أخذت من شخص مبلغا ماليا على سبيل الأمانة ، ووقعت له على استلامي المبلغ ، ولكن لم أقرأ إقرار استلامي لثقتي به ، وبعد ذلك اكتشفت أنه خدعني ، والمبلغ المكتوب أضعاف المبلغ الحقيقي ، فعرضت عليه أن يأخذ المبلغ الحقيقي وينتهي الأمر بسلام ، ولكنه رفض ، وأصر على الإدعاء علي في الشرطة ليأخذ مني المبلغ المكتوب ، والله يعلم ويشهد أني لم آخذ منه هذا المبلغ ، وليس معي ما أسدد به المبلغ الذي يدعي علي أني أخذته منه ، فالمبلغ يزيد عن 100 ألف جنيه عن المبلغ الحقيقي ، فهل يجوز لي وضع المبلغ الحقيقي في البنك ، وعن طريق الفائدة والمبلغ الحقيقي أسدد جزءا من المبلغ لهذا الشخص ؛ لأني مضطر لتسديد المبلغ ، وليس معي كل هذا المبلغ ، فهل وضع المال في البنك وأخذ فوائدها لسداد هذا الدين حلال أم حرام ؟
هل يودع ماله بالربا ليتمكن من سداد مبلغ فرض عليه ظلما ؟
السؤال: 286410
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
ما قام به صاحبك ظلم بين، ولا يحل له ما يأخذه زائدا على حقه ، ولو حكم به قاض ، أو ألزمتك الشرطة به ؛ لأن حكم القاضي لا يحل الحرام، لقوله صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ ، وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْ ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ رواه البخاري (6967) ، ومسلم (1713).
ولا يلزمك شرعا إلا ما أخذت، لكن إن خشيت المساءلة والعقوبة فادفع الزيادة ، ولن يضيع حقك عند الله.
وينبغي أن توسط من أهل الدين والصلاح من ينصح هذا الشخص ، ويبين له قبح فعله وحرمة أكله للسحت، أو ليخفف عنك شيئا منه، أو يرضى بتقسيطه.
ثانيا:
إيداع الأموال في البنوك بالربا كبيرة من كبائر الذنوب، وفاعله متوعد باللعن وهو الطرد من رحمة الله؛ لما روى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ .
ولا يجوز الإقدام على ذلك لتسديد دين أو غرامة أو ضريبة أو غير ذلك من حق أو باطل، إلا عند الضرورة.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ما يلي:
” الودائع التي تدفع لها فوائد، كما هو الحال في البنوك الربوية، هي قروض ربوية محرمة، سواء أكانت من نوع الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية)، أم الودائع لأجل، أم الودائع بإشعار، أم حسابات التوفير” انتهى من “مجلة مجمع الفقه” عدد 9 جزء 1 صفحة (931).
ثالثا:
اتفق العلماء على أن المحرمات تباح للضرورة ، لقول الله تعالى : وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ الأنعام/119 .
غير أنهم اختلفوا في شمول ذلك للربا ، هل يحل التعامل بالربا للضرورة أم لا ؟
وعلى القول بأنه يحل ، فلا يحل لك أن تقدم على هذه المعاملة الربوية ، من أول الأمر ، ودون طرق لأبواب الفرج المباحة ؛ لأن للضرورة التي تبيح المحرم شروطا ، منها :
أن لا تندفع ضرورة الإنسان إلا بفعل هذا المحرم ، فإن كانت هناك وسائل أخرى مباحة لم يجز فعل المحرم ، ولا يكون ذلك ضرورة .
وانظر في ذلك السؤال رقم : (94283) ، (137035) .
وهنا يتوجب عليك أن تسلك غاية ما يمكنك من الوسائل المباحة ، التي تقضي بها حاجتك ، وتخرج بها من هذه الورطة . ومنها :
أن توسط بعض الناس بينك وبين خصمك ليقبل بحقه فقط دون أي زيادة ، أو أن يقبل زيادة يسيرة ، أو أن يرضى بتأجيل بعض المبلغ ..
ومنها : أن تلجأ إلى الاقتراض المشروع ، من غير زيادة ربوية ، أو أخذ الصدقات . وينظر السؤال رقم : (221424) .
ومنها : أن تلجأ إلى استثمار المال استثمارًا مباحا بدلا من التعامل بالربا ، كالتجارة به أو مشاركة من يتاجر لك به ، بدلا من هذا الإيداع المحرم .
ومنها : أن تضع المال في أحد البنوك الإسلامية ، إذا ضاقت بك الحيلة ، ولم يمكنك استثماره استثمارا آمنا بنفسك ؛ بدلا من وضعه في بنك ربوي .. إلخ .
ومنها : أن تبيع بعض ممتلكاتك التي يمكنك الاستغناء عنها ، كالسيارة ونحوها .
فهناك طرق كثيرة مباحة يمكنك رفع ضرورتك بها ، فليس التعامل بالربا هو الطريق الوحيد لدفع ضرورتك .
وما دامت هناك بدائل مشروعة ، يمكنك أن تستعين بها في ذلك ؛ فليست هنا حالة ضرورة ، تبيح لك التعامل بالربا المحرم .
وينظر في حد الضرورة التي تبيح الربا: جواب السؤال رقم : (94823).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة