0 / 0
42,31915/06/2015

هل رؤية الهلال نهارا يعتد بها في دخول الشهر أو خروجه ؟

السؤال: 207382

قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( لا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه , فإن غم عليكم فاقدروا له ) ، ولكن لم يحدد وقت الرؤية ، قد نفهم أن في زمانه صلى الله عليه وسلم تحري الهلال كان بعد غروب الشمس ؛ لأنه الحل الوحيد وذاك مفهوم . ولكن اليوم – وبالوسائل الحديثة – ربما ببعض ثوان من ولادة الهلال يمكن رؤيته ، وهذا ما حدث في باريس ، فلقد تم تصوير الهلال صباح يوم الاثنين 29 شعبان ، وذلك بسهولة
http://legault.perso.sfr.fr/new_moon_2013july8.html
زيادة على هذا تم تصويره بقارة أمريكا ، على الساعة 18:8 بالتوقيت المحلي
http://www.makkahcalendar.org/en/photoGallery.php
السؤال هو : على ماذا يستند اليوم فقهاء العصر لإبقاء تحري الهلال ولا بد بعد الغروب وليس قبله ، مع العلم بأن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقيد الرؤية بوقت الغروب ؟

ملخص الجواب

وحاصل ما سبق : أن الرؤية التي يُعتد بها شرعاً ، ويترتب عليها الصوم أو الفطر : هي رؤية الهلال بعد غروب الشمس ، وأما رؤيته في النهار ، فلا يترتب عليها شيءٌ من الأحكام . والله أعلم .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً :
جعل الله القمر آية الليل ، فبه يكون سلطانه وظهوره ، قال تعالى : ( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا ).
قال ابن كثير : ” فجَعَلَ لِلَّيْلِ آيَةً ، أَيْ : عَلَامَةً يُعْرَفُ بِهَا وَهِيَ الظَّلَامُ وَظُهُورُ الْقَمَرِ فِيهِ ، وَلِلنَّهَارِ عَلَامَةً ، وَهِيَ النُّورُ وَظُهُورُ الشَّمْسِ النَّيِّرَةِ فِيهِ ، وَفَاوَتَ بَيْنَ ضِيَاءِ الْقَمَرِ وَبُرْهَانِ الشَّمْسِ لِيُعْرَفَ هَذَا مِنْ هَذَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ) ” .
انتهى من “تفسير ابن كثير” (5/50).

ولذلك ، فكل الأحكام المتعلقة بالقمر إنما تثبت برؤيته ليلاً لا نهاراً .
قال أبو الحسنات اللكنوي : ” فدل ذلك على أن القمر إنما هو آية الليل لا آية النهار ، فلا عبرة برؤيته بالنهار، وأن كونه مواقيت للناس والحج والصيام وغيرها ، وعلم عدد السنين والحساب وغيرها إنما هو إذا طلع في الليلة ، لا في غيرها “.
انتهى من “الفلك الدوار في رؤية الهلال بالنهار” (ص: 18).

ولذلك صرح الفقهاء بأن صلاة الخسوف لا تُصلى لو ظهر القمر مخسوفاً في النهار؛ لذهاب سلطانه .
قال النووي: ” وَلَوْ بَدَأَ خُسُوفُهُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ : لَمْ يُصَلِّ ، بِلَا خِلَافٍ [يعني : في المذهب] ” انتهى من “المجموع شرح المهذب” (5/54).

