0 / 0
8,10201/04/2023

يفكر في الانتحار بسبب قلة الرزق وكثرة الابتلاء

السؤال: 415185

أنا رجل قدر الله سبحانه عليه رزقه مهما فعل، فقد جربت التجارة فى مجالات عدة، وكلها كانت تبوء بالفشل، وقد نشأت فى أسرة مفككة، وكنت أعامل بقسوة شديدة فى طفولتي، وهذا قد أثر في جدا من الناحية النفسية، وقد ابتليت بشدة الشهوة، وكما أسلفت فقد ضيق الله سبحانه علي رزقي، ولا أستطيع الزواج، فأنا بالكاد أتحمل مسؤولية نفسي، وأمي، وإخوتي بعد وفاة والدى، وهذا الأمر يؤرقني جدا؛ لحاجتى النفسية له، قبل الجنسية، وذلك بحكم ظروف طفولتي، وافتقادي للحب والحنان، فقد كنت أريد تعويض ذلك بالزواج، لكن للأسف يبدو أن الله سبحانه لم يقدر لي ذلك، وأنا أجاهد نفسي لأصبر، وقد قذف الله تعالى فى قلبي كره الحرام، فليست هذه مشكلتي الآن، لكنها تكمن فى الصبر، أشعر بأنني لم أعد احتمل، فأنا أكاد لا أخرج من ابتلاء حتى أدخل فى ابتلاء آخر أشد وطئا من سابقه، فأفكر فى إنهاء حياتي، والتوقف عند هذا الحد، ومؤخرا صرت أبحث فى الدين عن جزاء صبر الرجل المسلم الذى لا رزق له فى شيء، فلم أجد، يعني مثلا وجدت أن المرأة التى تموت ولم تتزوج فى الدنيا وصبرت على هذا الابتلاء تنال منزلة الشهداء فى الآخرة، أما بالنسبة للرجل فلم أجد شيئا مخصصا له عوضا عن هذا الأمر تحديدا، فالحور العين مثلا ستكون للجميع للذى تزوج فى الدنيا والذى لم يتزوج، يعني لا يوجد شيء زيادة. فهل سأجازى على صبري هذا؟ هل سأجد عند ربي ما يعوضني عن معاناتي الآن؟ هل لو قمت بإنهاء حياتى والخلاص من كل هذا العذاب هل يرأف الله سبحانه بي؛ بسبب ما مررت به؟ أنا لا أريد أن أكون هكذا، ولا أريد أن أعصي ربي، لكن الإنسان ضعيف، وأخشى أن قدرتي على الصبر والتحمل قد بدأت بالانهيار، ولا أعلم كيف أعيد ترميمها مرة أخرى؟ أنا لم تعد لى فى الدنيا حاجة، يبدو أن الله تعالى لم يقدر لي فيها شيئا، وأنا لا أريد أخسر آخرتي هى الأخرى، أريد أى شيء يعيننى على الصبر.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولًا:

نقدر عمق الألم الذي تمر به أخي الكريم، ونعلم أن الحياة ربما اشتدت قسوتها أحيانًا حتى إنها لتأخذ بأكظام النفس، فلا يجد الإنسان متنفسًا يتنفسه، نسأل الله أن يشرح صدرك وييسر أمرك وأن يجعل لك من كل ضيق فرجًا ومن كل هم مخرجًا.

ثانيًا:

اعلم يا عبد الله أن الانتحار من كبائر الذنوب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، يَتَرَدَّى فِيهِ، خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسَمُّهُ فِي يَدِهِ، يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ، يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا) رواه البخاري(5442)، ومسلم(109).

وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري(5700)، ومسلم(110).

وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ، فَجَزِعَ فَأَخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) رواه البخاري(3276)، ومسلم(113).

وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على المنتحر، عقوبةً له، وزجراً لغيره أن يفعل فعله، فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ) رواه مسلم(978).

فاطرد عن نفسك هذه الفكرة أخي الكريم، ولا حرج في طلب المساعدة المتخصصة إن أحاطت بك هذه الأفكار وهناك خطوط هاتفية ساخنة لمن تحيط بهم فكرة الانتحار فاجعلها قريبة منك ولا تتردد في الاستعانة بها.

 ونرجو أن تقرأ بتأمل وتدبر هذه القصة لفتاة، ربما كانت أشد بلاء منك بكثير، ونزغ لها الشيطان بنحو مما نزغ لك؛ فاقرأ جوابنا لها رقم: (204615).

ثالثًا:

لا شك أن الزواج رزق من الله، وأن المال والنجاح المهني رزق من الله، والإنسان في هذه الحياة إنما هو في دار نكد وبلاء ليس في دار نعيم، ومن نصيب بعض عباد الله أن يكون بلاؤهم في ضيق الرزق؛ يقول تعالى: فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ الفجر/15.

يقول ابن عطية: "أي ليس إكرام الله تعالى وإهانته، في ذلك، وإنما ذلك ابتلاء؛ فحق من ابتُلي بالغنى أن يشكر ويطيع، ومن ابتُلي بالفقر أن يشكر ويصبر.

