0 / 0

ما المقصود بغياب الشمس الذي يحل به الفطر؟

السؤال: 232822

إذا كان الإنسان يعيش في المدينة حيث البنيان ، فهل يفطر بمجرد غياب الشمس عن ناظريه ، أم ينتظر حتى يحل الظلام ؟

ملخص الجواب

وبناء عليه : فلا يجوز لمن يعيش في المدن والأماكن التي فيها ما يحول بينه وبين رؤية الأفق أن يفطر بمجرد غياب الشمس عن ناظريه ، بل لا بد من التأكد من غياب قرص الشمس عن الأفق. والغالب أنه يتعذر الاطلاع على غروب الشمس في المدن ، بسبب وجود المباني والأضواء العالية ، وعامة المسلمين – الآن- يستدلون على مواقيت الصوات بالتقاويم المعروفة ، وهذا لا بأس به ، إذا كانت الجهة القائمة عليها محل ثقة واعتبار . وينظر للفائدة جواب السؤال : (220838) ، (110407) . والله أعلم .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:
جعل الشرع لانتهاء الصوم وبدء الفطر علامةً واضحةً جليةً ، وهي : غروب الشمس خلف الأفق.
فإذا غربت الشمس فقد حل للصائم أن يفطر ؛ لقوله تعالى: ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187 .
وأول الليل يبدأ من غروب الشمس ، كما سبق بيان هذا في جواب السؤال : (110407).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا [يعني : جهة المشرق] ، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا [يعني : جهة المغرب]، وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ : فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ ) رواه البخاري (1954) ، ومسلم (1100) .
قال النووي : “يَنْقَضِي الصَّوْمُ وَيَتِمُّ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ” .
انتهى من “المجموع شرح المهذب” (6/ 304) .
وقال ابن عبد البر: ” وَالنَّهَارُ الَّذِي يَجِبُ صِيَامُهُ : مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ ، عَلَى هَذَا إِجْمَاعُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ ” انتهى من “التمهيد” (10/62).

والمقصود بالغروب : غياب كامل قرص الشمس واختفاؤه ، ولا عبرة بالحمرة الباقية في الأفق ، فحيث غاب كامل القرص ، فقد حل الفطر .
قال الحافظ ابن رجب: ” هذا الحديث يدل على أن مجرد غيبوبة القرص ، يدخل به وقت صلاة المغرب ، كما يفطر الصائم بذلك ، وهذا إجماع من أهل العلم: حكاه ابن المنذر وغيره.
قال أصحابنا والشافعية وغيرهم : ولا عبرة ببقاء الحمرة الشديدة في السماء بعد سقوط قرص الشمس وغيبوبته عن الأبصار” انتهى من “فتح الباري” (4/352) بتصرف يسير.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” إذا غاب قرص الشمس : حينئذ يفطر الصائم ، ويزول وقت النهي ، ولا أثر لما يبقى في الأفق من الحمرة الشديدة في شيء من الأحكام” .
انتهى من “شرح عمدة الفقه” (ص: 169).
وقال النووي: ” وَلَا نَظَرَ بَعْدَ تَكَامُلِ الْغُرُوبِ إلَى بَقَاءِ شُعَاعِهَا ، بَلْ يَدْخُلُ وَقْتُهَا [يعني : صلاة المغرب] مَعَ بَقَائِهِ ” انتهى من “المجموع شرح المهذب” (3/29) .

