0 / 0
2,27203/03/2024

تريد ترك الإسلام؛ لأن التزامها بالإسلام كان سببا لمصائبها!!

السؤال: 352242

لدي استشارة حول أمر معين، فأنا ارغب بتغيير ديني، بحيث أصبح لا دينية لا أتبع أي دين، وأنا في حيرة حاليا، ولمدة أيام بالماضي احترت بين ديانتين مختلفتين، ولكن قد نويت أخيرا أن أصبح لا دينية، والسبب لذلك ـ والذي أريد من حضرتكم طرح تفسير منطقي لما حدث معي ـ هو: أنني بعد أن آمنت بالمعتقد الإسلامي تضررت قواي العقلية بفعل شيء ما لا أعلمه، ففقدت عقلي، وأصبت بشتى أنواع المصائب، وأصبحت إنسانا مهانا ذليلا أمام الناس، وكلما أدعو أصاب بالمصائب أكثر، لا يتعلق الأمر باستجابة الدعاء، بل لو اقتصر الأمر على استجابة الدعاء وهو عبارة عن مطلب لرفع ظلما كبيرا لي، لكنت قد رضيت بالقضاء والقدر كما تؤمنون، ولكن بدأت أشعر وكأن كل شيء سيء يحدث لي، وكأن شيئا ما يتقصد أذيتي، ويريدني مهانة وذليلة، وكلما أدعو تزداد المصائب، إنني أحاول بالقدر المستطاع أن أكون صادقة مع نفسي حتى في ترك الدين، ولأنني صادقة أبحث عن جواب، أرجو أن يكون شافيا، فما التفسير المنطقي؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

يسرّنا تواصلك معنا، وفي الوقت نفسه يؤسفنا ما تقدمين عليه من الانسلاخ من الإسلام، فهو المصيبة الكبرى التي ليس فوقها مصيبة، وهو ظلم عظيم منك لنفسك، وما قلت إنه سبب لخروجك من الإسلام، هو خال من أي منطق أو عقل، بل هو محض وساوس من الشيطان.

فمجرد وقوع بعض المصائب عليك بعد التزامك بالإسلام، لا يعتبر دليلا منطقيا على عدم صحة هذا الدين ، وسببا لخروجك منه.

وسوف نوضح لك جوابنا في عدة مقاصد:

أولا:

الأمراض والمصائب ليست خاصة بأهل دين دون غيره، بل هذه أمور كتبها الله تعالى على عباده، فكلهم معرَّضون لهذه الأعراض، كما أنهم كلهم معرّضون لنعمة الغنى والصحة، فهذا مقتضى ربوبية الله تعالى للناس جميعا، فهو رب العالمين، وإنما يتمايز الناس في النعيم يوم القيامة فريق إلى الجنة وفريق إلى السعير.

فلا يستدل بمصائب الدنيا بمفردها على صدق أمر ما أو بطلانه، وإنما معرفة الحق مدارها على الدليل والبرهان، وهذا أمر متفق عليه بين العقلاء جميعا.

والاستدلال بمجرد المصائب الظاهرة هذه طريقة لجأ إليها المشركون قديما لما لم يجدوا ردا معقولا على دعوة الرسل عليهم السلام.

كما في قصة صالح عليه السلام مع قومه ثمود، قال الله تعالى عن حالهم:

( قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ) النمل/47.

قال الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

” قوله: ( اطَّيَّرْنَا بِكَ )، أي: تشاءمنا بك، وكان قوم صالح إذا نزل بهم قحط أو بلاء أو مصائب، قالوا: ما جاءنا هذا إلا من شؤم صالح، ومن آمن به. والتطير: التشاؤم، وأصل اشتقاقه من التشاؤم بزجر الطير…

وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من تشاؤم الكفار بصالح ومن معه من المؤمنين، جاء مثله موضحا في آيات أخر من كتاب الله؛ كقوله تعالى في تشاؤم فرعون وقومه بموسى: ( فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ )، وقوله تعالى في تطير كفار قريش بنبينا – صلى الله عليه وسلم -: ( وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ).

