0 / 0
5,94423/06/2021

كفر من اعتقد اتحاد الخالق بالمخلوق أو انفصال المخلوق عن الخالق

السؤال: 346902

ما حكم من اعتقد بوحدة الوجود، ولكن ليس بمعنى اتحاد الذات أو وحدتها؟ كأمثلة بسيطة؛ لتقريب الفكرة فقط. – الإنسان قد يفرز العرق، ولكن ذات العرق مختلفة عن ذات الإنسان، وإن كان أصله يرجع إليه. – استخراج المعادن من الأرض، وتشكيلها، وتركيبها، وصنع إنسان آلي مثلا، فذات هذا الإنسان الآلي ليست نفس ذات الأرض، ومنفصلة عنها تماما، ولكن أصلها يرجع إليها، ولكنها منفصلة عنها بالفعل واقعيا. فما حكم من اعتقد بمثل هذا الفكر، علما بأن كثيرا من ظاهر معاني النصوص الشرعية يتشابه، ولا يتعارض ظاهريا مع هذا المعنى كقوله تعالى مثلا: (والله خلقكم وما تعملون) (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)، وغيرها كثير من النصوص في القرآن والسنة، وأنتم أعلم، ولكني لم أفصل في التمثيل منعا للإطالة. فهل من اعتقد ذلك يُكَفّر أم لا؛ لأن كثيرا من النصوص ظاهرها قد يفيد ذلك، والتكفير كما أظن يكون بإنكار ما ورد، وليس بتفسيره تفسيرا محتملا، وإن كان احتماله ضعيفاً، فهل يكفر المعتقِدُ لمثل هذا؟ أم يعتبر مبتدعا؟ أم ماذا؟

ملخص الجواب

وحدة الوجود بالمعنى الذي ذكرته كفر، كما أن القول باتحاد الخالق والمخلوق، أو حلول الخالق في المخلوق: أنه كفر أيضا وينظر للأهمية التفصيل المذكور في الجواب المطول

الجواب

أولا: 

الله سبحانه ليس له شبيه ولا نظير

الله سبحانه هو الخالق، وما سواه مخلوق، والفرق بين الخالق والمخلوق لا ينبغي أن يخفى على عاقل، فالخالق هو الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، والمخلوق مخلوق من عدم، ويلحقه الفناء، سواء كان إنسانا أو حيوانا أو نباتا أو جمادا، فليس لله مثل ولا شبيه ولا نظير، كما قال سبحانه:  وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ  الإخلاص/4، وقال:  رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا  مريم/65، وقال:  لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ  الشورى/11.

وأهل الإسلام يعتقدون أن الخالق فوق العالم، بائن عن خلقه، كما دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: وقد" قيل له: الله فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه، وقدرته وعلمه بكل مكان؟ قال: نعم، هو على عرشه ولا يخلو شيء من علمه " أخرجه الخلال بإسناد صحيح، كما في مختصر العلو ص 189، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي رقم 674 (3/ 445).

وانظر: جواب السؤال رقم :(992)، ورقم : (11035).

ثانيا: 

القول بأن الله حل في العالم أو اتحد به كفر

القول بأنه حل في العالم، أو اتحد به: كفر، وهو يقتضي اختلاط الخالق بالمخلوق، وكونه في الأماكن القذرة والنفوس الشريرة، هذا مع استحالة أن يحيط بالله مخلوق، بل عرشه-وهو مخلوق- لا تسعه السموات والأرض، وكرسيه –وهو بالنسبة للعرش كحلقة في فلاة- يسع السموات والأرض.

وأما اعتقاد أن العالم انفصل عن الله كما ينفصل العرق عن الإنسان، فهذا يعني أن الإله يتجزأ وينقسم، ويلزم أن يكون العالم غير مخلوق؛ لأنه جزء من الإله، وهذا كفر لا يخفى على مسلم.

والعرق لو فرض أنه مغاير للإنسان، لكنه مخلوق مثله، بل هو من مادته، وإن تغير شكله، فما انفصل عن المخلوق فهو مخلوق.

والمعدن إن غاير الأرض، فهو مخلوق كان مودعا في مخلوق.

وأما ما ينفصل عن غير المخلوق: فيجب أن يكون غير مخلوق؛ لأنه جزء الذات، لكن الله يتعالى أن ينفصل عن ذاته شيء، أو أن تتفرق ذاته.

فإن قيل: إنه ينفصل عنه أو يخرج منه مخلوق، فهذا جمع بين نقيضين، بين الواجب والممكن الذي هو المخلوق، فكأنك تقول عن الله: إنه واجب ممكن، قديم محدث، وهذا كفر أيضا؛ لأنه يعني أن شيئا من الله مخلوق محدّث. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

قال الله جل جلاله، في سورة الإخلاص، التي تعدل ثلث القرآن: 

 قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)  . 

قال عكرمة – تلميذ ابن عباس -: " الصمد: الذي لا يخرج منه شيء".  "تفسير الطبري" (24/734). 

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: 

"… كل كمال ثبت لموجود، فالواجب أولى به من الممكن. وكل كمال يوجد في المربوب، فالرب أولى به من العبد… 

وهذه أقيسة عقلية، وأمثال مضروبة، ولله المثل الأعلى، تستعمل في عامة الأمور الإلهية، كما ورد الكتاب والسنة بنحو ذلك، كما قد بيناه في غير هذا الموضع. 

وقولنا في هذه الحجة: كل حكم ثبت لمحض الوجود؛ يخرج الأحكام التي تتضمن العدم، مثل الأكل والشرب، فإن ذلك يستلزم كون الآكل والشارب أجوف، بحيث يحصل الغذاء الذي هو أجسام، في محل خال، لاسيما إذا كان قد خرج غيره بالتحلل، ويكون بدل المتحلل، فيكون متضمناً خروج شيء من الجسم، وذلك نقص فيه وهو صفة عدمية، ووجود أجزاء فيه، وذلك يستلزم خالياً وهو نقص فيه وهو صفة عدمية، وهذا ينافي الصمدية، فإن الصمد هو الذي لا جوف له، فلا يأكل ولا يشرب، ولا يلد، ولا يخرج منه شيء، ولا غيره من جنس الفضلات التي تخرج من الإنسان؛ فإن دخول جسم فيه، أو خروج جسم منه: يتضمن النقص المستلزم لأمر عدمي، وهذا ينافي الصمدية، وليس هو من الأحكام الثابتة لمحض الوجود، بل من الأحكام المتضمنة وجوداً وعدماً، فلا جرم لم يكن سبب ذلك وصفاً يتناول الواجب والممكن؛ بل وصف يختص بالممكن المحدث، وهو الحاجة والافتقار في الطعام لإخلاف بدل ما يتحلل من البدن، وفي الإنزال لدفع الضرر الحاصل بسبب المني، بمنزلة إخراج الدم عند الحاجة؛ فوجود جسم فيه يضاده ويضاره: عجز وفقر من خصائص المخلوق، وحاجته إلى جسم خارج منه يتم به وجوده: فقر وحاجة من خصائص المخلوق، ولهذا كان أهل الجنة يأكلون ويشربون وينكحون، ولا يبولون ولا يبصقون ولا يتمخطون ولا يتغوطون ولا يمنون، وإنما يتحلل الطعام عنهم برشح كرشح المسك؛ لأن تلك الفضلات مضادة للبدن، مؤذية له، وليس في الجنة أذى. وأما الأكل والشرب: فإنما هو استكمال بعد نقص، وهذا من لوازم المخلوقات. وهذا مبسوط في غير هذا الموضع". انتهى، باختصار، من "بيان تلبيس الجهمية" (4/338-341).

ثالثا: 

ما تذكره، ويذكره أهل الوحدة من أمثلة: هو من جنس شبهات النصارى الضالين، ولاشك أن أهل الحلول ووحدة الوجود أضل منهم، فإن النصارى يجعلون الله حالا في عيسى وحده، وهؤلاء يجعلون حالا في العالم كله، أو متحدا بالعالم كله.

والجميع لم يدرك الفرق بين الخالق والمخلوق، وأنه يستحيل أو يوجد الخالق في المخلوق، أو يوجد المخلوق في الخلاق، أو ينفصل عنه.

والحاصل:

أن وحدة الوجود بالمعنى الذي ذكرته كفر، كما أن القول باتحاد الخالق والمخلوق، أو حلول الخالق في المخلوق: أنه كفر أيضا.

وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (147639).

والنصيحة لك أن تقبل على تعلم العلم الشرعي، لا سيما العقيدة الصحيحة من مصادرها، وأن تدع التكلف، والنظر في شبهات المضلين، فإن الوقت أنفس من أن يضيع في هذا، والقلب لا يؤمن عليه الزيغ.

قال في "كشاف القناع" (1/ 434):

"(ولا يجوز النظر في كتب أهل الكتاب نصا)؛ لأنه – صلى الله عليه وسلم – غضب حين رأى مع عمر صحيفة من التوراة، وقال أفي شك أنت يا ابن الخطاب. الحديث.

(ولا) النظر في (كتب أهل البدع، و) لا النظر في (الكتب المشتملة على الحق والباطل، ولا روايتها)، لما في ذلك من ضرر إفساد العقائد." انتهى.

وقد ذكر الإمام الذهبي، رحمه الله، قول سفيان الثوري: "من أصغى بسمعه إلى صاحب بدعة، وهو يعلم، خرج من عصمة الله، ووكل إلى نفسه.

وعنه: من سمع ببدعة، فلا يحكها لجلسائه، لا يلقها في قلوبهم."

ثم علق على ذلك بقوله: "قلت: أكثر أئمة السلف على هذا التحذير، يرون أن القلوب ضعيفة، والشبه خطافة." انتهى من "سير أعلام النبلاء (7/ 261).

فلا تفتح على نفسك باب شر، وسل الله أن يثبتك على دينه.

 رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ  .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android