0 / 0
48,43215/03/2015

حقيقة الخوارج ، وهل يصبح المسلم خارجيا بمجرد وصفه لفعل ما بأنه من الشرك ؟

السؤال: 224823

هناك جماعات صوفية حيث أعيش ، وهم بعيدون عن الإسلام كل البعد ، فتراهم يصلون إلى القبور ويطلبون منها الشفاعة وعندما تُعرض عليهم الأدلة من القرآن والسنة على بطلان صنيعهم وأنه شرك وأنه مما أعتاد عليه وثنيو العرب في الجاهلية ، سارعوا إلى حديث في صحيح البخاري يرويه عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال في الخوارج أنهم شر خلق الله ، وأنهم يأخذون آيات القرآن التي نزلت في الكافرين فيسقطونها على المؤمنين. ومن هنا ساغ للصوفية أن يصفوا كل من خالفهم أو تحدث عنهم بالخوارج . فهل بالإمكان إلقاء بعض الضوء على هذه المسألة والسياق الذي ورد فيه هذا الحديث ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
قول عبد الله بن عمر رضي الله عنه في الخوارج ذكره البخاري من دون سند ، وهو كالآتي:
” وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَاهُمْ شِرَارَ خَلْقِ اللَّهِ ، وَقَالَ : إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الكُفَّارِ ، فَجَعَلُوهَا عَلَى المُؤْمِنِينَ ” انتهى من ” فتح الباري ” ( 12 / 282 ) . .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :
” وصله الطبري في مسند علي من تهذيب الآثار من طريق بكير بن عبد الله بن الأشج أنه سأل نافعا كيف كان رأي ابن عمر في الحرورية – وهو أحد أسماء الخوارج – ؟ قال : ( كان يراهم شرار خلق الله ، انطلقوا إلى آيات الكفار فجعلوها في المؤمنين ) . قلت : وسنده صحيح ” .
انتهى من ” فتح الباري ” ( 12 / 286 ) .

ثانيا :
قول ابن عمر رضي الله عنه هذا ، سببه أمران :
الأمر الأول : أن الخوارج كانوا أناساً جهلة اعتدوا على نصوص الشرع بأهوائهم فتأولوا بعضها ، وأبطلوا بعضها الآخر ، فكان أن ابتدعوا قولاً في الدين خرجوا به عن إجماع وجماعة المسلمين ، واتبعوا سبيلاً غير سبيل الصحابة والتابعين ، فأصل قضيتهم وبلائهم في القرآن : أنهم تأولوه على غير تأويله ، ثم كفروا المسلمين بما ليس مكفراً ، واستحلوا دماءهم بذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” .. والمقصود : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إني تارك فيكم ثقلين : كتاب الله ) ، فحض على كتاب الله ثم قال : ( وعترتي ، أهل بيتي ؛ أذكركم الله في أهل بيتي ، ثلاثاً ) ؛ فوصى المسلمين بهم ، لم يجعلهم أئمة يرجع المسلمون إليهم ، فانتحلت الخوارج كتاب الله ، وانتحلت الشيعة أهل البيت ، وكلاهما غير متبع لما انتحله .
فإن الخوارج خالفوا السنة التي أمر القرآن باتباعها ، وكفروا المؤمنين الذين أمر القرآن بموالاتهم . ولهذا تأول سعد بن أبي وقاص فيهم هذه الآية ( وما يضل به إلا الفاسقين * الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض ) ، وصاروا يتتبعون المتشابه من القرآن فيتأولونه على غير تأويله ، من غير معرفة منهم بمعناه ، ولا رسوخ في العلم ، ولا اتباع للسنة ، ولا مراجعة لجماعة المسلمين الذين يفهمون القرآن .
وأما مخالفة الشيعة لأهل البيت فكثيرة جداً قد بسطت في مواضع . ” .
انتهى من ” مجموع الفتاوى ” ( 7 / 481 – 482 ) .
الأمر الثاني : أن هؤلاء الخوارج يتصفون بقوة النفس والجرأة والجلد الذي يغري الناظر إليهم ، ويعجب منه ، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصفهم : ( يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ ) رواه البخاري ( 3610 ) ، ومسلم ( 1064 ) .
إلا أن قوة النفس هذه : قد استعملوها في الظلم والاعتداء على دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم ، بناء على أصلهم الباطل في تكفير المسلمين بمجرد الذنوب ، واستحلوا منهم مالم يستحلوه من الكفار .
وهذه صفات الخوارج في جميع الأمكنة والعصور .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى :
” وقصدوا – أي الخوارج – بلاد العراق وخراسان ، فتفرقوا فيها بأبدانهم وأديانهم ومذاهبهم ومسالكهم المختلفة المنتشرة ، التي لا تنضبط ولا تنحصر؛ لأنها مفرعة على الجهل ، وقوة النفوس ، والاعتقاد الفاسد ” انتهى من ” البداية والنهاية ” ( 11 / 667 – 668 ) .

