قرأت في الفتوى رقم:(292592) في مسألة القصاص في القنطرة أن هنالك من العلماء من قال في قوله: (يتقاصون) أي: يتتاركون؛ لأنه ليس موضعَ مقاصة ولا حساب؛ لكن يلقي الرب جل جلاله في قلوبهم العفو لبعضهم عن بعض، فهل هذا هو الصحيح والراجح في المسألة؟ أنا قد تعرضت لظلم، فهل سيعفو الله تعالى عن من ظلمني دون أن ينتقم لي، ويقتص لي؟ أنا أؤمن بأن حاشه سبحانه ذلك، كنت مرتاح البال؛ لأني سآخذ حقي، لكن وقع في قلبي بعد قول هذا العالم، فأرجو توضيح الأرجح والأصح في المسألة، وما قصد العالم بالعفو، هل هذا العفو يدخل حسنات على المظلوم ويعلي بدرجاته في الجنة، أم هكذا لا يتغير أي شيء؟
توضيح لمسألة القصاص في قنطرة المظالم
السؤال: 380566
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
متى يكون القصاص يوم القيامة؟
القصاص يوم القيامة يكون في موضعين: قبل الصراط ، وبعده.
فأما الذي قبل الصراط، فإنه يكون بالحسنات والسيئات كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ، أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ رواه البخاري (2269).
وكما في حديث المفلس وقد رواه مسلم (2851) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ.
فهذا قبل الصراط، ولهذا كان الظالم معرَّضا لأن يطرح في النار.
وأما القصاص بعد الصراط، فهذا لإزالة ما في النفوس من الحقد والغل، كما روى البخاري (2440) عن أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا خَلَصَ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ، حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا، أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الجَنَّةِ: أَدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا.
وقد اختلف في معناه على ثلاثة أقوال سبق ذكرها في جواب السؤال رقم:(292592) وحاصلها:
1-أن المظلوم يأخذ من حسنات الظالم، وهذا الظالم قد جاوز الصراط لأن مظالمه لا تستنفد حسناتِه، كما نقلناه عن الخطابي والقرطبي.
2-أن الله يعوض المظلوم خيرا من مظلمته، ويعفو عن الظالم برحمته، وهذا قول البيهقي.
3-أن الله يعوض المظلوم، أو يلقي في قلوبهم العفو، وهذا قاله ابن الملقن رحمه الله.
وهذا القول الأخير يُحْمَل على أن المظلوم يكون قد أخذ من حسنات الظالم في القصاص الأول، وبقي في النفوس شيء، فيزيل الله ما في النفوس؛ لأن الجنة لا مجال فيها للغل.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "شرح العقيدة الواسطية" (2/163) :" قوله:" فيقتص لبعضهم من بعض ":
وهذا القصاص غير القصاص الأول، الذي في عرصات القيامة، لأن هذا قصاص أخص؛ لأجل أن يذهب الغل والحقد والبغضاء التي في قلوب الناس، فيكون هذا بمنزلة التنقية والتطهير ، وذلك لأن ما في القلوب لا يزول بمجرد القصاص.
فهذه القنطرة التي بين الجنة والنار؛ لأجل تنقية ما في القلوب ، حتى يدخلوا الجنة وليس في قلوبهم غل ؛ كما قال الله تعالى: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِين) [الحجر: 47]" انتهى.
ومن المقطوع به أن حق المظلوم لا يضيع عند الله تعالى، فأبشر وطِبْ نفسا، وكن على ثقة بعدل الله تعالى، وكريم عطائه، وإحسانه، وعزه لمن صبر على مظلمة نالته في الدنيا.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(178255).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة