بيع التمر بالدنانير لا يشترط له التقابض .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android