ثانياً :
ذهب عامة العلماء – وهو المعتمد في المذاهب الأربعة – إلى أن رؤية الهلال نهاراً لا يترتب عليها شيء من الأحكام ، فلو رآه الصائم في نهار الثلاثين من رمضان ، فإنه يستمر في صومه ولا يفطر ، ولو رآه المفطر في نهار الثلاثين من شعبان ، فلا يلزمه الإمساك أو القضاء.
فالرؤية النهارية لا عبرة بها ، بل العبرة برؤية الهلال بعد غروب الشمس ، فقط .
وفي “مصنف ابن أبي شيبة” (3/67) بسند صحيح عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، قَالَ : ” أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ وَنَحْنُ بِخَانقِينَ ؛ أَنَّ الأَهِلَّةَ بَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ ، فَإِذَا رَأَيْتُمَ الْهِلاَلَ نَهَارًا فَلاَ تُفْطِرُوا ، حَتَّى يَشْهَدَ رَجُلاَنِ مُسْلِمَانِ أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ بِالأَمْسِ”. انتهى
وروى الْبَيْهَقِيُّ بسند صحيح عن سالم بن عبد الله بن عُمَرَ: ” أَنَّ نَاسًا رَأَوْا هِلَالَ الْفِطْرِ نَهَارًا ، فَأَتَمَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا صِيَامَهُ إلَى اللَّيْلِ ، وَقَالَ: “لاَ ، حَتَّى يُرَى مِنْ حَيْثُ يُرَى بِاللَّيْلِ” انتهى من “سنن البيهقي” (2/435).
وفي “الفتاوى الهندية” (1/197) : “وَإِذَا رَأَوْا الْهِلَالَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ : لَا يُصَامُ بِهِ وَلَا يُفْطَرُ”. انتهى
وقال أبو إسحاق الشيرازي : ” لا يتعلق الصوم والفطر إلا بما نراه بعد الغروب “.
انتهى من “المهذب” (3/33).
وقال شمس الدين الرملي : “وَأَمَّا إذَا رُئِيَ يَوْمَ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ وَلَمْ يُرَ لَيْلًا : فَلَا قَائِلَ بِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى رُؤْيَتِهِ أَثَرُهَا ، فَبَانَ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِرُؤْيَتِهِ نَهَارًا” انتهى من “فتاوى الرملي” (2/78) .
وفي “كشاف القناع” (2/303) : ” لَا أَثَرَ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ نَهَارًا، وَإِنَّمَا يُعْتَدُّ بِالرُّؤْيَةِ بَعْدَ الْغُرُوبِ” . انتهى
وقال اللكنوي : ” وقد صرحت أئمة المذاهب الأربعة : بأن الصحيح أنه لا عبرة بروية الهلال نهاراً ، وإنما المعتبر برويته ليلاً” انتهى من “الفلك الدوار” (ص: 19).

والأحاديث التي علَّقت الصوم والفطر على رؤية الهلال إنما يراد بها رؤيته ليلاً لا نهاراً .
قال صديق حسن خان : ” إن الرؤية التي اعتبرها الشارع في قوله: ( صوموا لرؤيته ) هي الرؤية الليلية ، لا الرؤية النهارية فليست بمعتبرة ، سواء كانت قبل الزوال أو بعده، ومن زعم خلاف هذا؛ فهو عن معرفة المقاصد الشرعية بمراحل”.انتهى من “الروضة الندية” (2/11).

وقال أبو الحسنات اللكنوي : ” ومنهم من زعم أن رؤية الهلال مطلقاً موجب للإفطار ؛ لحديث : ( أفطروا لرؤيته ) من دون فرق بين الليل والنهار ، وغفلوا عن أن المراد في الأحاديث الرؤية المعتادة ، وهي الليلة لا النهارية ” انتهى من “الفلك الدوار” (ص: 9).

وقال الشيخ ابن عثيمين : ” دخول الشهر لا يكون إلا حيث يرى الهلال بعد غروب الشمس متأخراً عنها” انتهى من “مجموع فتاوى ورسائل العثيمين” (16/301).

