0 / 0
54,13606/10/2013

عقيدة وحدة الوجود عند الديوبندية

السؤال: 200321

أنتمي للمذهب الديوبندي الحنفي ، ويعتقد القادة الدينيون الديوبنديون عقيدة وحدة الوجود،. لذا فأرجو منكم إخباري ، هل هذا المعتقد من القرآن والسنة ، أم أنه كفر ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
سبق في موقعنا الحديث المفصل عن ” الديوبندية “، وبراءة الإمام أبي حنيفة من هذا الاعتقاد ، مع ذكر المراجع والنقول التي تشرح فكرة هذه الفرقة ومعتقدها وأهدافها . يمكن مراجعة ذلك في الفتوى رقم : (22473) ، ورقم : (150090) .
ثانيا :
من يطالع في الأبحاث المختصة التي درست ” الديوبنية ” ومراحلها وعقائد أئمتها يدرك أن ثمة تناقضا في الطرح بين أشهر قادتها ، أو على الأقل ثمة اختلاف في بعض المعتقدات ، التي سببها عدم عناية هذه الفرقة بتنقية تنظيرها من كل ما يقدح في سلامة المعتقد ، وصفاء منهاج البحث والتفكير ، إلا أن القاسم المشترك بينها اشتمالها على الكثير من الأفكار الفاسدة ، والمعتقدات الباطلة التي تناقض الكتاب والسنة وإجماع العلماء .
ومن ذلك القول بـ ” وحدة الوجود ” ، وهو ” اعتقاد كون الوجود هو عين الله عز وجل “، وأهل هذا القول يسمون أيضا بـ “الاتحادية “، يؤمنون أن الله عز وجل متحد بالمخلوقات جميعها ، بحيث أصبح الوجود واحدا وليس وجودا متعددا ، ويسمون من يؤمن بهذه العقيدة ” موحدا “، وهو في الحقيقة أبعد ما يكون عن التوحيد ، وقد سبق تفصيل تعريف هذه العقيدة وبيان بطلانها في الفتوى رقم : (147639) ، ورقم : (163948) .
وقد قال بهذه العقيدة جماعة من كبار أئمة الديوبندية بالوضوح الذي لا يمكن لأي باحث منصف إنكاره أو الاعتذار عنه ، ونحن ننقل هنا شيئا من تلك الأقوال الصريحة ، ونترك الأقوال المحتملة كي لا نطيل على القارئ :
يقول شيخ مشايخ الديوبندية الحاج إمداد الله المهاجر المكي (ت1317هـ) : ” القول بوحدة الوجود حق وصواب ” . انتهى من ” شمائم إمدادية ” للشيخ إمداد الله (ص/32) .
بل قال أيضا : ” التفريق بين العبد والمعبود هو الشرك عينه ” (ص/37) وتوسع في ذكر الوساوس الباطلة التي لبس بها الشيطان عليه في هذه العقيدة ، ولم يكتف حتى أضاف لذلك كله قوله الشنيع : ” العبد قبل وجوده كان هو الرب باطناً ، والرب هو العبد ظاهراً ” .
ينظر ” شمائم إمدادية ” (ص/38) .
وقال الشيخ فضل حق الخير آبادي : ” لو كلفت الرسل بالدعوة إلى وحدة الوجود ، لبطلت الحكمة التي من أجلها أرسلت الرسل ، فأمروا أن يكلموا الناس على قدر عقولهم ” .
ينظر كتابه ” الروض المجود ” (ص/44) .
ويقول محمد أنور شاه الكشميري (ت1352هـ) الملقب بإمام العصر – في شرح أحد الأحاديث: ” في الحديث لمعة إلى وحدة الوجود ، وكان مشائخنا مولعين بتلك المسألة إلى زمن الشاه عبد العزيز ، أما أنا فلست بمتشدد فيها ” ينظر ” فيض الباري ” (4/428) .
وقال صوفي إقبال – يمدح الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي -: ” أوقفنا على سر الوحدة ( وحدة الوجود )، حيث بين لنا أن العشق والمعشوق والعاشق كلها شيء واحد ” .
انتهى من كتاب ” محبت ” (ص/70) .
ويقول مؤلف كتاب ” تعليم الإسلام “: ” هناك مسألة في التصوف دقيقة جدا ، وهي مسألة وحدة الوجود ، وهي تعني أن الموجود كله الله ، ووجود ما سواه وهمٌ وخيال … فعلم من ذلك أن قولهم لا موجود إلا الله . كلام صحيح ” انظر كتاب ” تعليم الإسلام ” (ص/552) .