وأما إكرام الله تعالى: فهو بالتقوى، وإهانته: فبالمعصية" انتهى، من "تفسيره" (ص1976).

ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) أخرجه مسلم (2999) من حديث صهيب، رضي الله عنه.

ورسول الله نفسه مع كرامته على ربه: قد ابتلي أحيانًا بضيق العيش:

فعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ لعروة: ( وَاللهِ يَا ابْنَ أُخْتِي؛ إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلَالِ، ثُمَّ الْهِلَالِ، ثُمَّ الْهِلَالِ، ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَارٌ!!).

قَالَ: قُلْتُ: يَا خَالَةُ فَمَا كَانَ يُعَيِّشُكُمْ؟

قَالَتْ: ( الْأَسْوَدَانِ؛ التَّمْرُ وَالْمَاءُ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِيرَانٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَكَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ، فَكَانُوا يُرْسِلُونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَلْبَانِهَا، فَيَسْقِينَاهُ ) . رواه البخاري (2567)، ومسلم (2972).

وقال ورقة بن نوفل للنبي  صلى الله عليه وسلم في أول أيام البعثة: يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟) قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الْوَحْيُ. رواه البخاري(3).

 وعن مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟

قَالَ: فَقَالَ: (الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ، فَالْأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا؛ اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ؛ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ) رواه أحمد(1607). 

رابعًا:

بلا شك أعد الله للصابرين أجورًا عظيمة، فإذا قدر أنك قد اشتركت في أجر الحور العين -رزقنا الله وإياك الجنة- مع من تزوج؛ فهذا لا يعني أنه ليس لك عند الله أجر على صبرك على عدم الزواج في الدنيا، بل صبرك وعفتك عن الحرام مع حاجتك للزواج؛ له عند الله أجر عظيم.

والمدار أن يشغل العبد نفسه بما يقربه من الجنة، ويباعده من النار؛ فإذا من الله عليه ودخلها، نعِم فيها نعيما لا بؤس فيه، وسعد سعادة لا شقاء فيها، وأذهب الله عنه الهم كله، والحَزن كله.

قال الله تعالى: ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ) فاطر/32-35.

وهذه أمور، مما يعين العبد على الصبر، نسوقها لك مستفادة من: "موسوعة الأخلاق"  لعل الله يجعل لك فيها سلوى وتجد فيها إعانة:

 1- مما يعين العبد على الصبر أن يعلم أن الله قد ارتضاها له واختارها وقسمها، وأن العبودية  تقتضي رضاه بما رضي له به سيده ومولاه.
2- أن يعلم أن هذه المصيبة هي دواء نافع، ساقه إليه الطبيب العليم بمصلحته الرحيم به، فليصبر على تجرعه، ولا يتقيأْه بتسخطه وشكواه، فيذهب نفعه باطلا.
 3- أن يعلم أن في عقبى هذا الدواء من الشفاء والعافية والصحة وزوال الألم، ما لم تحصل بدونه، فإذا طالعتْ نفسُه كراهة هذا الداء ومرارته؛ فلينظر إلى عاقبته وحسن تأثيره. قال تعالى: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ البقرة/216، وقال تعالى: فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا  النساء/19.

 4- أن يعلم أن الله يربي عبده على السراء والضراء، والنعمة والبلاء؛ فيستخرج منه عبوديته في جميع الأحوال، فإن العبد على الحقيقة من قام بعبودية الله على اختلاف الأحوال، وأما عبد السراء والعافية، الذي يعبد الله على حرف، فإن أصابه خير اطمأن به، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه؛ فليس من عبيده الذين اختارهم لعبوديته. فلا ريب أن الإيمان الذي يثبت على محل الابتلاء والعافية، هو الإيمان النافع وقت الحاجة، وأما إيمان العافية، فلا يكاد يصحب العبد ويبلغه منازل المؤمنين، وإنما يصحبه إيمان يثبت على البلاء والعافية، فالابتلاء كِير العبد ومحك إيمانه.
 5- أن يعلم أن ما أصابه مقدر من الله، قال تعالى: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ الحديد/22-23.
 6- أن يتذكر العبد أعظم المصائب التي حلت بالأمة الإسلامية؛ وهي موت الرسول صلى الله عليه وسلم. قال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ مُصِيبَةٌ، فَلْيَذْكُرْ مُصِيبَتَهُ بِي ؛ فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ) أخرجه الدارمي(85). 
 7-أن يتجنب الجزع، فهو لا ينفعه، بل يزيد من مصابه.

قال ابن القيم: "إن الجزع يُشمِت عدوه، ويسوء صديقه، ويغضب ربه، ويسر شيطانه، ويحبط أجره، ويضعف نفسه، وإذا صبر واحتسب، أنضى شيطانه ورده خاسئًا، وأرضى ربه، وسر صديقه، وساء عدوه، وحمل عن إخوانه وعزاهم هو قبل أن يعزوه، فهذا هو الثبات والكمال الأعظم، لا لطم الخدود وشق الجيوب والدعاء بالويل والثبور والسخط على المقدور" انتهى، من "زاد المعاد" (4/173).

8- أن يتسلى المصاب بمن هم أشد منه مصيبة.