والحسنة في الآيتين: النعمة كالرزق والخصب والعافية، والسيئة: المصيبة بالجدب والقحط، ونقص الأموال، والأنفس، والثمرات… ” انتهى من “أضواء البيان” (6 / 450 – 451).

فهل يرضى الإنسان العاقل لنفسه أن ينزل مستوى تفكيره إلى مستوى تفكير عبّاد الأحجار أولئك؟!

وقد بيّن الله تعالى سبب المصائب التي تلحق عباده ، وأنها على نوعين:

النوع الأول: مصائب تقع بسبب مخالفة دين الله تعالى، ومنها التفريط في تحصيل الوسائل الدنيوية المشروعة التي تدفع هذه المصائب.

قال الله تعالى:

( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) الشورى /30.

النوع الثاني:

مصائب يمتحن بها الله تعالى إيمان عبده وصدقه.

قال الله تعالى:

( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) العنكبوت/2 – 6 .

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

” وقوله: ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ) استفهام إنكار، ومعناه: أن الله سبحانه وتعالى لا بد أن يبتلي عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من الإيمان…

وهذه الآية كقوله: ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ )، وقال في “البقرة”: ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ).

ولهذا قال هاهنا: ( وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) أي: الذين صدقوا في دعواهم الإيمان ممن هو كاذب في قوله ودعواه…

وقوله: ( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) أي: لا يحسبن الذين لم يدخلوا في الإيمان أنهم يتخلصون من هذه الفتنة والامتحان، فإن من ورائهم من العقوبة والنكال ما هو أغلظ من هذا وأطم؛ ولهذا قال: ( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا ) أي: يفوتونا، ( سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) أي: بئس ما يظنون ” انتهى من “تفسير ابن كثير” (6/ 263 – 264).

وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

” والمعنى: أن الناس لا يتركون دون فتنة، أي: ابتلاء واختبار، لأجل قولهم: آمنا، بل إذا قالوا: آمنا فتنوا، أي: امتحنوا واختبروا بأنواع الابتلاء، حتى يتبين بذلك الابتلاء الصادق في قوله: آمنا من غير الصادق.

وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة، جاء مبينا في آيات أخر من كتاب الله ” انتهى من “أضواء البيان” (6 / 509).

ثم هذه المصائب مهما كان نوعها، فالمؤمن منتفع بها إن صبر.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا يَزَالُ البَلَاءُ بِالمُؤْمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ ) رواه الترمذي (2399)، وقال: ” هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ “.

وعَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) رواه مسلم (2999).

أفلا ترضين أن تصبري وتكون عاقبتك الجنة؟!

عن عَطَاء بْن أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: ( أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ؟

قُلْتُ: بَلَى.

قَالَ: هَذِهِ المَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي.

قَالَ: إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ.

فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لاَ أَتَكَشَّفَ.

فَدَعَا لَهَا ) رواه البخاري (5652)، ومسلم (2576).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

” وفي الحديث فضل من يصرع، وأن الصبر على بلايا الدنيا يورث الجنة ” انتهى. “فتح الباري” (10 / 115).

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (135711)، ورقم: (415185)، ورقم: (224161).

ثانياً:

لن يستطيع الإنسان مهما فعل أن يخرج عما قدره الله تعالى له ، فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن .

وقد كتب الله مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة .

روى مسلم (4797)  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ).

فليعلم الإنسان أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه .

قال الله تعالى:

( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) الحديد/23.

فإذا علم العبد ذلك صبر على ما أصابه ، وارتقى بعد الصبر إلى درجة الرضا ، فيرزقه الله مزيدا من الإيمان والطمأنينة والرضى ، فيعيش حياة سعيدة ، مهما ظهر للناس أنه قد أصابه البؤس والشقاء .

قال الله تعالى : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) قال علقمة : هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ ، فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، فَيُسَلِّمُ لِذَلِكَ وَيَرْضَى. “تفسير ابن جرير” (23/12) .