ثانياً :
الصائم وقت الغروب لا يخلو من حالين :
الأولى : أن يكون في مكانٍ يتمكَّن فيه من رؤية غروب الشمس خلف الأفق ، كأن يكون في صحراءٍ ، أو فضاءٍ من الأرض ، أو على رؤوس الجبال ، أو في مكان مرتفع يتمكن منه من رؤية الشمس وهي تغيب عن الأفق .
ففي هذه الحال يفطر عند غياب كامل قرص الشمس.
قال النووي : ” وَالِاعْتِبَارُ سُقُوطُ قُرْصِهَا بِكَمَالِهِ ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي الصَّحْرَاءِ “.
انتهى من “المجموع ” (3/ 29) .
الثانية : أن يكون في مكان يتعذر فيه رؤية غياب الشمس خلف الأفق ، إما لكونه من سكان المدن حيث تحول الأبينة بينه وبين رؤية الأفق ، أو لوجوده في مكان منخفض كالوديان ، أو لوجود جبال تحول بينه وبين رؤية الشمس ، وغير ذلك .
ففي هذه الحال لا يحل له الفطر بمجرد غياب الشمس عن ناظريه ، لأنها قد تغيب عن عينيه ولكنها لم تغرب بعد ، بسبب اختفائها خلف الأبنية ، وفي هذه الحالة يمكنه الاستدلال على غروبها باختفاء أشعتها التي تكون على الجدران العالية ، أو بإقبال الليل من جهة المشرق – إن أمكن رؤية ذلك – والمقصود بإقبال الليل هو ظهور ظلمة الليل في السماء من جهة المشرق ، وليس المقصود انتشار الظلمة في السماء كلها ، فإن ذلك يكون بعد غروب الشمس بمدةٍ ..
قال النووي : ” وأمَّا في العمران وقُلل الجبال : فالاعتبار بأن لا يُرى شيءٌ مِنْ شُعَاعِهَا عَلَى الْجُدَرَانِ وَقُلَلِ الْجِبَالِ ، وَيُقْبِلُ الظَّلَّامُ مِنْ الْمَشْرِقِ ” انتهى من ” المجموع ” (3/29).
[ قلَّة الْجَبَل : هِي الْقطعَة تستدير فِي أَعْلَاهُ ، ينظر: ” جمهرة اللغة” (1/164) ] .
وقال في ” الفواكه الدواني” (1/168) : ” مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ : غُرُوبُ الشَّمْسِ ، إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ يَكُونُ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ ، أَوْ فِي فَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ.
وَأَمَّا مَنْ يَكُونُ خَلْفَ الْجِبَالِ : فَلَا يُعَوِّلُ عَلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ ، وَإِنَّمَا يُعَوِّلُ عَلَى إقْبَالِ الظُّلْمَةِ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ ، فَإِذَا ظَهَرَتْ ، كَانَ دَلِيلًا عَلَى مَغِيبِهَا ، فَيُصَلِّي وَيُفْطِرُ ” انتهى
وقال ابن دقيق العيد : ” وَالْأَمَاكِنُ تَخْتَلِفُ ، فَمَا كَانَ مِنْهَا فِيهِ حَائِلٌ بَيْنَ الرَّائِي وَبَيْنَ قُرْصِ الشَّمْسِ : لَمْ يَكْتَفِ بِغَيْبُوبَةِ الْقُرْصِ عَنْ الْأَعْيُنِ ، وَيُسْتَدَلُّ عَلَى غُرُوبِهَا بِطُلُوعِ اللَّيْلِ مِنْ الْمَشْرِقِ” انتهى من “إحكام الأحكام ” (1/166).
وقال الحطَّاب : ” وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ : إذَا غَابَ قُرْصُ الشَّمْسِ ، بِمَوْضِعٍ لَا جِبَالَ فِيهِ ، فَأَمَّا مَوْضِعٌ تَغْرُبُ فِيهِ خَلْفَ جِبَالٍ ، فَيُنْظَرُ إلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ ، فَإِذَا طَلَعَتْ الظُّلْمَةُ كَانَ دَلِيلًا عَلَى مَغِيبِ الشَّمْسِ” انتهى من “مواهب الجليل” (1/392) .

ويدل لهذا الحديث السابق : ( إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا [ أي جهة المشرق] ، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا [أي : جهة المغرب] ، وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ : فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ ) .
قال القرطبي: ” أحد هذه الأشياء يتضمن بقيتها ؛ إذ لا يُقِبل الليل إلا إذا أدبر النهار ، ولا يُدبر النهار إلا إذا غربت الشمس ، ولكنه قد لا يتفق مشاهدة عين الغروب ، ويُشاهد هجوم الظلمة حتى يتيقن الغروب بذلك : فيحل الإفطار” انتهى من “إكمال المعلم” (4/35) .
وقال النووي : ” قَالَ الْعُلَمَاءُ كُلٌّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ يَتَضَمَّنُ الْآخَرَيْنِ وَيُلَازِمُهُمَا ، وَإِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَهَا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي وَادٍ وَنَحْوِهِ ، بِحَيْثُ لَا يُشَاهِدُ غُرُوبَ الشَّمْسِ ، فَيَعْتَمِدُ إِقْبَالَ الظَّلَامِ وَإِدْبَارَ الضِّيَاءِ ” انتهى من “شرح صحيح مسلم” (7/ 209) .
وقال ابن دقيق العيد : ” الْإِقْبَالُ وَالْإِدْبَارُ مُتَلَازِمَانِ ، أَعْنِي : إقْبَالَ اللَّيْلِ وَإِدْبَارَ النَّهَارِ.
وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَظْهَرَ لِلْعَيْنِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ ، فَيُسْتَدَلُّ بِالظَّاهِرِ عَلَى الْخَفِيِّ ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي جِهَةِ الْمَغْرِبِ مَا يَسْتُرُ الْبَصَرَ عَنْ إدْرَاكِ الْغُرُوبِ ، وَكَانَ الْمَشْرِقُ بَارِزًا ظَاهِرًا ، فَيُسْتَدَلُّ بِطُلُوعِ اللَّيْلِ عَلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ” انتهى من “إحكام الأحكام” (2/ 27).

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android