وهذه النقول استفدناها من كتاب ” الديوبندية ” (ص29-42) ، دار الصميعي، (1998م)، لمؤلفه الشيخ أبي أسامة ، سيد طالب عبد الرحمن ، مدير المعهد العالي للدراسات الإسلامية في روالبندي ، باكستان . والمراجع التي نقل منها ليست باللغة العربية ، لذلك لم نتمكن من الرجوع إليها مباشرة ، واعتمدنا فيها على كتابه الذي يعد من أهم المصادر في هذا الباب ، نظرا لندرة المؤلفات العربية لأئمة الديوبندية .
ثالثا :
أما بطلان هذه العقيدة ” وحدة الوجود ” فأمر متفق عليه بين العلماء ، لم يختلفوا في أنها عقيدة كفر وشرك ، ودعوا إلى محاربتها ومكافحتها ؛ لما تشتمل عليه من إلغاء للتوحيد الحقيقي الذي هو لب دين الإسلام وخلاصته .
والأدلة على بطلانها في الكتاب والسنة والعقل لا تعد ولا تحصى ، فمن ذلك قول الله عز وجل : ( وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ ) الزخرف/15. وقوله سبحانه : ( وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ. سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) الصافات/159 .
فانظر كيف حكم الله عز وجل بكفر من جعل له من عباده جزءا ، ونسب إليه شيئا من خلقه ، فكيف يكون الحكم إذن فيمن ساوى بين الخالق والمخلوق في الوجود !
كيف لمسلم أن يدعي وحدة الوجود وهو يؤمن أن الله خالق كل شيء ، فكيف يجمع بين الخالق القديم الأزلي والمخلوق المحدث ، والله عز وجل يقول : ( وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً ) مريم/9 ، ويقول سبحانه : ( أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا ) مريم/67.
ومن يقرأ القرآن يجد أن من البدهيات المسلمات في جميع أنساق القرآن الكريم وخطاباته أن المخلوق غير الخالق ؛ قال تعالى : ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ) النحل/73 . فمن خالف هذا فقد ناقض قطعيات القرآن والدين .
ثم إن ما يلزم من دعوى وحدة الوجود من لوازم شنيعة كافية للكفر بهذه العقيدة الباطلة ، فمن آمن بها يؤول به الحال إلى استحلال الفواحش ، والتسوية بين الإيمان والكفر ، بدعوى أن العقائد كلها تؤول إلى الإيمان بوجود واحد على حد زعمهم ، وتؤدي أيضا إلى أن ينسب اللهَ جل جلاله إلى أخس الخلق وأقذر الموجودات من النجاسات والدواب وغيرها ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .
ونحن ننقل هنا بعض هذه اللوازم الباطلة التي وجدناها في كتب ” الديوبندية ” أنفسهم ، ولو رحنا نسوق غيرها من كتب طوائف أخرى قديمة وحديثة لطال المقام كثيرا .
قال حكيم أمة الديوبندية أشرف علي التهانوي (ت1362هـ) عن الشيخ إمداد الله – الشيخ الأول في الديوبندية -: ” قيل لموحد [من يعتقد بوحدة الوجود عندهم ]: إذا كان الحلوى والخرء شيئاً واحداً ، فكُلِ الحلوى والخرء جمعاً ! فجعل هذا الموحد شكله شكل الخنزير . فأكل الخرء ، ثم حول نفسه من صورة الخنزير إلى صورة الآدمي ، فأكل الحلوى .
وقد علق على هذه الأسطورة الإلحادية الوثنية الشيخ أشرف علي الملقب بحكيم الأمة فقال: إن هذا المعترض على هذا الموحد كان غبياً ؛ ولذلك تكلف هذا الموحد هذا التصرف ، وإلا فالجواب ظاهر ، وهو أن الحلوى والخرء متحدان في الحقيقة ، لا في الأحكام والآثار ” ينظر كتاب ” إمداد المشتاق ” (ص/101) لأشرف علي التهانوي . نقلنا ذلك من كتاب ” جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية ” لشمس الدين السلفي الأفغاني (2/790-791) .
وقال رشيد أحمد كنكوهي : ” إن عددا كبيرا من بغايا مدينة (سهارنفور) كن من مريدي الشيخ ضامن علي الجلال آبادي – من أكابر الديوبندية – فنزل يوما عند واحدة منهن ، فاجتمعن في بيتها كلهن ، غير واحدة منهن ، فسأل الشيخ عن سبب غيابها ، فقلن بأننا قد حاولنا إقناعها للحضور لزيارتكم الكريمة ، ولكنها اعتذرت وقالت : أنا غريقة في المعاصي ، مسودة الوجه ، بأي وجه أستقبل الشيخ . فألح الشيخ عليهن بإحضارها عنده ، فلما جئن بها وحضرت بين يديه … قال الشيخ : لم تستحين ؟ هل الفاعل والمفعول به إلا هو ؟ فما أن سمعت البغي مقال الشيخ حتى اشتعلت غضبا ، وقالت : لا حول ولا قوة إلا بالله ، أنا عاصية مسودة الوجه ، ولكنني أتبرأ من مثل هذا الشيخ كل البراءة ُ، وتولت مدبرة والشيخ جالس ناكس الرأس ندما وحياء ” انظر تمام القصة في ” تذكرة الرشيد ” لمؤلفه الشيخ محمد عاشق إلهي الميرتي (2/242). نقلناه عن كتاب ” الديوبندية ” للشيخ أبي أسامة (ص/40).
نسأل الله السلامة والعافية ، ونرجو الهداية لكل من ضل عن الهدى .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” [القول أن] وجود كل شيء هو عين وجود الخالق تعالى ، هذا منتهي الإلحاد ، وهو مما يعلم بالحس والعقل والشرع أنه في غاية الفساد ، ولا مخلص من هذا إلا بإثبات الصفات ، مع نفي مماثلة المخلوقات ، وهو دين الذين آمنوا وعملوا الصالحات ” .
انتهى من ” درء تعارض العقل والنقل ” (1/ 283) .
ويقول أيضا رحمه الله :
” أما ” الاتحاد المطلق ” الذي هو قول أهل وحدة الوجود ، الذين يزعمون أن وجود المخلوق هو عين وجود الخالق ، فهذا تعطيل للصانع وجحود له ، وهو جامع لكل شرك ” .
انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (10/ 59) .
ومما قاله أيضا رحمه الله :
” وحدة الوجود الذين يقولون : عين وجود الخالق هو عين وجود المخلوق . كما يقوله ابن عربي ؛ وابن سبعين ؛ والقونوي ؛ والتلمساني ؛ وابن الفارض ؛ ونحوهم ، وهذا القول مما يعلم بالاضطرار شرعا وعقلا أنه باطل ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (18/ 222).
وحين بين شيخ الإسلام رحمه الله لوازم هذه العقيدة قال :
” حقيقة مذهبه [يعني ابن عربي] أنّ وجود الكائنات -حتى وجود الكلاب والخنازير، والأنتان والعَذِرات والكفار والشياطين- هي عين وجود الحق ، وأنَّ أعيان الكائنات ثابتة في القِدم ، لم يخلقها الله ولم يُبدعها ، بل ظهر وجوده فيها ، ولا يمكن أن يظهر وجوده إلا فيها ، فهي غذاؤه بالأحكام ، وهو غذاؤها بالوجود ، وهو يعبدها وهي تعبده .
وأن عين الخالق هو عين المخلوق ، وعين الحق المُنزَّه هو عين الخلق المُشبَّه ، وأن الناكح هو المنكوح ، والشاتم هو المشتوم ، وأن عُبَّاد الأصنام ما عبدوا إلا الله ، ولا يمكن أن يُعبد إلا الله .
وأن قوله : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) الإسراء/ 23 ، أي : حَكَم وقدَّر ، وما حكم الله بشيء إلا وقع ، فما عُبِد غير الله في كلّ معبود . وأن عُبَّاد الأصنام وقع تقصيرهم من حيث عبدوا بعض المجالي الإلهية ، ولو عبدوا كلَّ شيءٍ لكانوا عارفين كاملين ، وأن العارف الكامل يعلم ما عَبَد وفي أيِّ صورة ظهر حتى عُبِد ، وأن نوحًا عليه السلام أثنى على قومه بلسان الذمّ ، وأن أعيان المخلوقات هي نفس الخالق ، وأن موسى ما عَتَبَ على هارون لمَّا ذمَّ قومه على عبادة العجل إلا لضيق هارون حيثُ لم يعرف أنهم إنما عبدوا الله !
وأن السحَرَة عرفوا صدق قول فرعون : ( أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ) النازعات/ 24 ، و ( مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ) القصص/ 38 .
إلى أنواعٍ من هذه المقالات التي لا يعتقدها المسلمون ولا اليهود ولا النصارى ولا الصابئون ولا المشركون ، وإنما هي قول المُعطِّلة الذين ينكرون وجود الصانع ، وينكرون أن الله رب العالمين، وأنه خالق الخلق ، وهو حقيقة قول فرعون والقرامطة الباطنية الجاحدين لربّ العالمين ” .
انتهى من ” جامع المسائل ” المجموعة السابعة (1/ 247-248) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android