0 / 0
121,63825/02/2015

ما رأي علماء الحنفية الكبار في شيخ الإسلام ابن تيمية ؟

السؤال: 225392

ما رأي علماء الحنفية الكبار في شيخ الإسلام ابن تيمية ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

علماء الحنفية على قسمين :
القسم الأول :
من كان شديد التعصب للماتريدية أو للصوفية ، فوقف موقفا معاديا لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، فهؤلاء كلامهم في شيخ الإسلام ابن تيمية لا قيمة له عند أهل الفقه ، فقد جرت بين أهل العلم قاعدة : أن أهل العلم لا يقبل قول بعضهم في بعض إلا ببيّنة . كما قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى :
” والصحيح في هذا الباب أن من صحت عدالته ، وثبتت في العلم إمامته ، وبانت ثقته ، وبالعلم عنايته لم يُلتفت فيه إلى قول أحد ، إلا أن يأتي في جرحته ببينة عادلة يصح بها جرحته ، على طريق الشهادات ، والعمل فيها ، من المشاهدة والمعاينة لذلك بما يوجب تصديقه فيما قاله ، لبراءته من الغل والحسد والعداوة والمنافسة ، وسلامته من ذلك كله ، فذلك كله يوجب قبول قوله من جهة الفقه والنظر ” .
انتهى من ” جامع بيان العلم وفضله ” ( 2 / 1093 – 1094 ) .
وهؤلاء في طعنهم في شيخ الإسلام ابن تيمية ليس لهم بينة ولا حجة أصلا ، إلا أنه خالفهم في آرائهم ، والواجب عند الاختلاف والتنازع في الآراء : أن يعرض قول المختلفين على نصوص الشرع فمن كان الحق معه فهو أولى به ، كما في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) النساء / 59 .
قال القرطبي رحمه الله تعالى :
” قوله تعالى: ( فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ) أي : تجادلتم واختلفتم …
( فِي شَيْءٍ ) أي : من أمر دينكم . ( فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ) أي : ردوا ذلك الحكم إلى كتاب الله ، أو إلى رسوله ، بالسؤال في حياته ، أو بالنظر في سنته بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ؛ هذا قول مجاهد والأعمش وقتادة ، وهو الصحيح . ومن لم ير هذا اختل إيمانه ؛ لقوله تعالى : ( إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) ” انتهى من ” الجامع لأحكام القرآن ” ( 6 / 433 ) .

