0 / 0

كذبة رافضية في شأن عمر بن الخطاب مع فاطمة رضي الله عنهما

السؤال: 98641

سمعت من بعض الشيعة أن عمر الفاروق رضى الله عنه قد ضرب باب فاطمة رضى الله عنها ، وأشعل به النيران ، وبأنها قد ماتت إثر سقوط الباب عليها . الرجاء توضيح هذا الأمر مع ذكر المراجع . جزاكم الله خيرا .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
يذكر المؤرخون والمحدِّثون حادثةً في صدر التاريخ ، فيها ذكر قدوم عمر بن الخطاب وطائفة من أصحابه بيتَ فاطمةَ بنتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يطلبُ تقديم البيعة لأبي بكر الصديق ، رضي الله عنهم جميعا .
وثمة قدر متفق عليه بين الروايات ، جاء من طرق صحيحة ، واشتهر ذكره بين أهل العلم ، كما أن هناك قدرا كبيرا من الكذب والاختلاق الذي أُلصق بهذه الحادثة .
ونحن نرجو من القارئ الكريم التنبه واليقظة ؛ كي يصل معنا إلى أقرب تصوير لتلك الحادثة ، فلا يخلط عليه الكذَّابون والمفترون ما يدسُّونه في التاريخ كذبا وزورا .
الثابت المعلوم أن عليا والعباس والفضل بن العباس والزبير بن العوام تأخروا عن حضور بيعة أبي بكر الصديق في سقيفة بني ساعدة ، وذلك لانشغالهم بتجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم للدفن ، فوجدوا في أنفسهم : كيف ينشغل الناس بأمر الخلافة ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدفن بعد ، أما باقي الصحابة رضوان الله عليهم فعملوا على تعيين الخليفة كي لا يبيت المسلمون من غير أمير ولا قائد ، وأرادوا بذلك أن يحفظوا على المسلمين أمر دينهم ودنياهم .
فلما دُفن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتزل علي بن أبي طالب ومن معه من بعض قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأيام الأولى ولم يبايعوا ، ليس رغبة عن البيعة ، ولا حسدا لأبي بكر ، ولا منازعةً له ، إنما لِما رآه عليٌّ من الخطأ في استعجال أمر الخلافة قبل الدفن ، حتى جاء عمر بن الخطاب وبعض الصحابة بيت فاطمة رضي الله عنها ، وطلب منها إبلاغ علي والزبير ومن معهم بلزوم المبادرة إلى بيعة أبي بكر الصديق ، درءا للفتنة ، وحفظا لجماعة المسلمين ، فلما سمعوا تشديد عمر بن الخطاب في هذا الأمر ، سارعوا بإعلان البيعة ، وذكروا فضل أبي بكر رضي الله عنه وأحقيته بالخلافة ، واعتذروا عن تأخرهم بما اعتذروا به .
روى أسلم القرشي – مولى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه ، قال : ( حين بُويع لأبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم ، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة فقال : يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ! والله ما من أحد أحب إلينا من أبيك ، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك ، وايم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك إن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت .
قال : فلما خرج عمر جاؤوها فقالت : تعلمون أن عمر قد جاءني ، وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت ، وايم الله ليمضين لما حلف عليه ، فانصرِفوا راشدين ، فَرُوا رأيَكم ولا ترجعوا إلّيَّ ، فانصرفوا عنها ، فلم يرجعوا إليها حتى بايعوا لأبي بكر )
أخرجه أحمد في “فضائل الصحابة” (1/364) وابن أبي شيبة في “المصنف” (7/432) وعنه ابن أبي عاصم في “المذكر والتذكير” (1/91) ورواه ابن عبد البر في “الاستيعاب” (3/975) من طريق البزار – ولم أجده في كتب البزار المطبوعة – وأخرجه الخطيب في “تاريخ بغداد” (6/75) مختصرا : كلهم من طريق محمد بن بشر ثنا عبيد الله بن عمر عن زيد بن أسلم عن أبيه به .
قلت : وهذا إسناد صحيح ، فإن محمد بن بشر العبدي (203هـ) ثقة حافظ من رجال الكتب الستة، وكذا عبيد الله بن عمر العمري المتوفى سنة مائة وبضع وأربعون ، وكذا زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب (136هـ)، وكذا أبوه أسلم مولى عمر ، جاء في ترجمته في “تهذيب التهذيب” (1/266) أنه أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا أنه لم يكن في المدينة في وقت أحداث البيعة ، لأن محمد بن إسحاق قال : بعث أبو بكر عمر سنة إحدى عشرة ، فأقام للناس الحج ، وابتاع فيها أسلم مولاه . فيكون الحديث بذلك مرسلا ، إلا أن الغالب أن أسلم سمع القصة من عمر بن الخطاب أو غيره من الصحابة الذين عاشوا تلك الحادثة .
وقد جاء في بعض الروايات القوية أيضا أنه حصلت بعض المنازعات بين عمر بن الخطاب ومن معه ، وبين الزبير بن العوام الذي كان مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وذلك في بيت فاطمة رضي الله عنها ، إلا أن الله سبحانه وتعالى وقاهم فتنة الشيطان ، ودرأ عنهم الشقاق والنزاع .
روى إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف : ( أن عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وأن محمد بن مسلمة كسر سيف الزبير ، ثم قام أبو بكر فخطب الناس واعتذر إليهم وقال : والله ما كنت حريصا على الإمارة يوما ولا ليلة قط ، ولا كنت فيها راغبا ، ولا سألتها الله عز وجل في سر وعلانية ، ولكني أشفقت من الفتنة ، وما لي في الإمارة من راحة ، ولكن قُلِّدتُ أمرا عظيما ما لي به من طاقة ولا يد إلا بتقوية الله عز وجل ، ولوددت أن أقوى الناس عليها مكاني اليوم . فقبل المهاجرون منه ما قال وما اعتذر به .
قال علي رضي الله عنه والزبير : ما غضبنا إلا لأنا قد أُخِّرنا عن المشاورة ، وإنا نرى أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنه لصاحب الغار وثاني اثنين ، وإنا لَنعلم بشرفه وكبره ، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وهو حي )
أخرجه موسى بن عقبة في “المغازي” – كما ذكره ابن كثير في “البداية والنهاية” (6/302) – ومن طريقه الحاكم في “المستدرك” (3/70) ، وعنه البيهقي في “السنن الكبرى” (8/152) ، وعنه ابن عساكر في “تاريخ دمشق” (30/287)
قلت : وإسناد هذه القصة صحيح ، على شرط البخاري ، فهو من طريق إبراهيم بن المنذر الحزامي ثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف به .
قال الحاكم : ” هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ” انتهى .
وقال الذهبي في “التلخيص” : ” على شرط البخاري ومسلم ” انتهى .
وقال ابن كثير في “البداية والنهاية” (5/250) : ” إسناد جيد ” انتهى .
وروى الإمام الزهري (124هـ) قال : ( وغضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر رضي الله عنه ، منهم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام رضي الله عنهما ، فدخلا بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهما السلاح ، فجاءهما عمر رضي الله عنه في عصابة من المسلمين فيهم : أسيد ، وسلمة بن سلامة بن وقش – وهما من بني عبد الاشهل – ، ويقال : فيهم ثابت بن قيس بن الشماس أخو بني الحارث بن الخزرج ، فأخذ أحدهم سيف الزبير فضرب به الحجر حتى كسره )
رواه موسى بن عقبة (140هـ) عن شيخه الزهري ، ومن طريقه أخرجه عبد الله بن أحمد في “السنة” (2/553-554)
قلت : ورواية السير والمغازي من طريق موسى بن عقبة عن الزهري من أصح الروايات ، حتى قال ابن معين : ” كتاب موسى بن عقبة عن الزهري من أصح هذه الكتب ” . وكان الإمام مالك يقول : ” عليك بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة ” . وقال الإمام الشافعي : ” ليس في المغازي أصح من كتاب موسى بن عقبة ” . وقال الذهبي : ” وأما مغازي موسى بن عقبة فهي في مجلد ليس بالكبير ، سمعناها ، وغالبها صحيح ومرسل جيد ” انتهى . انظر “سير أعلام النبلاء” (6/114-118) ، والزهري لم يدرك تلك الحادثة ، إلا أن روايته هذه جاءت موافقة لما سبق من روايات صحيحة، والله أعلم .
وبذلك تمت مبايعة أبي بكر رضي الله عنه ، واعتراف كُلٍّ بما للآخر من فضلٍ ومنزلة ، وتم الاتفاقُ على نبذ الخلاف والنزاع .
ولا يجد القارئ والمتأمل في هذه الروايات الصحيحة الثابتة شيئا من وقوع القتال بين الصحابة رضوان الله عليهم ، ولا اعتداءَ بعضِهم على بعضٍ ، وخاصة في شأن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد قال لها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما قال : ( وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك ) ، فقد عرف الصحابة رضوان الله عليهم لها قدرها ومنزلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يسعَ أحدٌ في تعمُّدِ أذيتها أو في إغضابها ، بل ولا في تهديدها ، إنما غاية ما فيه توجيه التخويف والتشديد لكلٍّ من علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ، كي يدركا خطورةَ أمرِ الخلافة ، فلا يتأخرا عن البيعة ، ولا يشقا عن المسلمين جماعتهم ، فلما أدركوا جميعا أن تأخرهم عن البيعة – وهم مؤمنون بأحقية أبي بكر بالخلافة – اجتهاد خاطئ ، قد يؤدي إلى مفسدة أعظم ، عجلوا بالبيعة عن رضا واختيار ، ونبذوا ما وجدوه في أنفسهم في ذلك الشأن .
يقول المحب الطبري في تفسير كسر سيف الزبير بن العوام في تلك الحادثة – كما في “الرياض النضرة في مناقب العشرة” (115) :
” وهذا محمول – على تقدير صحته – على تسكين نار الفتنة ، وإغماد سيفها ، لا على قصد إهانة الزبير ” انتهى .
ثانيا :
وكل ما ورد من زيادة على هذا القدر الصحيح ، إنما هو من الخطأ الفاحش الذي أخطأ في نقله بعض الرواة ، أو من الكذب الفج القبيح المُتَعَمَّد .
فمن ذلك ما جاء عن سليمان التيمي وابن عون قالا : ( أن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة ، فلم يبايع . فجاء عمر ومعه قبس – أي : شعلة نار – فتلقته فاطمة على الباب ، فقالت فاطمة : يا ابن الخطاب ! أتراك مُحَرِّقًا عَلَيَّ بابي ؟ قال : نعم ، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك . وجاء علي فبايع وقال : كنت عزمت أن لا أخرج من منزلي حتى أجمع – يعني : أحفظ – القرآن )
أخرجه البلاذري أحمد بن يحيى (توفي بعد 270هـ) في كتابه “أنساب الأشراف” (2/12 طبعة دار اليقظة العربية – دمشق ت محمد الفردوس العظم )
قال فيه : المدائني ، عن مسلمة بن محارب ، عن سليمان التيمي ، وعن ابن عون .
قلت : وهذا السند فيه علل :
الأولى : مسلمة بن محارب الزيادي الكوفي ، لم أقف على توثيق ولا تجريح له في شيء من كتب الرجال ، اللهم إلا ذكر البخاري له في “التاريخ الكبير” (7/387) ، وكذا ابن أبي حاتم في “الجرح والتعديل” (8/266) ذكرا مجردا . وذكره ابن حبان في “الثقات” (7/490) ، مع أن رواية أبي الحسن المدائني عنه مشهورة جدا في كتب التاريخ والسير والأدب ، يبدو منها أنه مكثر من رواية التاريخ .
الثانية : الإرسال ، فإن سليمان – هو ابن طرخان – التيمي المتوفى سنة (143هـ) وعبد الله بن عون أبو عون البصري المتوفى سنة (150هـ) على الصحيح ، لم يدركا الحادثة جزما ، وهما إمامان ثقتان ، انظر تراجمهم في “تهذيب التهذيب” (4/202) ، (5/348) ، وقد قال يحيى بن سعيد القطان في سليمان التيمي : مرسلاته شبه لا شيء .
والمدائني هو شيخ البلاذري أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله الإخباري صاحب التصانيف ، توفي سنة (224هـ) ، قال فيه ابن عدي في “الكامل” (5/213) : ليس بالقوي في الحديث، وهو صاحب الأخبار. وترجم له في “لسان الميزان” (4/253) فنقل توثيقه عن يحيى بن معين وأبي عاصم النبيل والطبري. وترجمه أيضا الذهبي في “سير أعلام النبلاء” (10/400)
ومما يدلك على نكارة وخطأ هذه الرواية – إضافة إلى ما سبق من بيان ضعف السند – أمور:
1- كيف يحمل عمر بن الخطاب النار ليحرق بيت فاطمة ، ثم لا يُذكَرُ أيُّ تَدَخُّلٍ لزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعا ، وهو القوي المعروف بشجاعته وفروسيته ، وهل يعقل أن يترك زوجته فاطمة تتصدى لعمر بن الخطاب يتهجم ليحرق عليها منزلها ! ، ثم أين هم بنو عبد المطلب وبنو هاشم ، أليس فيهم من ينتصر لابنتهم التي هي بنت أشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم .
2- ثم في ظاهر هذا الخبر أن عليا إنما استجاب للبيعة خوفا من عمر ، فقد رفض البيعة ابتداء ، ثم جاء فبايع بعد تهجُّمِ عمر على بيت فاطمة ، فهل يُصَدَّقُ مثل هذا الكذب ، وهل يعقل أن عليا يبايع مكرها خوفا من تهديد غيره من الصحابة ؟!
3- وفي هذا الخبر أيضا مناقضة صريحة لما ثبت بالأسانيد الصحيحة أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بايع أبا بكر الصديق موافقا عن رضا وطيب خاطر ، وأن ذلك كان على الملأ في المسجد ، كما أخرج ذلك البخاري في صحيحه حديث رقم (4240) وكذا الإمام مسلم (1759) ، وفيه أيضا مناقضة لما سبق ذكره في الروايات الصحيحة أن عمر بن الخطاب إنما ذهب يدعو إلى بيعة أبي بكر ليدفع عن الأمة فتنة الفرقة والاختلاف ، ولم يكن معه شيء من نار ، ولا تَعَرَّضَ لبنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل خاطبها بأحسن الخطاب وعاملها بأكرم الأخلاق .
4- ثم في الخبر قول عمر مخاطبا فاطمة ( وذلك أقوى فيما جاء به أبوك ) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي ذلك سوء أدب مع الرسول الكريم ، فلو كان حقا صدر من عمر مثل هذا الخطاب ، لسارع سائر الصحابة إلى الإنكار عليه وعقوبته ، ولكنَّ الكذب والبهتان في هذا الخبر ظاهر ، لا ينطلي على صغار المسلمين ، فقد عُرفَ عن الصحابة عموما ، وعن عمر بن الخطاب خصوصا حبهم وتقديرهم واحترامهم الشديد لشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم .
5- وأخيرا ، فقد كانت الصلة بين عمر بن الخطاب وآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من أحسن الصلات ، فكانوا يتبادلون المودة والمحبة ، ويعرفون لبعضهم أقدار بعض ، ولم يكن بينهم إلا كل خير وأخوة ، حتى جاء بالأسانيد الصحيحة التي يرويها البخاري (3677) ومسلم (2389) عن ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال : ( وُضِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى سَرِيرِهِ ، فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُثْنُونَ وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ ، وَأَنَا فِيهِمْ ، قَالَ : فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا بِرَجُلٍ قَدْ أَخَذَ بِمَنْكِبِي مِنْ وَرَائِي ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ عَلِيٌّ بن أبي طالب ، فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ وَقَالَ : مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ ، وَذَاكَ أَنِّي كُنْتُ أُكَثِّرُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : جِئْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ، فَإِنْ كُنْتُ لَأَرْجُو أَوْ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَهُمَا )
ثالثا :
مثل الرواية السابقة – في الضعف والنكارة – ما يروى عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال : ( دخلت على أبي بكر رضي الله عنه أعوده في مرضه الذي توفي فيه ، فسلمت عليه وسألته كيف أصبحت ؟ فاستوى جالسا فقلت : أصبحت بحمد الله بارئا… – وذكر كلاما طويلا وفيه – : أما إني لا آسى على شيء إلا على ثلاث فعلتهن وددت أني لم أفعلهن…- وذكر منها قوله – : فوددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة وتركته ، وإن أُغلق على الحرب…إلى آخر الخبر )
أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في “الأموال” (ص/173) وابن زنجويه في “الأموال” (364) والطبري في “تاريخ الأمم والملوك” (2/353) والعقيلي في “الضعفاء الكبير” (3/419) والطبراني في “المعجم الكبير” (1/62) وعنه أبو نعيم الأصبهاني في “حلية الأولياء” (1/34) ، وأخرجه ابن عساكر في “تاريخ دمشق” (30/417-430) جمعهم من طرق مدارها على علوان بن داود البجلي .