قال ابن القيم: "ومن علاجه أن يطفئ نار مصيبته ببرد التأسي بأهل المصائب، وليعلم أنه في كل واد بنو سعد، ولينظر يَمنة فهل يرى إلا محنة؟! ثم ليعطِف يسرة، فهل يرى إلا حسرة؟! وأنه لو فتش العالم لم ير فيهم إلا مبتلى؛ إما بفوات محبوب أو حصول مكروه، وأن شرور الدنيا أحلام نوم أو كظل زائل؛ إن أضحكت قليلًا أبكت كثيرًا، وإن سرت يومًا ساءت دهرًا، وإن متعت قليلًا حَبْرة، إلا ملأتها عبرة، ولا سرته بيوم سرور، إلا خبأت له يوم شرور" انتهى، من "زاد المعاد" (4/173).

 9- أن يتسلى المصاب بأنه لله، وأن مصيره إليه.

قال ابن القيم: "إذا تحقق العبد بأنه لله، وأن مصيره إليه تسلى عن مصيبته، وهذه الكلمة من أبلغ علاج المصاب، وأنفعه له في عاجلته وآجلته، فإنها تتضمن أصلين عظيمين، إذا تحقق العبد بمعرفتهما تسلى عن مصيبته: أحدهما: أن العبد وأهله وماله ملك لله عز وجل حقيقة … الثاني: أن مصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق، ولا بد أن يُخَلِّف الدنيا وراء ظهره، ويجيء ربه فردًا، كما خلقه أول مرة، بلا أهل ولا مال ولا عشيرة، ولكن بالحسنات والسيئات، فإذا كانت هذه بداية العبد وما خوله ونهايته، فكيف يفرح بموجود أو يأسى على مفقود؟!" انتهى، من "زاد المعاد" (4/173) بتصرف.

10- أن يعلم أن ابتلاء الله له هو امتحان لصبره.

يقول ابن قيم الجوزية في ذلك: "أن الذي ابتلاه بها أحكم الحاكمين، أرحم الراحمين، وأنه سبحانه لم يرسل إليه البلاء ليهلكه به، ولا ليعذبه به، ولا ليجتاحه؛ وإنما افتقده به ليمتحن صبره ورضاه عنه، وإيمانه، وليسمع تضرعه وابتهاله، وليراه طريحًا ببابه، لائذًا بجنابه، مكسور القلب بين يديه، رافعًا قُصَص الشكوى إليه" انتهى، من "زاد المعاد" (4/173).

 11- أن يعلم أن مرارة الدنيا هي حلاوة الآخرة.

قال ابن القيم: "إن مرارة الدنيا هي بعينها حلاوة الآخرة، يقلبها الله سبحانه كذلك، وحلاوة الدنيا بعينها مرارة الآخرة، ولأن ينتقل من مرارة منقطعة، إلى حلاوة دائمة، خير له من عكس ذلك، فإن خفي عليك هذا، فانظر إلى قول الصادق المصدوق: (حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ) أخرجه مسلم(2822).

وفي هذا المقام تفاوتت عقول الخلائق، وظهرت حقائق الرجال، فأكثرهم آثر الحلاوة المنقطعة، على الحلاوة الدائمة التي لا تزول، ولم يحتمل مرارة ساعة لحلاوة الأبد، ولا ذل ساعة لعز الأبد، ولا محنة ساعة لعافية الأبد، فإن الحاضر عنده شهادة، والمنتظر غيب، والإيمان ضعيف، وسلطان الشهوة حاكم، فتولد من ذلك إيثار العاجلة ورفض الآخرة" انتهى، من "زاد المعاد" (4/173).

12- أن يشهد أن الله سبحانه وتعالى خالق أفعال العباد، حركاتهم وسكناتهم وإراداتهم، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فلا يتحرك في العالم العلوي والسفلي ذرة إلا بإذنه ومشيئته، فالعباد آلة، فانظر إلى الذي سلطهم عليك، ولا تنظر إلى فعلهم بك، تسترح من الهم والغم.

 13- أن يشهد ذنوبه، وأن الله إنما سلطهم عليه بذنبه، كما قال تعالى وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ الشورى/30.

 14- أن يشهد العبد حسن الثواب الذي وعده الله لمن عفا وصبر، كما قال تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ الشورى/40.

15- أن يشهد معية الله معه إذا صبر، ومحبه الله له إذا صبر، ورضاه. ومن كان الله معه دفع عنه أنواع الأذى والمضرات، مالا يدفعه عنه أحد من خلقه، قال تعالى: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ الأنفال/46، وقال تعالى: وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ  آل عمران/146.

16- أن يشهد أن صبره حكم منه على نفسه، وقهر لها وغلبة لها، فمتى كانت النفس مقهورة معه مغلوبة، لم تطمع في استرقاقه وأسره، وإلقائه في المهالك، ومتى كان مطيعًا لها سامعًا منها مقهورًا معها، لم تزل به حتى تهلكه، أو تتداركه رحمة من ربه.
 

ونسأل الله أن يرزقك خيري الدنيا والآخرة وأن يمن عليك بالزوجة الصالحة.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android