0 / 0

تعاني من مرض جلدي في الوجه دفعها إلى محاولة الانتحار

السؤال: 196020

أنا مريضة بمرض جلدي في وجهي ، وهو تصبغات الشمس ، وأدرس في الكلية ، وطلبت من والدتي أن أقدم اعتذارا عن إكمال هذا الفصل الدراسي إلى حين أن أتعالج ؛ لأن وجهي بهذا الشكل : أنفي أبيض ، وخدي الأيمن أسود ، وخدي الأيسر أفتح من الأيمن بقليل ، سبب لي حالة نفسية لا يعلم بها إلا الله عز وجل ، فرفضت والدتي رفضا قاطعا ، وأخي الأكبر بما أنه هو المسؤول عني بعد وفاة والدي رحمه الله رفض هو أيضا ، مع العلم أني حاولت الانتحار عدة مرات بسبب هذا الموضوع ، وأهلي لم يدروا إلا في مرة واحدة كانت عندما حاولت قطع وريدي أمام والدتي ، ولكنها ما زالت مصرة على عدم اعتذاري عن هذا الفصل ، مع العلم أني أبكي معظم الوقت ، وصرت عصبية ، وأدعو الله بالشفاء العاجل لي ، وأيضا الطلبة والمدرسين في الكلية لا يساعدوني كثيرا ، فنظراتهم تقول لي إني قبيحة ، وتصرفاتهم تدل على ذلك ، هذا غير الكلام الجارح الذي يقولونه خلفي أو أمامي أحيانا ، لم أعد أتحمل ، أفكر بالانتحار أحيانا كثيرة ، كلما أتوب أرجع وانتحر ولا يحصل معي شيء ، لا أعلم هل لأن الله يحبني ، أم لأنه غاضب علي ويريد تعذيبي ؟، أحيانا أفكر بأفكار سيئة ، أن أكره الله – أستغفر الله – ، أو أن الله لا يحبني مع أن نيتي طيبة وأحب كل الناس .

ساعدني فإني لا أعلم ماذا أفعل ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