قلت : وهذا السند منكر ، علته علوان بن داود البجلي :
قال الهيثمي في “مجمع الزوائد” (5/366) : ” وفيه علوان بن داود البجلي وهو ضعيف ، وهذا الأثر مما أنكر عليه ” انتهى . قال الذهبي في ترجمته في “ميزان الاعتدال” (3/108) : ” علوان بن داود البجلي ، مولى جرير بن عبدالله ، ويقال علوان بن صالح ، قال البخاري : علوان بن داود – ويقال ابن صالح : منكر الحديث . وقال العقيلى : له حديث لا يتابع عليه ، ولا يعرف إلا به . وقال أبو سعيد بن يونس : منكر الحديث ” انتهى .
ومما يدل على ضعفه ونكارته اضطرابه في روايته هذه :
حيث رواه مرة عن صالح بن كيسان عن حميد بن عبد الرحمن . كما عند أبي عبيد وابن عساكر والعقيلي .
ومرة عن أبي محمد المدني عن صالح بن كيسان . كما عند ابن عساكر (30/420) .
ومرة عن الماجشون عن صالح بن كيسان . كما عند ابن عساكر (30/422)
ومرة عن حميد بن عبد الرحمن بن حميد عن صالح بن كيسان . كما عند أبي عبيد والطبراني وابن عساكر (30/422)
ومرة عن حميد بن عبد الرحمن عن صالح بن كيسان عن عمر بن عبد الرحمن . كما عند الطبري .
ولا شك أن هذا الاختلاف والاضطراب دليل على وهمه ونكارة مرويه .
فكيف يريد الكذابون منا أن نصدق بخبر رواه رجل منكر الحديث ، اتفقت كلمة المحدثين على تضعيفه ورده ، ومن أين لهم أن قوله ( كشفت بيت فاطمة ) – إن كان ثابتا – يعني به الاعتداء عليها وحرقه أو هدمه ، وكيف يتوقعون أن يصدقهم الناس في أن أبا بكر الصديق – خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم والأنبياء – آذى فاطمة بنت رسول الله في بيتهما أو بدنها ، وأنه اعتدى على حرمتها واقتحم دارها .
بل الثابت في صحيح البخاري (4240) وصحيح مسلم (1759) ( أن علي بن أبي طالب لم يزل يكلم أبا بكر ، حتى فاضت عينا أبي بكر ، فلما تكلم أبو بكر قال : والذي نفسي بيده ، لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي ، وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال فإني لم آل فيها عن الحق ، ولم أترك أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيها إلا صنعته )
رابعا :
أما ما يتناقله الرافضة في كتبهم ومواقعهم ، وينقلونه عن بعض الرواة الكذابين منهم ، أن عمر بن الخطاب أحرق بيت فاطمة فعلا ، وضربها حتى أدمى عضدها ، وأنها أسقطت ما في بطنها بسبب ذلك ، وفي بعض الروايات أنها كشفت عن شعرها ، فكل ذلك من الكذب الذي لا يدري المسلم أيضحك منه أم يبكي عليه ؟
أيضحك بسبب سماجة هذه الكذبات التي لا يشك من يقرؤها أنها موضوعة مصنوعة ، لأن من يذكرها لا يذكرها بسند صحيح متصل ، إنما ينقلها عن بعض كتب التاريخ التي شحنها الكذابون بالقصص المختلقة ؟!!
أم يبكي على ما وصلت إليه عقول بعض الناس من تصديق الخرافات وتناقل الكذبات ، وعدم الاكتراث لحق الصحابة الكرام الذين قال الله تعالى فيهم ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة/100
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في “منهاج السنة النبوية” (8/208) :
” ونحن نعلم يقينا أن أبا بكر لم يُقدِم على علي والزبير بشيء من الأذى ، بل ولا على سعد بن عبادة المتخلف عن بيعته أولا وآخرا ، وغاية ما يقال إنه كبس البيت لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي يقسمه ، وأن يعطيه لمستحقه ، ثم رأى أنه لو تركه لهم لجاز ، فإنه يجوز أن يعطيهم من مال الفيء ، وأما إقدامه عليهم أنفسهم بأذى فهذا ما وقع فيه قط باتفاق أهل العلم والدين ، وإنما ينقل مثل هذا جهال الكذابين ، ويصدقه حمقى العالمين ، الذين يقولون إن الصحابة هدموا بيت فاطمة ، وضربوا بطنها حتى أسقطت ، وهذا كله دعوى مختلقة ، وإفك مفترى باتفاق أهل الإسلام ، ولا يروج إلا على من هو من جنس الأنعام .” انتهى .
