0 / 0
23,10815/07/2015

من قلد أحد العلماء في مسألة اجتهادية ثم تبين له رجحان القول الآخر، فماذا يلزمه؟

السؤال: 228411

أنا فتاة ، وعرفت من موقعكم فتوى بخصوص كفارة اليمين : أنها لا تصح أن تكون بالنقود ، وقد كفرت في السابق قبل أن اقرأ الفتوى ، هل أكفر من جديد عما سبق ، علما بأنني لا أعلم عددها ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:
إخراج كفارة اليمين نقودا من المسائل الاجتهادية التي اختلف فيها العلماء ، وقد سبق في الفتوى رقم : (124274) أن الراجح أن إخراجها نقودا لا يجزئ ، وأن هذا هو مذهب جمهور العلماء ،
وقد خالف في ذلك أبو حنيفة رحمه الله فأجاز إخراجها نقودا .

ثانيا :
المسائل الاجتهادية التي اختلف فيها العلماء – وهي المسائل التي لم يرد بحكمها نص قاطع ، أو قريب منه ، في القرآن الكريم ، أو السنة النبوية ، وإنما هي استنباطات للعلماء – : من قلد فيها عالما من العلماء ، فلا حرج عليه في ذلك ، فإن تبين له بعد ذلك أن هناك قولا آخر أرجح مما عمل به ، فإنه ينتقل إلى العمل بما ظهر له أنه أرجح ، وما فعله على القول الأول فهو صحيح مجزئ ، لا يؤمر بإعادته .
وهذا أصل عام ، في نظائر ذلك من المسائل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"إنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ لَا تُنْكَرُ بِالْيَدِ ، وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُلْزِمَ النَّاسَ بِاتِّبَاعِهِ فِيهَا ؛ وَلَكِنْ يَتَكَلَّمُ فِيهَا بِالْحُجَجِ الْعِلْمِيَّةِ ، فَمَنْ تَبَيَّنَ لَهُ صِحَّةُ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ تَبِعَهُ ، وَمَنْ قَلَّدَ أَهْلَ الْقَوْلِ الْآخَرِ : فَلَا إنْكَارَ عَلَيْه " انتهى من " مجموع الفتاوى" (30/80) .

وقد ذكر شيخ الإسلام مسألة اختلف فيها الأئمة : هل يثبت بها التحريم في النكاح أم لا ؟
فكان مما قال :
"وَقَدْ ذَهَبَ إلَى كُلِّ قَوْلٍ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: كَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: يُبِيحُونَ ذَلِكَ؛ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وَمَالِكٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: يُحَرِّمُونَ ذَلِكَ .
فَهَذِهِ إذَا قَلَّدَ الْإِنْسَانُ فِيهَا أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ جَازَ ذَلِكَ " انتهى من " مجموع الفتاوى " (32/140) .

وسئل رحمه الله عن حيلة من الحيل أفتى بها بعض العلماء حتى لا يقع طلاق على الزوج ، تسمى بـ "مسألة ابن سريج" فقال :
"هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُحْدَثَةٌ فِي الْإِسْلَامِ ؛ وَلَمْ يُفْتِ بِهَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ؛ وَإِنَّمَا أَفْتَى بِهَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ جَمَاعَةُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ . وَمَنْ قَلَّدَ فِيهَا شَخْصًا ، ثُمَّ تَابَ : فَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ ، وَلَا يُفَارِقُ امْرَأَتَهُ إذَا كَانَ مُتَأَوِّلًا " .
انتهى من " مجموع الفتاوى " (33/244) .

وسئل رحمه الله عن بعض المعاملات التي يتخذها الناس حيلة على الربا ، وقد أفتى بجوازها بعض العلماء ، فذكر الأدلة على تحريمها ، ثم قال :
"وَمَا اكْتَسَبَهُ الرَّجُلُ مِنْ الْأَمْوَالِ بِالْمُعَامَلَاتِ الَّتِي اخْتَلَفَتْ فِيهَا الْأُمَّةُ ، كَهَذِهِ الْمُعَامَلَاتِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا وَغَيْرِهَا ، وَكَانَ مُتَأَوِّلًا فِي ذَلِكَ ، وَمُعْتَقِدًا جَوَازَهُ لِاجْتِهَادِ ، أَوْ تَقْلِيدٍ ، أَوْ تَشَبُّهٍ بِبَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، أَوْ لِأَنَّهُ أَفْتَاهُ بِذَلِكَ بَعْضُهُمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذِهِ الْأَمْوَالُ الَّتِي كَسَبُوهَا وَقَبَضُوهَا : لَيْسَ عَلَيْهِمْ إخْرَاجُهَا ، وَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا مُخْطِئِينَ فِي ذَلِكَ ، وَأَنَّ الَّذِي أَفْتَاهُمْ أَخْطَأَ ، فَإِنَّهُمْ قَبَضُوهَا بِتَأْوِيلِ … لَكِنْ عَلَيْهِمْ إذَا سَمِعُوا الْعِلْمَ : أَنْ يَتُوبُوا مِنْ هَذِهِ الْمُعَامَلَاتِ الرِّبَوِيَّةِ .." .
انتهى من " مجموع الفتاوى " (29/443- 445) .
فأمر من علم تحريمها بالالتزام بذلك ، ولا يجوز له في هذه الحالة تقليد من يفتي بجوازها ، أما الأموال التي اكتسبها بهذه المعاملات التي تأول فيها : فإنه لا يلزمه أن يتصدق بشيء فيها ، بل ملكه لها صحيح .

وقد سئل الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله عمن يقوم بإخراج زكاة الفطر نقودا .
فأجاب : "إخراج زكاة الفطر نقودا غلط ، ولا يجزئ صاحبَه ، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أي مردود عليه .
وثبت في البخاري وغيره عن ابن عمر : (فرض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير) ، فرضها صاعا من تمر أو صاعا من شعير ، والفرض يعني الواجب القطعي .
لكن بعض أهل العلم رحمهم الله جوز أن يخرجها من النقود ، فمن قلد هؤلاء وأخرج : فهي مجزئة ، إذا كان لا يعلم الحق في هذه المسألة .
وأما من علم أنه لابد أن تكون من طعام ، ولكنه أخرج النقود لأنها أسهل له وأيسر : فإنها لا تجزئه" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (10/2) الشاملة .

وبناء على ما سبق : فإن إخراجك لكفارة اليمين نقودا ، فيما سبق : مجزئ عنك ، ولا يلزمك إعادة إخراج الكفارة ، وإنما يلزمك فيما يأتي من الأيمان أن تخرجيها طعاما .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android