أولا :
النبي صلى الله عليه وسلم بشرٌ من البشر ، من بني آدم ، وهو سيد ولد آدم ، ولم يخلق من نور ، قال الله تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ) الكهف/110 .
ينظر جواب السؤال رقم (4509) ، والسؤال رقم (75395).
ثانيا :
ما يُذكر من أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سأل جبريل عليه السلام فقال: يا جبريل كم عمّرتَ من السنين؟ فقال: يا رسول الله لست أعلم ، غير أن في الحجاب الرابع نجمًا يطلع في كل سبعين ألف سنة مرة ، رأيته اثنتين وسبعين ألف مرة ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : ( وعزة ربي أنا ذلك الكوكب ) .
هو كلام باطل لا أصل له ، وهو من اختراع بعض الجهلة من الصوفية .
قال الشيخ عبد الله بن محمد بن الصديق الغماري رحمه الله :
" وروي في بعض كتب المولد النبوي عن أبي هريرة قال: " سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام فقال: يا جبريل كم عمّرتَ من السنين؟ ... " فذكره ، ثم قال :
" وهذا كذب قبيح ، قبّح الله من وضعه وافتراه " .
"مرشد الحائر" (ص5) .
انظر السؤال رقم (200271)
ثالثا :
روى الحاكم في "المستدرك" (4228) ومن طريقه البيهقي في "دلائل النبوة" (5/488) من طريق عَبْد اللَّهِ بْن مُسْلِمٍ الْفِهْرِيّ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْلَمَةَ، أَنْبَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَمَّا اقْتَرَفَ آدَمُ الْخَطِيئَةَ قَالَ: يَا رَبِّ أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ ؛ لَمَا غَفَرْتَ لِي ؟!
فَقَالَ اللَّهُ: يَا آدَمُ، وَكَيْفَ عَرَفْتَ مُحَمَّدًا وَلَمْ أَخْلُقْهُ؟
قَالَ: يَا رَبِّ، لِأَنَّكَ لَمَّا خَلَقْتَنِي بِيَدِكَ ، وَنَفَخْتَ فِيَّ مِنْ رُوحِكَ ؛ رَفَعْتُ رَأْسِي فَرَأَيْتُ عَلَىَ قَوَائِمِ الْعَرْشِ مَكْتُوبًا : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ !! فَعَلِمْتُ أَنَّكَ لَمْ تُضِفْ إِلَى اسْمِكَ إِلَّا أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَيْكَ !!
فَقَالَ اللَّهُ: صَدَقْتَ يَا آدَمُ، إِنَّهُ لَأُحِبُّ الْخَلْقِ إِلَيَّ ، ادْعُنِي بِحَقِّهِ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ ، وَلَوْلَا مُحَمَّدٌ مَا خَلَقْتُكَ )
وقال الحاكم عقبه : " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ ذَكَرْتُهُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي هَذَا الْكِتَابِ " انتهى .
فرده الذهبي بقوله : " بل موضوع " .
وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، متروك الحديث ، قال الساجي : منكر الحديث، وقال الطحاوي حديثه عند أهل العلم بالحديث في النهاية من الضعف، وقال الحاكم وأبو نعيم : روى عن أبيه أحاديث موضوعة، وقال ابن الجوزي : أجمعوا على ضعفه .
"تهذيب التهذيب" (6 /162)
وعبد الله بن مسلم الفهري : قال الذهبي: " روى عن إسماعيل بن مسلمة بن قعنب، عن عبد الرحمن بن يزيد بن سلم خبرا باطلا فيه: يا آدم لولا محمد ما خلقتك ".
ميزان الاعتدال (2/ 504)
يعني هذا الحديث .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" رِوَايَةُ الْحَاكِمِ لِهَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا أُنْكِرَ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ نَفْسَهُ قَدْ قَالَ فِي "كِتَابِ الْمَدْخَلِ إلَى مَعْرِفَةِ الصَّحِيحِ مِنْ السَّقِيمِ": عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ رَوَى عَنْ أَبِيهِ أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةً ، لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ تَأَمَّلَهَا مَنْ أَهْلِ الصَّنْعَةِ : أَنَّ الْحَمْلَ فِيهَا عَلَيْهِ.
قُلْت: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ ، يَغْلَطُ كَثِيرًا، ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِي وَالدَّارَقُطْنِي وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَقْلِبُ الْأَخْبَارَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، حَتَّى كَثُرَ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَتِهِ مِنْ رَفْعِ الْمَرَاسِيلِ وَإِسْنَادِ الْمَوْقُوفِ فَاسْتَحَقَّ التَّرْكَ.
وَأَمَّا تَصْحِيحُ الْحَاكِمِ لِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَمْثَالِهِ: فَهَذَا مِمَّا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ ، وَقَالُوا: إنَّ الْحَاكِمَ يُصَحِّحُ أَحَادِيثَ وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ مَكْذُوبَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (1/ 254)
فهذان حديثان باطلان ، لا يجوز لمسلم أن ينسبهما أو أحدهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن ذلك من الكذب عليه ، والكذب عليه من كبائر الذنوب الموبقة .
والله تعالى أعلم .