ونحن لا نقول هذا جزافا ومغامرة ، وإنما عن دراسة استقرائية لجميع من ذكر القصة من المؤرخين السنة والشيعة .
أما السنة فقد سبق ذكر المرويات الصحيحة والضعيفة عندهم .
وأما الشيعة فقد ذكروا هذه القصة في عشرات الكتب ، ليس في شيء منها إسناد معتمد ، ولعل أول وأقدم من ذكرها ، كتاب سُليم بن قيس العامري الهلالي ، يسمى كتابه بـ “السقيفة” ، جاءت فيه القصة مسندة (ص/385) من طبعة محمد باقر الأنصاري ، وسندها هو : أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس قال : كنت عند عبد الله بن عباس في بيته ومعنا جماعة من شيعة علي عليه السلام ، فحدثنا فكان فيما حدثنا أن قال :…وذكر رواية طويلة فيها تفصيل للقصة المكذوبة في اعتداء الصحابة على بيت فاطمة رضي الله عنها .
والجواب عن هذا أن يقال :
إن كتاب سُليم بن قيس كتاب مكذوب ، فيه أول نص على تحريف القرآن الكريم ، وقد تشكك في نسبته علماء الشيعة أنفسهم :
يقول ابن المطهر الحلي في كتاب الرجال (ص/206) : ” أبان بن أبي عياش ضعيف جداً ، وينسب أصحابنا وضع كتاب سليم بن قيس إليه ” انتهى .
وجاء في كتاب محمد بن علي الأردبيلي (1101هـ) “جامع الرواة” (1/9) : ” أبان بن أبي عياش ، فيروز ، تابعي ضعيف ، ..وزاد في (صه) عن (غض) لا يلتفت إليه ، وينسب أصحابنا وضع كتاب سليم بن قيس إليه ” انتهى .
ويقول المامقاني (1351هـ) في كتابه “تنقيح المقال” (2/25) : ” يقول أصحابنا الشيعة وعلماء الشيعة أن سليماً لم يُعرف ، ويُشَك في أصل وجوده ولم يذكروه بالخير ، والكتاب المنسوب إليه موضوع قطعاً وفيه أدلة كافية للدلالة على وضعه ” انتهى .
وقال الشيخ المفيد في كتاب “تصحيح اعتقادات الإمامية” (149-150) :
” هذا الكتاب غير موثوق به ، وقد حصل فيه تخليط وتدليس ؛ فينبغي للمتدين أن يجتنب العمل بكل ما فيه ، ولا يُعول على جملته ، والتقليد لروايته ، وليفزع إلى العلماء (!!) فيما تضمنه من الأحاديث ، ليوقفوه على الصحيح منها والفاسد ” انتهى بنصه ، وهو كلام غني عن التعليق !!
ويقول الموسوي في كتابه “لله ثم للتاريخ” (ص/83) :
” أما كتاب سليم بن قيس فهو مكذوب على سليم بن قيس ، وضعه أبان بن أبي عياش ثم نسبه إلى سليم ” انتهى .
ثم على فرض صحة نسبة الكتاب ، فإن سليم بن قيس لم يكن في المدينة في خلافة أبي بكر الصديق ، كما تذكر ذلك جميع الكتب الشيعية التي ترجمت له ، نص على ذلك محقق كتاب سُليم بن قيس وهو محمد باقر الأنصاري (ص/58) ، فيظهر بذلك أن ثمة انقطاعا ظاهرا بين سليم بن قيس وأحداث القصة ، لا يُدرى عمَّن أخذها من الرواة الكذابين ، أو من كذبها عليه.
ونزيد أيضا أنه في ميزان النقد الحديثي ، لا تعرف لسليم بن قيس رواية عن عبد الله عباس ، فلم يذكره أحد في تلاميذ ابن عباس ، ولا يعرف له سماع منه ، فثمة سقط ظاهر في السند .
