0 / 0

حكم ما يسمى بـ “الوصية الواجبة”

السؤال: 98018

في بعض البلاد يوجد في نظام الميراث ما يسمى بالوصية الواجبة ؟ فهل لها أصل في الشرع ؟
وهل المال المأخوذ بها حلال ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً :
في بعض البلاد الإسلامية تأخذ المحاكم بهذا القانون ، وفيه اقتطاع جزء من التركة ويُعطى للأحفاد باسم “الوصية الواجبة” .
وحاصل ما عليه هذا القانون : أن الوصية تجب لأهل الطبقة الأولى من أولاد البنات ، ولأولاد الأبناء وإن نزلت طبقاتهم بشرط ألا يكون بينه وبين الميت أنثى ، وصية بمثل ما كان يستحقه والدهم ميراثا في تركة أبيه لو كان حيا عند موت الجد ، بشروط :
1- ألا يزيد عن الثلث ، فإن زاد عن الثلث أخذ الأحفاد الثلث فقط .
2- أن يكون الحفيد غير وارث .
3- ألا يكون الجد الميت قد أعطاه قدر ما يجب له بوصية أو تبرع أو غير ذلك .
الأصل الشرعي لهذه الوصية :
قالت المذكرة التفسيرية في الأصل الشرعي لهذه الوصية : “القول بوجوب الوصية للأقربين غير الوارثين مروي عن جمع عظيم من فقهاء التابعين ، ومن بعدهم من أئمة الفقه والحديث ، ومن هؤلاء : سعيد بن المسيب والحسن البصري وطاووس والإمام أحمد وداود والطبري وإسحاق بن راهويه وابن حزم ، والأصل في هذا قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ )البقرة/180 ، والقول بإعطاء جزء من مال المتوفى للأقربين غير الوارثين على أنه وصية وجبت في ماله إذا لم يوص له مذهب ابن حزم ، ويؤخذ من أقوال بعض التابعين ، ورواية في مذهب الإمام أحمد ” انتهى .
وهذا النص يفيد أمرين :
الأول : وجوب الوصية .
والآية تفيد وجوب الوصية من وجهين :
1- لفظ : (كتب) فإنه بمعنى : فُرض .
2- قوله : (حقا على المتقين) فهو من الألفاظ التي تدل على الوجوب .
الثاني : أنه إذا لم يوص ، فإنه تنفذ الوصية بغير إرادته ، بحكم القانون ، ونسبوا هذا إلى ابن حزم رحمه الله ، وسيأتي أن ابن حزم لم يقل بهذا التفصيل الذي قال به القانون .
وقد اختلف العلماء في هذه الآية هل هي منسوخة أم لا ؟
فذهب الجمهور إلى النسخ ( ومنهم الأئمة الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله ) ، واستدلوا على ذلك بعدة أدلة :
1- أن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من لم ينقل عنهم وصايا ، ولم ينقل نكير لذلك ، ولو كانت واجبة لم يخلوا به ، ولنقل عنهم العمل بها نقلاً ظاهراً .
2- أن الوصية عطية ، والعطية لا تجب في الحياة ، فلا تجب بعد الوفاة .
3- أن الوصية للوارث نسخت بآيات المواريث عند الجمهور ، أو نسخت بحديث : ( لا وصية لوارث ) عند بعض العلماء ، فنُسخت هذه الآية في جملة معناها وأحكامها ، ومن أحكامها : الوصية للأقارب .
وقال ابن عبد البر رحمه الله : “أجمعوا على أن الوصية غير واجبة إلا طائفة شذت فأوجبتها” انتهى من “التمهيد” (14/292) .
وروى أبو داود (2869) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال : ( “إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ” فَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ كَذَلِكَ حَتَّى نَسَخَتْهَا آيَةُ الْمِيرَاثِ ) صححه الألباني في “صحيح أبي داود” .
وذهب بعض السلف ، (وقال به ابن عباس رضي الله عنهما في إحدى الروايتين عنه) إلى أن الآية ليست منسوخة ، بل خُصَّ منها الوصية للأقارب الوارثين ، وبقي الوجوب في حق غير الوارثين .
فهذه الآية تُخَصُّ إما بآيات المواريث ، أو بحديث : ( لا وصية لوارث) .
انظر : “المغني” (8/391) ، “المحلى” (9/312) .
الانتقادات الموجهة إلى هذه الوصية القانونية:
1- وهذه الوصية – وإن كانوا هم يسمونها “وصية” – إلا أنها في حقيقة الأمر “ميراث” .
ولذلك قال الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه “شرح قانون الوصية” (ص 239) بعد أن ذكر أحكام الوصية في القانون ، قال : “هذه خلاصة أحكام الوصية الواجبة . . . وهذه الأحكام في غايتها ومرماها وفي الغرض منها والسبب الباعث عليها تنحو نحو الميراث ، فالقانون جعل بهذه الوصية لأولاد من يموت في حياة أبويه ميراثاً مفروضاً ، هو ميراثه الذي كان يستحقه لو بقي بعد وفاة أصله ، على ألا يتجاوز الثلث ، وإذا كان هذا غاية القانون ، فكل الأحكام تتجه إلى جعل هذه الوصية ميراثاً ، ولذا تجب من غير إيجاب ، وإذا وجبت صارت لازمة ، لا تقبل عدم التنفيذ ، وبذلك تشابهت مع الميراث” انتهى .
