0 / 0
175,89713/11/2015

ما حكم تنظيم الحمل والتوقف المؤقت عن الإنجاب لحاجة التربية وغيرها؟

السؤال: 231777

متزوج حديثا ، وسألتكم سابقا عن إرادة ألا أنجب سوى طفلين مثلا ، فزوجتي ولدت منذ شهر بقيصرية أول ولادة ، وأصابها سكري حملي خلال حملها ، مما أثر كثيرا على طعامها وحميتها والحاجة للأنسولين يوميا طول ثلاثة أشهر ، ولما سألتكم سابقا أنني لا أريد أن أكثر أولادي في ظروف هذا الزمان التي يكون فيها 80% من الأطفال ذوي أخلاق سيئة ، وتربية سيئة ، بسبب المجتمع والفضائيات ، وكل الأحاديث في فضل كثرة الأولاد . وقلتم لي : إنني لا أضمن أن يكونوا سيئين، ولكن بالحقيقة أعطوني ضمانا ألا يكونوا فاسدين! ولو فهمنا أحاديث كثرة الولد كما قلتم ، سيكون في كل بيت عشرون ولدا ، فهل كانت بيوت الصحابة والتابعين هكذا ؟ أعلم أن الفتاوى تقول : بجواز تأجيل الحمل الثاني عدة سنوات مثلا للظروف المذكورة ، ولكن أريد حلا يشمل أي زوجة طبيعية . هل أفهم أنه يجب كثرة الولد ، فتقضي الزوجة تسعة أشهر حمل ، وعام رضاعة ، وتسعة أشهر حمل ، وعام رضاعة ، وهكذا ، حتى يصبح الأطفال عشرين خلال حياتها ، لأننا لو توقفنا عن الإنجاب عندما يصبحون عشرة أطفال ستأتي الفتاوى بعدم قبول ذلك ، ما لم يضر الأم . نعلم جميعا صعوبة التربية الصحيحة هذه الأيام ، أليس للزوجة حق أن تتمكن من التربية الصحيحة لولدين أو ثلاثة فقط خلال خمس عشرة سنة من الزواج مثلا ؟ أم يجب أن تنجب عشرة أولاد خلال تلك الفترة ؟ ولست أعارض النصوص ، ولكن أريد أن أفهم الأحاديث فهما قريبا من المنطق . فلماذا لم يكن للصحابة والتابعين عشرون ولدا من زوجة واحدة ؟ أليس ظلما للزوجة أن أجعلها آلة للإنجاب والرضاع ، مع القدرة على أن تحمل كل عام ؟ كيف ستتفرغ لتعليم الأطفال وتنظيفهم ومتابعتهم وتمريضهم ؟ هل سيباهي النبي بأطفالنا يوم القيامة ، إن لم يكن دينهم سليما ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