كما أن أبان بن أبي عياش حكم عليه علماء الحديث بالترك والنكارة والضعف ، قال الإمام أحمد : متروك الحديث ، ترك الناس حديثه منذ دهر ، وقال : لا يكتب حديثه كان منكر الحديث ، وقال ابن معين : ليس حديثه بشيء ، وقال ابن المديني : كان ضعيفاً ، وقال شعبة : ابن أبي عياش كان يكذب في الحديث . انظر “تهذيب التهذيب” (1/97-101)
خامسا :
وأخيرا : إذا نقلنا عن علماء الشيعة أنفسهم تكذيب هذه القصة التي يرويها مؤرخوهم ، فهل سيبقى بعد ذلك حجة لأحد في تصديقها ؟!
يقول إمام الإمامية الأكبر محمد حسين آل كاشف الغطاء في كتابه “جنة المأوى” (ص/135) طبعة دار الأضواء :
” ولكن قضية ضرب الزهراء ولطم خدها مما لا يكاد يقبله وجداني ، ويتقبله عقلي ، وتقتنع به مشاعري ، لا لأن القوم يتحرجون ويتورعون من هذه الجرأة العظيمة ، بل لأن السجايا العربية والتقاليد الجاهلية (؟!!) التي ركزتها الشريعة الإسلامية وزادتها تأييدا وتأكيدا ، تمنع بشدة ضرب المرأة ، أو تمد إليها يد سوء ، حتى إن بعض كلمات أمير المؤمنيين ما معناه : أن الرجل كان في الجاهلية إذا ضرب المرأة يبقى ذلك عارا في أعقابه ونسله … فكيف يقتحمون هذه العقبة الكؤود ، ولو كانوا أعتى وأعدى من عاد وثمود ؟!! …
ويزيدك يقينا بما أقول أنها –ولها المجد والشرف – ما ذكرت ولا أشارت إلى ذلك في شيء من خطبها ومقالاتها المتضمنة لتظلمها من القوم وسوء صنيعهم معها ، مثل خطبتها الباهرة الطويلة التي ألقتها في المسجد على المهاجرين والأنصار ، وكلماتها مع أمير المؤمنين بعد رجوعها من المسجد ، وكانت ثائرة متأثرة حتى خرجت عن حدود الآداب (؟!!) التي لم تخرج من حظيرتها مدة عمرها ، فقالت له : يا ابن أبي طالب ، افترست الذئاب وافترشت التراب – إلى أن قالت له : هذا ابن أبي فلانة يبتزني نحلة أبي ، وبلغة ابني ، لقد أجهد في كلامي ، وألفيته الألدّ في خصامي ، ولم تقل إنه أو صحابه ضربني ، أو مدّت يد إليّ ، وكذلك في كلماتها مع نساء المهاجرين والأنصار بعد سؤالهن : كيف أصبحت يا بنت رسول الله ؟ فقالت : أصبحت والله عائفة لدنياكن ، قالية لرجالكن ، ولا إشارة فيها إلى شيء عن ضربة أو لطمة ، وإنما تشكو : أعظم صدمة ، وهي غصب فدك ، وأعظم منها غصب الخلافة ، وتقديم من أخّر الله ، وتأخير من قدّم الله ، وكل شكواها كانت تنحصر في هذين الأمرين ، وكذلك كلمات أمير المؤمنيين بعد دفنها ، وتهيج أشجانه وبلابل صدره لفراقها ذلك الفراق المؤلم ، حيث توجّه إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم قائلا : السلام عليك يا رسول الله ! عني وعن ابنتك النازلة في جوارك ..إلى آّخر كلماته التي ينصرع لها الصخر الأصم لو وعاها ، وليس فيها إشارة إلى الضرب واللطم ، ولكنه الظلم الفظيع والامتهان الذريع ، ولو كان شيء من ذلك لأشار إليه سلام الله عليه ؛ لأن الأمر يقتضي ذكره ولا يقبل سنده ، ودعوى أنها أخفته عنه ساقطة بأن ضربة الوجه ولطمة العين لا يمكن اخفاؤها “
انتهى باختصار .
( تنبيه : تعمدنا نقل النص على طوله – رغم ما فيه من الباطل المفترى والكذب المختلق والتعدي على الصحابة الكرام – كي يفهم القارئ الكريم السياق ، وكيف يطعن واحد من أكبر مرجعيات الشيعة في هذه القصة ، وإذا فهم القارئ أنه من مراجع القوم ، فلا جرم فيما قال وألم ، فكل إناء بما فيه ينضح !! )
أسأل الله أن يهدي ضال الناس إلى الحق .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android