0 / 0

لماذا حرم بعض العلماء التمثيل الذي لا يصاحبه اختلاط ولا موسيقى ؟

السؤال: 228486

ما الحكمة في تحريم التمثيل الذي لا يصاحبه اختلاط ولا موسيقى ؟ لأن بعض العلماء حرّمه فيما أعلم.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

نعم ، اختلف أهل العلم في حكم التمثيل الخالي من المحرمات .
فأهل العلم الذين لم يجيزوه عللوا ذلك بأمور ؛ من أهمها :
الأمر الأول :
في التمثيل نوع كذب ، والكذب فيه من جهتين ؛ من جهة أن الممثل يتلبس بشخصية ليست هي شخصيته حقيقة فهذا كذب ، وكذا نسبته لهذه الشخصية من الأقوال والأفعال مالم يحدث وهذا كذب آخر .
سُئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى :
” هل معنى ذلك أنك تنصح أبناءنا المسلمين بدراسة هذه المجالات – أي الإعلام – حتى يحتلوا الأماكن التي يغزوها هؤلاء المفسدون ؟
فأجاب : نعم ، ينبغي للعلماء ألا يتركوا هذه الأمور للجهلة ، وأن يتولوا بث الخير والفضيلة في كافة المجالات ، ولكن هناك مسألة التمثيل ، فأنا لا أنصح بممارسة التمثيل ، وإنما على العلماء أن يبينوا للناس أحكام الله ورسوله أما أن يتقمص المرء شخصية فلان واسم فلان فيقول : أنا عمر أو أنا عثمان أو نحو ذلك فهذا كذب لا يجوز فعله ” .
انتهى من ” مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز ” ( 5 / 271 – 272 ) .
وقال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله تعالى :
” التمثيل ، لا ينفك عن (الكذب) ، بحال في الفعال ، والأقوال …
ووجه عدم انفكاكه عن الكذب على ما يلي :
1 – إن كان أسطورة فهذا من أساسه اختلاق ، وبئس المطية لتوجيه الأمة وترفيهها بما هو كذب عليها ، وملاعبة لعقولها .
2 – وإن كان يمثل معيناً كصلاح الدين الأيوبي، وغيره من العظماء من قبل ومن بعد ، فإنهم سيقولون (قال) وما قال، و (فعل) وما فعل، وهكذا في حركات ، وتصرفات ، هي محض افتراء ، وتقوّل عليه .
وإذا حرم الله شيئاً مثل الكذب ، حرم ما بني عليه ، وأوصل إليه ، والتمثيل سبيل إليه ، فيحوي من الكذب ما تراه ، فالله المستعان ” انتهى من ” التمثيل ” ( 39 – 40 ) .
الأمر الثاني : غالبا ما يحدث في التمثيل أن يتلبس الممثل بحالات وأفعال مهينة تسقط مروءته ، والمسلم مطالب بحفظ مروءته .
قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله تعالى :
” المروءة من مقاصد الشرع ، وخوارمها من مسقطات الشهادة قضاء ، والشرع يأمر بمعالي الأخلاق ، وينهي عن سفاسفها ، فكم رأى الراءون ( الممثل ) يفعل بنفسه الأفاعيل ، في أي عضو من أعضائه، وفي حركاته ، وصوته ، واختلاج أعضائه ، بل يمثل : دور مجنون ، أو معتوه ، أو أبله ، وهكذا .
وقد نص الفقهاء ” في باب الشهادة ” على سقوط شهادة ” المضحك ” و ” الساخر ” و ” المستهزئ ” و” كثير الدعابة ” ، وهذا منتشر في كلام الفقهاء من المذاهب الأربعة وغيرهم … وعليه فلا يمتري عاقل ، أن ( التمثيل ) من أولى خوارم المروءة ، ولذا فهو من مسقطات الشهادة قضاء ، وما كان كذلك ، فإن الشرع لا يُقرّه في جملته .
ومن المسلمات أن (التمثيل) لا يحترفه أهل المروءات ، ولا من له صفة تذكر في العقل والدين ” انتهى من ” التمثيل ” ( ص 35 – 36 ) .

وذهب بعض أهل العلم إلى أن التمثيل إذا كان مضبوطا بالضوابط الشرعية ، وخلا من المحرمات ، وفيه مصلحة شرعية : فهو مباح . وإلى هذا ذهب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى ، حيث قال :
” كثير من إخواننا يمنع من التمثيل مطلقا ، ويقول إنه لا يجوز لأنه يتضمن الكذب ، وربما يتضمن استهزاء بالشعائر الدينية ، كما لو تقمص الممثل شخص رجل كبير السن ، ووضع عليه لحية من الصوف وما أشبه ذلك .
ومن الناس من يقول إذا كان التمثيل هادفاً ، ولم يتضمن محظورا ، بكذب على أحد ، ولا بقيام الرجل بدور المرأة ، أو المرأة بدور الرجل ، ولم يكن فيه تقليد للحيوانات : فإنه لا بأس به ؛ فيجيز التمثيل بشروط .
وليعلم أن الأصل في غير العبادات الحل والإباحة ، وهذا من فضل الله عز وجل : أن يسر على العباد ما لم يحرمه عليهم ، فإذا كان الأصل الحل ، فإنه لا بد من إقامة الدليل على التحريم . وإذا قلنا : إن هذا حرام ، وقال الآخرون : هذا حلال ؛ فالقول مع المحلل ، إلا إذا كان هناك دليل يدل على التحريم ، فيجب اتباع الدليل . وهذا في غير العبادات .
أما العبادات ، وهي ما يقصد به التقرب إلى الله : فإن الأصل فيها المنع والتحريم ، لأن العبادات طريق إلى الله عز وجل ، وهي صراط الله ، ولا يمكن أن نفتري على الله ما لم يجعله طريقا موصلا إليه .
فلهذا : كانت هذه القاعدة المشهورة عند العلماء ، قاعدة سليمة دل عليها الكتاب والسنة والنظر الصحيح ؛ أن الأصل في العبادات المنع والحظر ، حتى يقوم دليل على أنها مشروعة ، والأصل في غير العبادات من الأفعال والأقوال والمنافع : الأصل فيها الحل ، حتى يقوم دليل على المنع ” .
انتهى من ” فتاوى نور على الدرب للشيخ ابن عثيمين ” ( 24 / 2 ترقيم الشاملة ).

والمسألة من المسائل الاجتهادية التي لا يوجد فيها نص قاطع ، لا على الجواز ولا على عدمه ؛ فمن اتبع من يقول بالجواز ، لا على سبيل الهوى والتشهي ، وإنما لاعتقاده قوة هذا القول ، وقربه للحق : فله ذلك ، ومن اتبع من يقول بالتحريم ، لاعتقاده أنه الحق : فله ذلك .
ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم : ( 10836 ) ، ورقم : ( 144322 ) .
والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android