نرجو أن تتأكد أخانا السائل أن أحدا من العلماء لم يقل بأن الإنجاب واجب على الزوجين ، وأنهما إن لم ينجبا عشرين ولدا استحقا الإثم والعقوبة عند الله !!
كما لم يقل أحد من العلماء السابقين أو المعاصرين ـ فيما نعلم ـ إن مصير الزوجة هو الإنجاب والإرضاع في كل عام ، أو أن الزوجين إذا اختارا تأجيل الحمل والإنجاب حرم عليهما ذلك .
كل هذه الحقائق نؤكدها لك ، وندفع أوهام الشك فيها كي تتعرف إلى الحكم الشرعي أولا ، وأن جميع ما ذكرته في سؤالك ليس محل اعتراض صحيح ؛ لأن الحكم الشرعي بعيد عما ذكرته في سؤالك ، بل جاءت الأدلة الشرعية تدل على جواز تأجيل الإنجاب والحمل ، وذلك في قول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : " كُنَّا نَعْزِلُ وَالقُرْآنُ يَنْزِلُ " رواه البخاري (5208) ، ومسلم (1440) والعزل هو قذف المني خارج رحم المرأة ، رغبة في اجتناب الإنجاب .
وقد استدل الشيخ ابن باز رحمه الله بهذا الحديث على جواز تنظيم النسل لتحقيق التربية الإسلامية ، وذلك حيث يقول :
" إذا كانت المرأة لديها أولاد كثيرون ، ويشق عليها أن تربيهم التربية الإسلامية لكثرتهم ، فلا مانع من تعاطي ما ينظم الحمل لهذه المصلحة العظيمة ، حتى يكون الحمل على وجه لا يضرها ، ولا يضر أولادها ، كما أباح الله العزل لهذه المصلحة وأشباهها " .
انتهى من " فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر " (21/394) .
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" محاولة منع الحمل في الأصل جائزة ؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعزلون في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولم يُنْهَوْا عن ذلك ، ولكن هي خلاف الأولى ؛ لأن تكثير الأولاد أمرٌ مشروعٌ ومطلوب " انتهى من " فتاوى نور على الدرب للعثيمين " (22/ 2، بترقيم الشاملة آليا) .
وقد سبق في موقعنا الحث على تكثير النسل الصالح العامل ، وذلك في الفتوى رقم : (13492).
فاطمئن إذا قررت أنت وزوجتك تأجيل الإنجاب كما ذكرت في السؤال ، فلن يعد ذلك إثما ولا معصية من حيث الأصل ، إلا لاعتبارات أخرى تتداخل مع هذا الخيار الفردي أو الشخصي ، وهي اعتبارات مهمة فرضتها الظروف المعاصرة :
أولا :
إذا أصبح قرار تأجيل الإنجاب عاما على مستوى المجتمع والدولة والأمة ، ففي هذه الحالة يصبح خيارا مدمرا ومفسدا ، ويغدو حكمه هو المنع ؛ لأنه انتقل من حال طبيعي مباح ، إلى حال طارئ مؤثر ، فصار مذموما .
وانظر : (119955) .
ثانيا :
إذا كان الدافع لتأجيل الإنجاب هو الخوف على رزقهم أو معاشهم ، وذلك ما يمثل اهتزازا حقيقيا لعقيدتنا بقضاء الله وقدره ، وإيماننا بسعة رزق الله وتيسير أمور الساعين في الأرض ، ويمثل خوفا غير مبرر من المستقبل ، وتقاعسا عن الإنتاج والعمل ، ولهذا كان مذموما وممنوعا ، وصدرت الفتاوى الواضحة في شأنه .
وقد سبق تغطية هذه الحالة في الفتوى رقم : (10033)، (127170) .
ثالثا :
إذا كان سبب ترك الإنجاب هو الشقاق والنزاع بين الزوجين ، أحدهما يرفض الولد والآخر يطلبه، فليس من حق الرافض الرفض ، لأن الإنجاب حق مشترك بين الزوجين ، لا يجوز أن ينفرد أحدهما برفضه لغير عذر ولا سبب .
وقد سبق تغطية هذه الحالة في الفتوى رقم : (190396) .
رابعا :
إذا كان دافع تأجيل الإنجاب أو وقفه هو التبعية الحضارية لغير المسلمين ، والتقليد لهم لأجل التقليد ، إعجابا بثقافتهم ، وافتتانا بطريقة عيشهم ، ولا شك أن الحكم في هذه الحالة المنع أيضا ؛ فمن مقاصد الشرع الجليلة : بناء الفرد المسلم بناء مستقلا ، يقدر المصالح والمفاسد في ضوء المعطيات الموضوعية التي يحياها أو يراها ، ويصدر عن أصوله الشرعية التي يؤمن بها ، ويتربى عليها ، بعيدا عن المؤثرات النفسية الوهمية التي تصنعها الهالة الإعلامية للقوى المادية المعروفة اليوم ، أو الانهزام النفسي أمام ما يلقاه من أخلاق أمم الكفار ، وعاداتهم ، وأعمالهم .
خامسا :
وإذا كانت الوسيلة للوصول إلى تأجيل الإنجاب ، استعمال دواء أو عمليات تقطع النسل بالكلية (التعقيم)، فتفقد المرأة أو زوجها القدرة على الإنجاب إلى الأبد ، فهذا من العدوان ، وكفران لنعمة الله التي أنعم بها على عباده ، وإتلاف لمنفعة جليلة مقصودة ، جعلها الله فيهم ، وخلقهم عليها ، لحكمة بالغة .
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك ، وهذه الحالة لا يختلف العلماء في تحريمها ، فهي اعتداء صارخ على مقصد مهم من مقاصد التشريع ، وانتهاك تام لإحدى الضرورات الخمس التي جاء الإسلام بالمحافظة عليها ، وهي الدين والنفس والعرض والمال والنسل .
وانظر : (111969) .
هذه الحالات الخمسة التي يقصدها العلماء عند الحديث عن تنظيم النسل أو تحديده ، وهي الذرائع التي جعلتهم يتشددون في العبارة أحيانا كثيرة ، كي لا تستغل فتوى الجواز في غير محلها .
ولذلك ذكَّرنا بهذه الحالات الخاصة هنا ، كي تتنبه إليها ، وما سوى ذلك مما يكون قرارا فرديا للزوجين لحاجة معتبرة ، فلا حرج عليهما فيه .
وينظر : (7205) ، (50326)، (118115) .
ومن تأمل في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم: 39 (1/ 5) بشأن تنظيم النسل ، تبين له من دقة صياغة القرار ، ما بيناه أعلاه في هذه المسألة ، حيث جاء في القرار :
" إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1 – 6 جمادى الآخر 1409هـ الموافق10 – 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م .
بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع تنظيم النسل ، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله .
وبناء على أن من مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية الإنجاب والحفاظ على النوع الإنساني ، وأنه لا يجوز إهدار هذا المقصد ؛ لأن إهداره يتنافى مع نصوص الشريعة وتوجيهاتها الداعية إلى تكثير النسل ، والحفاظ عليه ، والعناية به ، باعتبار حفظ النسل أحد الكليات الخمس التي جاءت الشرائع برعايتها .
قرر ما يلي :
أولا : لا يجوز إصدار قانون عام يحد من حرية الزوجين في الإنجاب .
ثانيا : يحرم استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل أو المرأة ، وهو ما يعرف بالإعقام أو التعقيم ، ما لم تدع إلى ذلك الضرورة بمعاييرها الشرعية .
ثالثا: يجوز التحكم المؤقت في الإنجاب بقصد المباعدة بين فترات الحمل ، أو إيقافه لمدة معينة من الزمان ، إذا دعت إليه حاجة معتبرة شرعا ، بحسب تقدير الزوجين عن تشاور بينهما وتراض ، بشرط أن لا يترتب على ذلك ضرر ، وأن تكون الوسيلة مشروعة ، وأن لا يكون فيها عدوان على حمل قائم " انتهى.
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android