وإذا كانت ميراثا فهي باطلة بطلانا قطعيا ، لأن الله تعالى قد قسم المواريث بنفسه وبينها في كتابه تفصيلا ، ثم قال : ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ )النساء/13-14 .
فهذه الوصية الواجبة ما هي إلا استدراك وتعديل على حكم الله تعالى ، وكفى بهذا إثما وضلالا مبينا ، فإنه لا أحد أحسن حكما من الله عز وجل ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) المائدة/50 .
2- الآية التي استدلوا بها على مشروعية هذه الوصية ، قد خالفوها من ثلاثة أوجه :
الأول : قوله تعالى : ( إن ترك خيرا ) فهذا تقييد للأمر بالوصية فلا يؤمر بالوصية إلا من ترك خيرا ، وهو المال الكثير . قاله علي وابن عباس رضي الله عنهم ، وقد اختلف العلماء في مقداره ، واختار ابن قدامة رحمه الله أن المراد بذلك المال الكثير الذي يفضل منه شيء بعد إغناء الورثة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علَّل المنع من الوصية بأكثر من الثلث بقوله : (أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ) رواه البخاري (1296) ومسلم (1628). انظر : “المغني” (8/391) .
فهذا القيد (إن ترك خيرا) شرط للوجوب كما هو ظاهر ، والقانون أهمل هذا الشرط ، وأعطاهم جزءاً من التركة سواء ترك الميت مالاً كثيراً أم قليلاً .
الوجه الثاني : قوله تعالى : (والأقربين) عام في جميع الأقربين ، فيشمل الأحفاد والإخوة وأولادهم ، والأعمام والأخوال وأولادهم ، وغيرهم من الأقارب ، فتخصيصه بالأحفاد مخالفة أخرى للآية .
الوجه الثالث : الآية لم تحدد الوصية بقدر معين ، لا نصيب الأب ولا غيره ، فإذا أوصى الرجل مثلاً لحفيده بالسدس فقد امتثل الأمر الوارد في الآية ، غير أن القانون لا يكتفي بهذا ، بل يكمل له نصيب أبيه الذي لو فرض أنه كان حيا لأخذه ، بشرط ألا يزيد على الثلث ، وهذه مخالفة ثالثة للآية .
3- سبب تشريع القانون كما في المذكرة التفسيرية تكرر الشكوى عن حالة موت الأب في حياة أبيه ويترك أولاده صغارا فقراء محتاجين ثم يموت الجد ويأخذ أعمامهم الميراث كله ، ويبقى هؤلاء الأحفاد فقراء ، في حين أن أباهم لو كان حياً لكان له نصيب من الميراث .
فإن كان هذا هو سبب تشريع القانون ، فلماذا أعطى القانون الأحفاد جزءاً من التركة ولم يشترط فقرهم ؟ بل أعطاهم ولو كانوا أغنياء ، وكان الواجب الاقتصار على حالة الحاجة .
قال الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله (ص244) : ” والحق أننا إن أخذنا بالوجوب ( يعني وجوب الوصية ) يجب أن نعتبر الاحتياج ، لأن الوصايا من باب الصدقات فيجب أن تكون للفقراء ، ولأن الوصية الواجبة تقدم على غيرها فيجب أن تكون القربة فيها أوضح ” انتهى بتصرف يسير .
4- قصر القانون الأقارب الذين يستحقون هذه الوصية على الأحفاد فقط ، وأعطاهم نصيب أبيهم ، وقد يفهم من القانون أن هذا مذهب ابن حزم رحمه الله ، وليس هذا مذهبه ، فابن حزم رحمه الله لا يخص الوصية بالأحفاد بل تكون لجميع الأقارب غير الوارثين ، ويوجب على الموصي أن يوصي لثلاثة من أقاربه على الأقل ، لأن هذا هو أقل الجمع ، ثم إن ابن حزم رحمه الله لم يحدد الجزء من المال الموصى به بمقدار معين ، بل بما يشاء الميت ، فإن لم يوص فالورثة أو الوصي هم الذين يحددون مقدار ما يخرجونه من المال للأقارب .
قال ابن حزم رحمه الله : ” فمن مات ولم يوص : ففرضٌ أن يُتصدق عنه بما تيسر ، ولا بد ; لأن فرض الوصية واجب , كما أوردنا , فصح أنه قد وجب أن يخرج شيء من ماله بعد الموت , فإذ ذلك كذلك فقد سقط ملكه عما وجب إخراجه من ماله . ولا حدّ في ذلك إلا ما رآه الورثة , أو الوصي مما لا إجحاف فيه على الورثة ” . إلى أن قال : ” وفرضٌ على كل مسلم أن يوصي لقرابته الذين لا يرثون , إما لرقٍّ , وإما لكفر , وإما لأن هنالك من يحجبهم عن الميراث ، أو لأنهم لا يرثون فيوصي لهم بما طابت به نفسه , لا حدّ في ذلك , فإن لم يفعل أُعطوا ولا بدّ ما رآه الورثةُ , أو الوصيُّ ” انتهى من “المحلى” (8/351).
فهذا ابن حزم يصرح أنه لا حد لهذه الوصية .
4- هذه الوصية بهذا التفصيل الوارد في القانون ، لم يقل بها أحد من علماء الإسلام قاطبة على مدار أربعة عشر قرناً من الزمان ، وكفى بهذا دليلاً على بطلان هذا القانون ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ ) رواه الترمذي (2167) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
فلو كانت هذه الوصية بهذا التفصيل حقاً ، لما تركت الأمة بأسرها العمل بها ، حتى يأتي هؤلاء المتأخرون وينصفون من ظلمه الأئمة والعلماء والمسلمون على مدار أربعة عشر قرناً !!
5- هناك حالات كثيرة إذا تأملها الإنسان المنصف تبين له بطلان هذا القانون ، منها :
أ- قد يكون الأحفاد أغنياء وأعمامهم (أولاد الميت) فقراء ، والقانون في هذه الحالة أيضاً يعطي الأحفاد جزءاً من التركة تحت مسمى “الوصية الواجبة” ! مع أن أعمامهم أولى بهذا المال منهم ، لأنهم أقرب إلى الميت منهم ، ولحاجتهم إليه .
ب – لماذا يراعي القانون الأحفاد ولا يراعي الأجداد والجدات غير الوارثين ، مع أنهم في الغالب أشد حاجة ويكونون مرضى ، وعاجزين عن العمل ، ويحتاجون إلى علاج ونفقات .
فلماذا يعطي القانون بنت البنت ولا يعطي أم الأب مثلاً ؟!
ج – أن بنت البنت قد تأخذ أكثر مما ترثه بنت الابن ، فلو مات شخص عن بنت ، وبنت بنت متوفاة ، وبنت ابن ، وترك 30 فدانا مثلا ، فإن مقدار الوصية الواجبة لبنت البنت هنا هو ثلث التركة وهو 10 أفدنة نصيب أمها لو كانت حية .
وتأخذ البنت وبنت الابن الباقي فرضا وردا بنسبة 1:3 ، فيكون نصيب بنت الابن خمسة أفدنة أي نصف ما أخذته بنت البنت !!
مع أن بنت الابن أحق منها ، ولذلك انعقد إجماع العلماء على أن بنت الابن ترث ، وأن بنت البنت لا ترث ، فكيف يُعطى غير الوارث أكثر من الوارث ، مع أنهما في درجة قرابة واحدة ؟!
د – أن بنت الابن قد تأخذ أكثر من البنت ، وذلك فيما إذا مات شخص عن بنتين ، وبنت ابن متوفى ، وأخت شقيقة، وترك 18 فدانا مثلا ، فإن مقدار الوصية لبنت الابن ثلث التركة وهو 6 أفدنة ، أما الباقي فيقسم بين البنتين والأخت الشقيقة ، فتأخذ البنتان الثلثين 8 أفدنة ، لكل منهما 4 أفدنة ، وتأخذ الأخت الشقيقة الباقي وهي 4 أفدنة !!
وهذا الشذوذ والاختلاف دليل على نقص البشر ، وتصديق لقوله تعالى : ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) النساء/82 .
وأقوى هذه الاعتراضات على القانون: أن هذه الوصية صارت في حقيقة الأمر ميراثاً ، ولذلك يأخذ الأحفاد هذا النصيب وإن لم يوص الميت لهم بشيء ، ويأخذونه سواء ترك مالا كثيرا أو قليلاً ، وسواء كانوا فقراء أم أغنياء ، وهذه كله يدل على أنها ميراث ، وهذا اعتراض منهم على حكم الله تعالى وتغيير له .
ثانياً :
وأما الحالة التي زعموا أنهم وضعوا هذا القانون علاجاً لها ، وهي “فقر الأحفاد” فيمكن حلها بطرق لا تتعارض مع الشرع .
الطريقة الأولى : أن يُعَلَّم الأغنياء أنه يجب عليهم أو على أقل تقدير يستحب أن يوصوا لأقاربهم الفقراء بجزء من أموالهم .
الطريقة الثانية : إذا لم يوص فإن الورثة إذا كانوا أغنياء ينبغي لهم أن يعطوا الأحفاد أو غيرهم من الأقارب الفقراء جزءا من هذا المال ، ويكون صدقة منهم وصلة للرحم .
فبهاتين الطريقتين يمكن علاج تلك المشكلة من غير الوقوع في مخالفة الشرع .
ثالثاً:
أما أخذ المال بهذه الوصية ، فهو حرام ، لقول الله تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ) النساء/30 .
وأكل المال بالباطل هو أخذه من غير سبب شرعي يبيح ذلك .
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ) رواه البخاري (67) ومسلم (1679) .
نسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم ردا جميلا .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android