0 / 0

قول الملحد: لو كان الله شيئا فإنه يكون مخلوقا أو يكون منه زوجان

السؤال: 292268

هل الله شيء بدلالة قوله تعالى ( ومن كل شيء خلقنا زوجين ) ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

كل موجود يقال له: شيء ؛ أي : إنه شيء موجود في الخارج .

والله تعالى ذات حقيقية موجودة، فيطلق ويخبَر عنه بأنه شيء، كما قال تعالى: ( قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ) الأنعام/19 .

فالشيء يطلق على القديم والمحدَث، وواجب الوجود وممكن الوجود.

بل المعاني يقال لها أشياء، باعتبار أنها موجودة في الذهن، والمعدوم الذي لم يوجد يقال: إنه شيء في علم الله ، وليس شيئا في الوجود.

قال الإمام البخاري رحمه الله في “صحيحه” (9/124) : ” بَابُ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ [الأنعام: 19]، فَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى نَفْسَهُ شَيْئًا، وَسَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القُرْآنَ شَيْئًا، وَهُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ، وَقَالَ: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: 88] ” انتهى .

قال الشيخ عبد الله الغنيمان ، حفظه الله :

” يريد بهذا أن يطلق على الله -تعالى- أنه شيء، وكذلك صفاته، وليس معنى ذلك أن “الشيء” من أسماء الله الحسنى، ولكن يخبر عنه -تعالى- بأنه شيء، وكذا يخبر عن صفاته بأنها شيء؛ لأن كل موجود يصح أن يقال: إنه شيء.” انتهى، من “شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري” (1/343) .

وعلى ذلك ؛ فالشيء ليس من أسماء الله تعالى، ولكن يُخبَر به عنه، وباب الأخبار أوسع من باب الأسماء والصفات، فيقال: شيء، وموجود، وقديم، وأزلي، وكل هذه ليست أسماء له تعالى.

وأما قوله تعالى:  وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ  الذاريات/49 .

فمعناه : أن الله تعالى خلق الأشياء صنفين: ذكر وأنثى، حر وبرد، ليل ونهار إلخ.

قال ابن الجوزي رحمه الله: “قوله تعالى: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) أي: صِنفين ونَوعَين كالذكر والأنثى، والبرّ والبحر، والليِّل والنَّهار، والحُلو والمُرِّ، والنُّور والظُّلمة، وأشباه ذلك (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) فتعلْموا أن خالق الأزواج واحد” انتهى من “زاد المسير” (4/ 172).

فالآية في الأشياء المخلوقة، وأن الله جعلها زوجين متقابلين.

ومن ذلك قوله تعالى:  وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى  النحم/45، وقوله:  فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى  القيامة/39، وقوله عن نوح عليه السلام:  قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ  هود/40

فما علاقة هذا بأن الله تعالى يُخبَر عنه بأنه شيء؟ إلا إن قال ملحد: إنه ما دام أنه شيء، فيكون منه زوجان !

فيقال لهذا الضال الجهول: إنما أخبر الله عن وجود زوجين من الأشياء المخلوقة ؛ أفيصح في عقلك ، إن كان لك عقل : أن “الخالق” – جل جلاله – أخبرنا في هذه الآية ، أنه “خلق” ، “خالقين” آخرين ، سواه ، ما دام أنه قد خلق من كل شيء زوجين ؟!

أهكذا يكون عقلك ، وفهمك ؟!

إن الآية ، باختصار ، ووضوح : تتحدث عن قدرة الله عز وجل ، وتصرفه في أمر كونه ؛ وأن من مظاهر قدرته ، وعظمته ، ووحدانيته : أنه خلق من كل شيء ، زوجين اثنين .

قال ابن كثير رحمه الله : ” ومن كل شيء خلقنا زوجين أي: جميع المخلوقات أزواج: سماء وأرض، وليل ونهار، وشمس وقمر، وبر وبحر، وضياء وظلام، وإيمان وكفر، وموت وحياة، وشقاء وسعادة، وجنة ونار، حتى الحيوانات ، جن وإنس، ذكور وإناث ، والنباتات .

ولهذا قال: لعلكم تذكرون أي: لتعلموا أن الخالق واحد لا شريك له.” انتهى من “تفسير ابن كثير” (7/424) .

إن الخالق لا يكون إلا واحدا، ولا يمكن أن يكون خالقان ثم يستقر الكون، لأن أحدهما سيقهر الآخر ويكون هو الرب المتفرد، كما قال تعالى:  مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ  المؤمنون/91 .

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره : ” أي لو قدّر تعدد الآلهة لانفرد كل منهم بما خلق ، فما كان ينتظم الوجود ، والمشاهد أن الوجود منتظم متسق ، كل من العالم العلوي والسفلي مرتبط بعضه ببعض، في غاية الكمال : ( ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ) .

ثم لكان كل منهم يطلب قهر الآخر وخلافه ، فيعلو بعضهم على بعض ” انتهى .

وربما قال جاهل آخر: إذا كان الله شيئا، فإنه يدخل في قوله:  اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ  الزمر/62 .

فنقول: الله خالق كل شيء مخلوق ، وأما الله فإنه خالق، والخالق لا يكون مخلوقا؛ إذ لو كان مخلوقا ، مجعولا ، مربوبا ؛ لكان الذي خلقه وجعله : هو الخالق دونه ، ولكان هو “الله” !!

ولو فرض أن هذا الثاني كان مخلوقا، لم يكن خالقا أيضا، حتى ينتهي الأمر في بدائه العقول ، وضرورة الفكر والنظر : إلى “خالق” “واحد” واجب الوجود ، الذي وجوده لذاته، لم يُسبق بعدم، ولا يلحقه فناء، وهو الخالق – وحده – وكل ما سواه : فهو مخلوق له ، مربوب لعظمته ؛ وذلك الخالق الواحد : هو ما يعلمه أهل الدين والإيمان : أنه “الله” ، الواحد الأحد ، الفرد الصمد !!

ومثل هذا لو قال إنسان: إن الله موجود، وكل موجود خلقه الله.

فيقال: كل موجودٍ مخلوقٍ : خلقه الله. والخالق يستحيل أن يكون مخلوقا كما تقدم.

والحاصل : أن “الشيء” ، و”الموجود” : من الأسماء المشتركة ، التي تطلق على القديم والمحدث، والخالق والمخلوق .

وهذا الإطلاق لا يفهم منه عاقل أن الخالق يخلق نفسه ، بحجة أنه شيء وموجود؛ لاستحالة أن يخلق الخالق نفسه، لما فيه من الجمع بين النقيضين، بين خالق لم يسبق بعدم، ومخلوق مسبوق بالعدم.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (87677) .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android