القسم الثاني : أهل العلم والإنصاف ؛ فهؤلاء ، رغم اختلافهم مع شيخ الإسلام ابن تيمية ، إلا أنهم كانوا معترفين بفضله وعلمه .
ومما وقفنا عليه من ثنائهم واعترافهم بعلمه نذكر الآتي :
1- شمس الدين بن الحريري الحنفي رحمه الله تعالى (توفي سنة 728ه ، وهي السنة التي توفي فيها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله) :
قال ابن كثير رحمه الله تعالى :
” قاضي القضاة شمس الدين بن الحريري أبو عبد الله محمد بن صفي الدين أبي عمرو عثمان بن أبي الحسن بن عبد الوهاب الأنصاري الحنفي ، ولد سنة ثلاث وخمسين ، وسمع الحديث واشتغل ، وقرأ ” الهداية ” ، وكان فقيها جيدا ، ودَرَّس بأماكن كثيرة بدمشق ، ثم ولي القضاء بها ، ثم خطب إلى قضاء الديار المصرية ، فباشر بها مدة طويلة ، محفوظ العرض ، لا يقبل من أحد هدية ، ولا تأخذه في الحكم لومة لائم .
وكان يقول : إن لم يكن ابن تيمية شيخ الإسلام فمن ؟ وقال لبعض أصحابه: تحب الشيخ تقي الدين ؟ قال : نعم . قال : والله لقد أحببت شيئا مليحا !!
توفي رحمه الله يوم السبت رابع جمادى الآخرة ودفن بالقرافة ” .
انتهى من ” البداية والنهاية ؛ طبعة دار هجر” ( 18 / 306 – 307 ) .
2- بدر الدين العيني رحمه الله تعالى ، وهو من أشهر علماء الحنفية واشتهر بكتابيه ” البناية شرح الهداية ” و” عمدة القاري شرح صحيح البخاري ” :
وثناء العيني رحمه الله تعالى على شيخ الإسلام ابن تيمية يمكن أن نقسمه على ثلاثة أوجه :
الوجه الأول : بدر الدين العيني في كتابه ” عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان ” كان إذا جاء ذكر ابن تيمية يصفه بأوصاف تدل على اعترافه بعلمه وفضله ، ومن ذلك :
قال رحمه الله تعالى في حوادث سنة ( 667 هـ ) :
” ومنها : أن أهل حران خرجوا منها وقدموا الشام ، وكان فيهم الشيخ الإمام العلامة تقي الدين ابن تيمية صحبة أبيه وعمره ست سنين ، وأخواه زين الدين عبد الرحمن ، وشرف الدين عبد الله وهما أصغر منه ” انتهى من ” عقد الجمان : عصر سلاطين المماليك” (2 / 51).
وقال العيني رحمه الله تعالى في حوادث ( 683 هـ ) :
” ومنها : أن الشيخ الإمام العلامة تقي الدين أبا العباس أحمد بن تيمية دَرَّس بدار الحديث السكرية التي بالقصاعين ، وذلك في يوم الاثنين ثامن المحرم من هذه السنة ، وحضر عنده قاضي القضاة بهاء الدين بن الزكي الشافعي ، والشيخ تاج الدين الفزاري شيخ الشافعية ، والشيخ زين الدين بن المرحل ، وزين الدين بن المنجى الحنبلي ، وكان درسا هائلا ، وجلس الشيخ تقى الدين أيضا يوم الجمعة عاشر صفر في الجامع الأموي بعد الصلاة على منبر هيء له لتفسير القرآن ، فابتدأ من أوله ، فكان يجتمع عنده خلق كثير والجم الغفير ، واستمر في ذلك مدة سنين متطاولة على هذا المنوال ” .
انتهى من ” عقد الجمان : عصر سلاطين المماليك ” ( 2 / 330 – 331 ) .
وقال رحمه الله تعالى عمن توفي في سنة ( 694 هـ ) :
” الشيخ الإمام العلامة الخطيب المدرس المفتي القاضي شرف الدين أحمد ابن الشيخ جمال الدين أحمد بن نعمة بن أحمد بن جعفر بن حسين بن حماد المقدسي الشافعي .
ولد سنة ثنتين وعشرين وستمائة ، وتوفى يوم الأحد السابع عشر من رمضان منها ، ودفن بمقابر باب كيسان عند والده وأخيه ، سمع الكثير ، وكتب حسنا ، وصنف فأجاد وأفاد ، وكان مدرس الغزالية ودار الحديث النورية مع الخطابة ، ودرس في وقت بالشامية البرانية ، وأذن لجماعة من الفضلاء في الإفتاء منهم الشيخ الإمام أبو العباس ابن تيمية ، وكان يفتخر بذلك ويقول: أنا أذنت لابن تيمية في الإفتاء ” .
انتهى من “عقد الجمان : عصر سلاطين المماليك” (3 / 185) .
وقال العيني رحمه الله تعالى في حوادث (699 هـ) :
” واجتمع أعيان البلد والشيخ تقي الدين بن تيمية ، واتفقوا على المسير إليه – أي إلى قائد المغول قازان لما قدم بجيشه الشام – لتلقيه وأخذ الأمان منه لأهل دمشق ، فتوجهوا يوم الاثنين الثالث من ربيع الآخر ، فاجتمعوا به عند النبك ، وكلمه الشيخ ابن تيمية كلاماً قوياً فيه مصلحة عظيمة عاد نفعها على المسلمين ” .
انتهى من ” عقد الجمان : عصر سلاطين المماليك ” ( 4 / 29 – 30 ) .
الوجه الثاني : مدحه لشيخ الإسلام ابن تيمية ، ومن ذلك أن ابن ناصر الدين الدمشقي رحمه الله تعالى ألف كتابا في الرد على من طعن في شيخ الإسلام ابن تيمية وسمى كتابه :” الرد الوافر على من زعم : بأن من سمّى ابن تيمية ” شيخ الإسلام ” كافر ” .
وقد أثنى الشيخ بدر الدين العيني رحمه الله تعالى على هذا الكتاب ومما قاله :
” ومن الشائع المستفيض أن الشيخ الإمام العالم العلامة تقي الدين ابن تيمية من شُمّ عرانين الأفاضل ، ومن جم براهين الأماثل … وهو الذاب عن الدين طعن الزنادقة والملحدين ، والناقد للمرويات عن النبي سيد المرسلين ، وللمأثورات من الصحابة والتابعين … وقد سارت تصانيفه في الآفاق ، وليس فيها شيء مما يدل على الزيغ والشقاق ، ولم يكن بحثه فيما صدر عنه في مسألة الزيارة والطلاق : إلا عن اجتهاد سائغ بالاتفاق ، والمجتهد في الحالتين مأجور مثاب ، وليس فيه شيء مما يلام أو يعاب ، ولكن حملهم على ذلك حسدهم الظاهر ، وكيدهم الباهر … وهو الإمام الفاضل البارع التقي النقي الوارع الفارس في علمي الحديث والتفسير ، والفقه والأصولين بالتقرير والتحرير ، والسيف الصارم على المبتدعين ، والحبر القائم بأمور الدين ، والأمّار بالمعروف والنهّاء عن المنكر ، ذو همة وشجاعة وإقدام فيما يروع ويزجر ، كثير الذكر والصوم والصلاة والعبادة … ” انتهى من ” الرد الوافر ” ( ص 261 – 262 ) .
الوجه الثالث : اعتنى بدر الدين العيني بالنقل عن ابن تيمية في كتابيه ” البناية شرح الهداية ” وكذا ” عمدة القاري شرح صحيح البخاري ” وهذا يدل على اعترافه بالمكانة العلمية لشيخ الإسلام ابن تيمية .
3- الملا علي القاري رحمه الله تعالى :
دافع الملا علي القاري عن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، ورد التهم الموجهة إليهما ومما جاء في دفاعه ذلك قوله رحمه الله تعالى :
” ومن طالع شرح منازل السائرين – أي مدراج السالكين لابن القيم – ، تبين له أنهما – أي ابن تيمية وابن القيم – كانا من أكابر أهل السنة والجماعة ، ومن أولياء هذه الأمة … ” .
انتهى من” مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ؛ طبعة دار الفكر” ( 8 / 148) ، و ” جمع الوسائل في شرح الشمائل ” ( 1 / 168 ) .
4- المرتضى الزبيدي الحنفي رحمه الله تعالى صاحب ” تاج العروس من جواهر القاموس ” وكتاب ” عقود الجواهر المنيفة في أدلة مذهب الإمام أبى حنيفة ” :
كان ينقل رحمه الله تعالى في كتبه عن شيخ الإسلام ابن تيمية ، ووصفه بالعلامة وبشيخ الإسلام في مواضع من كتبه ؛ ومن ذلك قوله :
” والعلامة أبو العباس أحمد بن عبد الحليم الحنبلي المعروف بابن تيمية وذووه ، مُحَدِّثون مشهورون ” انتهى من ” تاج العروس ” ( 31 / 351 ) .
4- العلامة ابن عابدين رحمه الله تعالى .
ففي حاشيته الشهيرة ” رد المحتار على الدر المختار ” ذكر ابن تيمية رحمه الله تعالى في عدة مواضع واصفا إياه بالحافظ ، وفي أحدها بشيخ الإسلام حيث قال :
” ورأيت في كتاب الصارم المسلول لشيخ الإسلام ابن تيمية الحنبلي ما نصه : … ” انتهى من ” رد المحتار على الدر المختار ” ؛ طبعة دار عالم الكتب ( 6 / 345 ) .
ثم نقل عنه قولا نسبه للحنفية ، فعلق عليه ابن عابدين رحمه الله تعالى بقوله : ” لم أر من صرح به عندنا ، لكنه نقله عن مذهبنا ، وهو – أي ابن تيمية – ثبت ؛ فيقبل ” .
انتهى من ” رد المحتار على الدر المختار ” ( 6 / 346 ) .
وهذا التصرف من العلامة ابن عابدين غاية في الدلالة على اعترافه بعلم وفضل شيخ الإسلام ابن تيمية ؛ حيث اعتمد عليه في تقرير رأي الحنفية في المسألة ، ووصفه بأنه : ثبت .
هذا ما وقفنا عليه في هذا المقام ، ومن فتّش أكثر قد يجد أكثر .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android