فرُبَّ رجلٍ مريض فقير تكثر عليه المصائب ، ولكنه يعيش حياة هانئة سعيدة ، بما جعل الله في قلبه من الإيمان والصبر والرضا ، ورُبَّ رجلٍ صحيح معافى غنيٍّ منعمٍ في الدنيا بصنوف النعم المادية ، ولكنه يعيش حياة تعيسة ، بما نزع الله من قلبه الإيمان والصبر والرضا ، فهو دائم الشكوى والجزع والقلق والاضطراب ، فماذا يغني عنه نعيمه الظاهري ، وقد شقي قلبه؟

وعلى المسلم أن يعلم أن هذه الحياة الدنيا زائلة فانية ، فلا يعلق قلبه بمتاعها ، فهناك الدار الآخرة فيها الحياة الحقيقية الأبدية والنعيم الحقيقي .

قال الله تعالى:

( وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) العنكبوت/64.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه تعالى:

” وأما الدار الآخرة، فإنها دار ( الْحَيَوَانُ ) أي: الحياة الكاملة ” انتهى. “تفسير السعدي” (ص 635).

فليعمل لتلك الدار ، وليدع الاهتمام الزائد بالدنيا ، فإن (مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ : جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ : جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ) رواه الترمذي (2465) وأبو داود (1668) وابن ماجه (4105) ، وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي ” .

وينظر السؤال رقم: (21677)

ثالثا:

ما زال الناس يدخلون في هذا الدين أفواجا من شتى المراتب الاجتماعية ، وهم سعداء بهذا الدين فرحين به، وكثير منهم لحقه الأذى بسبب إسلامه فصبر ورأى أن يلقى في النار أهون عليه من الرجوع إلى الكفر لسعادته بهذا الدين، حالهم كحال سحرة فرعون لما أسلموا، قال الله تعالى مفصلا حالهم:

( فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى * قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى * قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) طه/70 – 73.

وكقصة أبي سفيان مع هرقل، لما سأله عن النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته:

( قَالَ – هرقل-: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قُلْتُ: لاَ…

– قال هرقل -: وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ القُلُوبَ… ) رواه البخاري (7)، ومسلم (1773).

فهل يعقل أن تكون مصائبك دليلا على بطلان دين الإسلام، وسعادة ملايين الناس به ليست دليلا على صحته؟!

ثم، لو كان الأمر بهذا المنطق الذي تتكلمين به: لكان عليك أن تنظري فيما لا يحصى من الكفار، والملاحدة في الأرض: ثم يعيشون مشردين، أو غير مشردين، لكن في أتعس حال، وشر مآل.

وهذا الأمر أوضح من أن ندلك عليه؛ فقط انظري في حولك؛ سوف ترين أمن التعساء الملاحدة، وسائر الكفرة: أكثر مما تظنين، وتقدرين. وأما التعاسة التي لا تبصرها العين، لكن تعرف بتتبع أخبارهم، ودمار نفوسهم، وشقاء معايش من تظنينه سعيدا: فأكثر من أن نشير إليه هاهنا.

فإذا كان الكافر، والملحد: يصيبه من الشقاء في هذه الحياة والتعاسة؛ فلم يبق ما تعودين به من الكفر الذي وسوس لك به الشيطان؛ إلا خسران الدنيا والآخرة، والعياذ بالله.

وتأملي معنا هذه الآيات العظيمة من كتاب الله جل جلاله، وهو يصف حال “المزعزع” في إيمانه؛ متى أصابه الضر والبؤس، انقلب على عقبيه. وأعيدي قراءة هذه الآيات، مرات، ومرات، وتدبري ما فيها من عظيم العبر وجليل المعاني.

قال الله تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ * يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ * إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ * مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ) سورة الحج/11-15

يقول العلامة الطاهر ابن عاشور، رحمه الله: ” هذا وصف فريق آخر من الذين يقابلون الأمر بالتقوى، والإنذار بالساعة: مقابلة غير المطمئن بصدق دعوة الإسلام، ولا المعرض عنها إعراضا تاما، ولكنهم يضعون أنفسهم في معرض الموازنة بين دينهم القديم ودين الإسلام:

فهم يقبلون دعوة الإسلام، ويدخلون في عداد متبعيه، ويرقبون ما ينتابهم بعد الدخول في الإسلام؛ فإن أصابهم الخير عقب ذلك، علموا أن دينهم القديم ليس بحق، وأن آلهتهم لا تقدر على شيء، لأنها لو قدرت لانتقمت منهم على نبذ عبادتها، وظنوا أن الإسلام حق.