ثالثاً :
قول ابن عمر رضي الله عنه هذا وأحاديث ذم الخوارج لم يفهم منها أحد من أهل العلم أنه لا يجوز تكفير من يستحق التكفير ، ولا أن كل تكفير يصبح به المسلم خارجياً .
فالتكفير حكم من أحكام الله تعالى ، فقد حكم القرآن والسنة على بعض الأقوال والأفعال أنها كفر وشرك ، وتكفير من يستحق التكفير هو سبيل المسلمين ، وها هي كتب الفقه في جميع المذاهب تذكر عقوبة المرتد وهي القتل ، وتذكر في ” باب المرتد ” بعض الأقوال والأفعال التي إذا فعلها المسلم : فإنه يكفر ويخرج من الإسلام .
لكن الفرق بين أهل السنة وبين الخوارج في هذه المسألة في أمور مهمة :
1- أن الخوارج يكفرون المسلم بمجرد فعله للذنوب ، أو بما ليس بمكفر ، بل وبما ليس بذنب أصلا !! أما أهل السنة والجماعة فلا يكفرون بمجرد المعاصي والذنوب ، بل عقيدتهم أن مرتكب الكبيرة لا يكفر ، لكنه ينقص إيمانه بقدر معاصيه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” ومن أصول أهل السنة : أن الدين والإيمان قول وعمل : قول القلب واللسان ، وعمل القلب واللسان والجوارح ، وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية .
وهم مع ذلك لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر ، كما يفعله الخوارج ؛ بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي ، كما قال سبحانه وتعالى في آية القصاص : ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ) وقال : ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” ( 3 / 151 ) .
2- أن أهل السنة لا يحكمون على فعل أو قول بأنه كفر إلا بدليل واضح وصريح من الكتاب والسنة .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
” فالواجِب قبل الحكم بالتَّكفير أن ينظر في أمرين : الأمر الأول : دلالة الكتاب والسُّنَّة على أن هذا مُكَفِّر ؛ لئلاَّ يُفترى على الله الكذب .
الثاني: انطباق الحُكم على الشخص المُعَيَّن ؛ بحيث تتم شروط التكفير في حَقِّه ، وتنتفي الموانع ” انتهى من ” مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين ” ( 2/ 134 ) .
3- يفرق أهل السنة بين حكم الفعل الكفري ، والقول الكفري ، وبين حكم فاعله وقائله ، فقد يقوم الشخص بعمل كفري ، لكنه لا يكفر؛ لوجود مانع يمنع من تكفيره ، لأن المسلم الذي يقول أو يفعل ما حكم الشرع بأنه كفر ، قد يكون معذوراً بالجهل ، أو الإكراه ، أو عدم التعمد أو التأويل ، فالتكفير لا يطلق على شخص معين إلا إذا توفرت شروطه ، وانعدمت موانعه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” المقالة التي هي كفر بالكتاب والسنة والإجماع = يقال هي كفر ، قولاً يطلق ، كما دل على ذلك الدلائل الشرعية ؛ فإن ” الإيمان ” من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله ؛ ليس ذلك مما يحكم فيه الناس بظنونهم وأهوائهم .
ولا يجب أن يحكم في كل شخص قال ذلك ، بأنه كافر ، حتى يثبت في حقه شروط التكفير وتنتفي موانعه ، مثل من قال : إن الخمر أو الربا حلال ؛ لقرب عهده بالإسلام ؛ أو لنشوئه في بادية بعيدة ، أو سمع كلاما أنكره ولم يعتقد أنه من القرآن ، ولا أنه من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما كان بعض السلف ينكر أشياء حتى يثبت عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها ، وكما كان الصحابة يشكون في أشياء ، مثل رؤية الله وغير ذلك ، حتى يسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومثل الذي قال: إذا أنا مت فاسحقوني وذروني في اليمِّ ؛ لعلي أضل عن الله ، ونحو ذلك ؛ فإن هؤلاء لا يكفرون حتى تقوم عليهم الحجة بالرسالة ، كما قال الله تعالى : ( لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) وقد عفى الله لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان.. ” .
انتهى من ” مجموع الفتاوى ” ( 35 / 165 – 166 ) .
ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم : ( 85102 ) حول ضوابط التكفير .

رابعاً :
ما زالت العادة معروفةً عند أهل العلم من الصحابة ، فمن بعدهم ، أنهم يستدلون بالنصوص والآثار الواردة أصالة في المشركين ، على من فعل مثل أفعالهم من المسلمين .
ومن أظهر الدلائل على ذلك :
حديث أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ مَرَّ بِشَجَرَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهَا : ذَاتُ أَنْوَاطٍ ، يُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ ؟
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( سُبْحَانَ اللهِ ؛ هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ؛ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ) .
رواه أحمد (21900) ، والترمذي (2180) ، وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وصححه الألباني .

ولأجل ذلك ورد التحذير من مشابهة المشركين ، واتباع سبيل من قبلنا : اليهود والنصارى ، وفارس والروم ؛ بل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك كائن في أمته لا محالة .
قال الإمام الطبري رحمه الله ، في شرح أثر موقوف على حذيفة رضي الله عنه في ذلك :
” وإنما أراد حذيفة بقوله : ( لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة ) أن أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم سيتبعون آثار من قبلهم من الأمم حذو القذة بالقذة ، وذلك كما يقدر باري السهام الريش التي يركبها عليها حتى يكون بعضها مساويا بعضا ، متحاذيات غير مختلفات بالاعوجاج ، فكذلك أنتم أيتها الأمة ، في مشابهتكم من قبلكم من الأمم فيما عملوا به في أديانهم ، وأحدثوا فيها من الأحداث ، وابتدعوا فيها من البدع والضلالات ، تسلكون سبيلهم ، وتستنون في ذلك سنتهم ” انتهى من ” تهذيب الآثار” (7/97ـ الشاملة) .

وفي صحيح البخاري (4425) : عَنْ أَبِي بَكْرَةَ ، قَالَ : ” لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ الجَمَلِ ، بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ ، قَالَ : لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ ، قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى ، قَالَ : ( لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً ) ” .
فانظر ، كيف أن أبا بكرة رضي الله عنه ، استدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، على عدم اتباعه لأصحاب الجمل ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك أصالة في فارس ، وهم كفار .

وقد روى المروزي في السنة (65) عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: ” كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ فَذَكَرُوا ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) [المائدة: 44] فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ : إِنَّمَا هَذَا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ : نِعْمَ الْأُخْوَةُ لَكُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنْ كَانَ لَكُمُ الْحُلْوُ وَلَهُمُ الْمُرُّ ، كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى تُحْذَى السُّنَّةُ بِالسُّنَّةِ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ !! ” .
ورواه أيضا : الطبري في تفسيره (12027) والحاكم في ” المستدرك “(3218) .

والحاصل : أن كل من التزم بهذه الضوابط الشرعية ، فهو بعيد من الخوارج ومذهبهم ، بُعْدَ طريقِ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، عن سبيل أهل البدع والضلالة .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android