ثالثاً :
وقع في كلام كثير من الفقهاء أن الهلال إذا رؤي نهاراً فهو تابع لـ الليلة المستقبلة لا الماضية ، وليس هذا من باب ترتيب أثرٍ على رؤية الهلال نهاراً ؛ لأن مقصودهم من هذا الكلام : الرؤية التي تقع في يوم الثلاثين من شعبان أو رمضان ، فحينئذٍ حكموا بكونها لليلة القادمة ، لأن الشهر قد كمل وتم ببلوغه الثلاثين ، فهو من باب الإخبار بواقع الحال ، لا من ترتيب الحكم على الرؤية النهارية ، ورداً على من يقول بأنه لـ الليلة الماضية كالقاضي أبي يوسف رحمه الله تعالى .
قال الإمام النووي رحمه الله : ” إذا رأوا الهلال بالنهار ، فهو لليلة المستقبلة ، سواء رأوه قبل الزوال أو بعده ، هذا مذهبنا لا خلاف فيه ، وبه قال أبو حنيفة ومالك ومحمد ” .
انتهى من ” المجموع ” (6/279) ، ومثله في “المغني” لابن قدامة (3/173) .
وقال القليوبي : ” وَلَا أَثَرَ لِرُؤْيَتِهِ الْهِلَالَ نَهَارًا ، أَيْ : فَلَا يَكُونُ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ فَيُفْطِرَ، وَلَا لِلْمُسْتَقْبَلِ فَيَثْبُتَ رَمَضَانُ مَثَلًا ، وَمَنْ اعْتَبَرَ أَنَّهُ لِلْمُسْتَقْبلَةِ : صَحِيحٌ فِي رُؤْيَتِهِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ ، لَكِنْ لَا أَثَرَ له ، لِكَمَالِ الْعَدَدِ ، بِخِلَافِهِ يَوْمُ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ ، فَلَا يُغْنِي عَنْ رُؤْيَتِهِ بَعْدَ الْغُرُوبِ لِلْمُسْتَقْبلَةِ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ” انتهى من حاشيته على “كنز الراغبين” (2/65) .
وقال ابن عابدين : ” وَلَيْسَ كَوْنُهُ لِلْمُسْتَقْبَلَةِ ثَابِتًا بِرُؤْيَتِهِ نَهَارًا ؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ عِنْدَهُمَا [أبو حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن] بِرُؤْيَتِهِ نَهَارًا ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِإِكْمَالِ الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ ـ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَالْفَتْحِ ـ إنَّمَا هُوَ فِي رُؤْيَتِهِ يَوْمَ الشَّكِّ ، وَهُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ أَوْ مِنْ رَمَضَانَ.
فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ الْمَذْكُورِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ الشَّهْرِ ، وَرُئِيَ فِيهِ الْهِلَالُ نَهَارًا ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ : ذَلِكَ الْيَوْمُ أَوَّلُ الشَّهْرِ ، وَعِنْدَهُمَا : لَا عِبْرَةَ بِهَذِهِ الرُّؤْيَةِ ، وَيَكُونُ أَوَّلُ الشَّهْرِ يَوْمَ السَّبْتِ ، سَوَاءٌ وُجِدَتْ هَذِهِ الرُّؤْيَةُ ، أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ لَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِينَ ، فَلَمْ تُفِدْ هَذِهِ الرُّؤْيَةُ شَيْئًا .
وَحِينَئِذٍ ؛ فَقَوْلُهُمْ : هُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ ؛ عِنْدَهُمَا : بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ، وَتَصْرِيحٌ بِمُخَالَفَةِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لِلْمَاضِيَةِ، فَلَا مُنَافَاةَ حِينَئِذٍ بَيْنَ قَوْلِهِمْ هُوَ لِلْمُسْتَقْبَلَةِ عِنْدَهُمَا ، وَقَوْلِهِمْ لَا عِبْرَةَ بِرُؤْيَتِهِ نَهَارًا عِنْدَهُمَا ، وَإِنَّمَا كَانَ الْخِلَافُ فِي رُؤْيَتِهِ يَوْمَ الشَّكِّ، وَهُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ؛ لِأَنَّ رُؤْيَتَهُ يَوْمَ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ : لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِيهَا إنَّهُ لِلْمَاضِيَةِ ، لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ الشَّهْرُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ” انتهى من “حاشية ابن عابدين” (2/392).
وقال الشيخ ابن عثيمين معلقا على قول الحجاوي: ” وإن رئي نهاراً فهو لليلة المقبلة”.
قال : ” الضمير يعود على الهلال، والمؤلف لم يرد الحكم بأنه لليلة المقبلة، ولكنه أراد أن ينفي قول من يقول: إنه لليلة الماضية، فإن بعض العلماء يقول: إذا رئي الهلال نهاراً قبل غروب الشمس من هذا اليوم ، فإنه لليلة الماضية، فيلزم الناس الإمساك.
وفَصَّل بعض العلماء بين ما إذا رئي قبل الزوال أو بعده.
والصحيح : أنه ليس لليلة الماضية ” انتهى من “الشرح الممتع” (6/307).

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android