وإن أصابهم شر من شرور الدنيا العارضة في الحياة، المسبَّبة عن أسباب عادية: سخطوا على الإسلام، وانخلعوا عنه، وتوهموا أن آلهتهم أصابتهم بسوء، غضبا من مفارقتهم عبادتها، كما حكى الله عن عاد إذ قالوا لرسولهم: ( إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا )” انتهى من “التحرير والتنوير” (17/210-211).

وقال الشيخ السعدي، رحمه الله:

” أي: ومن الناس من هو ضعيف الإيمان، لم يدخل الإيمان قلبه، ولم تخالطه بشاشته، بل دخل فيه، إما خوفا، وإما عادة على وجه لا يثبت عند المحن.

فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ أي: إن استمر رزقه رغدا، ولم يحصل له من المكاره شيء، اطمأن بذلك الخير، لا بإيمانه. فهذا، ربما أن الله يعافيه، ولا يقيض له من الفتن ما ينصرف به عن دينه.

وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ، من حصول مكروه، أو زوال محبوب: انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ أي: ارتد عن دينه.

خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ أما في الدنيا، فإنه لا يحصل له بالردة ما أمله، الذي جعل الردة رأسا لماله، وعوضا عما يظن إدراكه، فخاب سعيه، ولم يحصل له إلا ما قُسم له، وأما الآخرة، فظاهرٌ؛ حرم الجنة التي عرضها السماوات والأرض، واستحق النار، ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ أي: الواضح البين.

يَدْعُو هذا الراجع على وجهه مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنْفَعُهُ؛ وهذا صفة كل مدعو ومعبود من دون الله، فإنه لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا.

ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ الذي قد بلغ في البعد إلى حد النهاية، حيث أعرض عن عبادة النافع الضار، الغني المُغني، وأقبل على عبادة مخلوق مثله أو دونه، ليس بيده من الأمر شيء بل هو إلى حصول ضد مقصوده أقرب. ولهذا قال: يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ فإن ضرره في العقل والبدن والدنيا والآخرة معلوم.

لَبِئْسَ الْمَوْلَى أي: هذا المعبود وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ أي: القرين الملازم على صحبته، فإن المقصود من المولى والعشير، حصول النفع، ودفع الضرر، فإذا لم يحصل شيء من هذا، فإنه مذموم ملوم”. انتهى، من “تفسير السعدي” (534).

فاحذري، يا أمة الله؛ أن تكوني كالمستجير من الرمضاء بالنار؛ لا، بل كالجاني على نفسه، الهارب من ربه، وما له عنده من خير الدنيا والآخرة، إلى الخسران المبين.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (229715)، ورقم: (113901).

رابعا:

قد ذكرت أنك نويت أخيرا أن تصبحي لا دينية ، وكتبت في خانة “الديانة” : “لا دينية” وهذا خروج من الإسلام وردة عنه.

ولن تستفيدي من ذلك إلا شقاء لا نهابة له في الآخرة، ولن يرفع ذلك عنك مصائب الدنيا.

فالذي ننصحك به، أن تعودي إلى رشدك، وتنطقي الشهادتين، وتقبلي على ما ينفعك في الآخرة ، من طاعة الله تعالى ، وأكثري من دعاء الله تعالى أن يرزقك الإيمان والتقوى والصبر والرضا ، وأن يصلح لك شأنك كله ، وأن يرزقك في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وأن يقيك عذاب النار .

وننصحك أن تعرضي نفسك على طبيب نفسي، مسلم، مأمون في دينه، ماهر في تخصصه؛ فلعله أن يساعدك في تجاوز محنتك، وعسى الله أن يكتب لك الهداية والسداد، لما فيه خير الدنيا والآخرة.

وينظر أيضا: جواب السؤال رقم: (175303).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android