يعيش كثير من الناس في هذه الدنيا بتصورات خاطئة ، يتوهمون بسببها أن ما هم عليه من حال الصحة والعافية ، أو الغنى والرفاه ، أو الأمن والأمان ، كلها أحوال دائمة لا تتغير ولا تتبدل ، وهم يشاهدون كل اليوم الأمراض والأوجاع والأهوال التي تصيب البشر من حولهم ، أو في بلاد قريبة إليهم ، ويحسبون أنهم في مأمن من ذلك ، أو أن الله سبحانه وتعالى خصهم بالحفظ والصيانة دون سائر الناس !!
وبعضهم يبقى في دائرة الأمل ، وربما الأماني والغرور ؛ حتى يفجأه من البلاء ما لم يكن في الحسبان ، فلا يملك حينها حيلة يدفع عنه ما هجم عليه من هم وغم .
إن أهم ما يجب على كل منا أن يوطن نفسه عليه – كي يتمكن من تجاوز مصائب الدنيا – أن يكون في ترقب دائم لأحواله ، وتوقع لكل نقص وابتلاء ، بل وانتظار لما يصيبه من حوادث الزمان ، فمن المحال دوام الحال ، ومن أخطر الأوهام التي يعيش بها الإنسان أن يظن أنه سيحيا ويموت بعيدا عن أي ابتلاء ، فقد ابتلي الأنبياء أعظم البلاء ، أصابتهم الأمراض والأدواء بجميع صنوفها وأشكالها ، منهم من سجن ، ومنهم من قتل ، ومنهم من طرده قومه ، وآخرون عذبوا وأوذوا ، وهذا ما أصاب العلماء والصالحين من بعدهم ، وهو ما نشاهده اليوم في كثير من البلدان الإسلامية حولنا ، يصبح الناس فيها ويمسون بأنواع من البلاء لا يعلم بها إلا الله عز وجل .
كل ذلك ينبغي أن يدفعك إلى التساؤل المنطقي الطبيعي : هل أنت أكرم على الله من هؤلاء جميعا ! أم هل أخذت عهدا من الله أن يقيك من أي مصاب دون سائر الناس ! أم كل هؤلاء الناس كانوا من الفسقة فاستحقوا ما أصابهم ! أما أنت فقلبك سليم لا تستحقين ما ابتلاك الله به ! والله عز وجل يقول : ( فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ . وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ) الفجر/15-16.
وإذا أردت أن نذكرك بأن ما أصابك ، مهما كان شديدا ، فهو يسير في جنب ما يصاب به غيرك من الصابرين المحتسبين ، فإننا ندعوك أن تنظري في حال الأسيرات ، والمظلومات ، والمضطهدات في السجون ، ومن أقعده المرض ، وبرح به البلاء حتى لم يعودوا يقدرون على حركة أو منطق وكلام ، فأين أنت من هؤلاء ؟!
نحن نقدر ما تقولين ، ونألم لما أصابك ، وأنت فتاة جامعية ، لكننا أيضا نقدر نعم الله عليك وعلى عباده جميعا ؛ ونعلم أنك لو تأدبت بأدب النبي صلى الله عليه وسلم لمن أصابه شيء من البلاء ، لهان عليك ما تجدين :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ ؛ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ) .
رواه مسلم (2963) .
إنك لا تعانين ألما جسديا يقطع عليك أحشاءك لا قدر الله ، ولا يصيبك منه فقر معدم تضطرين معه إلى سؤال الناس ، ولا تتعرضين معه إلى القهر والظلم من شرار الناس ، ومن ترينهم من المعافين حولك فإنما ترين منهم الوجه الظاهر ، ولو فتشت عن بواطن أحوالهم لرأيت فيهم وفي بيوتهم أقدارا من البلاء لم تخطر لك على بال ، ولو عرفت بشيء منها ، لحمدت الله على ما أنت فيه من العافية :
أَتَجزَعُ مِمّا أَحدَثَ الدَهرُ بِالفَتى وَأَيُّ كَريمٍ لَم تُصِبهُ القَوارِعُ
فالسعيد من حمد الله تعالى على ما هو عليه ، ورضي بربه ، ورضي عنه ، وتقبل منه بقلب مطمئن ، واثق بما عند الله سبحانه من خلف وأجر عظيم ، وأن هذه الدنيا دار ممر وليست دار مقر ، وما هذه الابتلاءات إلا تذكرة لنا كي لا نحب العاجلة وننسى الآخرة ، فهي في حقيقتها رحمة مهداة من الله سبحانه وتعالى ، كي لا نطغى فنكفر ، ولا ننسى فنقصر ، فنبقى على ذكر دائم بسفرنا فنتزود من الصالحات ، ونستكثر من التقوى ، فإن خير الزاد التقوى .
نحن بحاجة إلى القوة القلبية التي نواجه بها مصابنا ، ولا نحقق ذلك إلا بالتفكر في المعاني السابقة ، وبتذكر ما نحن فيه من نعم أخرى حرمها كثير من الناس ، وفوق ذلك كله أن يعيش كل منا حياة عمل وإنجاز للوصول إلى الأهداف المرسومة لجميع المسلمين ، المتمثلة بإقامة العبودية لله عز وجل ، ونشر القيم والفضيلة ، وجلب السعادة لجميع البشر ، فحين نستغرق في هذا الهم ، ونحيا ونموت لإنجازه وتحقيقه ، فحينها فقط ستهون علينا هذه العوائق أثناء الطريق ، وسندرك أن كل ما دون النار ، وغضب الجبار : محتمل ، ومقدور عليه .
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَوَدُّ أَهْلُ العَافِيَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ ، حِينَ يُعْطَى أَهْلُ البَلاَءِ الثَّوَابَ ، لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالمَقَارِيضِ ) رواه الترمذي (رقم/2402) وقال : حديث غريب . وحسنه الألباني في ” صحيح الترمذي “.

فأقبلي على دراستك ، ولا ننصحك بتأجيلها بسبب مرضك ، فلو أن كل مصاب قطع مسيرته نحو النجاح والإنجاز ، لما تحقق له ما يصبو إليه ، ولانقطع عن وصول القمم جميع البشر ، وإننا نشير عليك بأن تلبسي النقاب ، فهو طاعة لله وقربة ، ثم هو يعفيك من شعورك بالنظر الدائم إليك ، ولو كان عندك كلية أخرى نظيرة لما تدرسين فيها ، وأمكن أن تحولي إليها دراستك ، وتبدئي في وسط جديد ، فهو خير .

واعلمي أن الله عز وجل قد أكرمك بإنقاذك من الموت ومحاولتك الانتحار ، فقد عافاك من ذلك الإثم العظيم ، وفتح لك باب التوبة من تلك الوساوس الخاطئة ، وذلك من علامات الخير والحمد لله ، يجب عليك شكرها بالعمل الصالح ، والتوبة النصوح ، والاستغفار ، من جميع ما بدر منك من محاولات الانتحار ، فحين تستذكرين عظيم إثم من يقع في هذا الذنب الكبير علمت جليل نعمة الله عليك ، فالحياة فرصة نادرة واحدة لا تتكرر ، والأمة تحتاج إنجازك وإبداعك ، فأنت لبنة في بناء أمتنا العظيم ، فلا تظني في نفسك الضعف والوهن عن تقديم الخير وإن صغر .
عن نافع قال : ” كان ابن عمر إذا جلس مجلسا لم يقم حتى يدعو لجلسائه بهذه الكلمات ، وزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهن لجلسائه : ( اللهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تُحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ ، وَمَنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ ، وَمَنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا ، اللهُمَّ أَمْتِعْنَا بِأَسْمَاعِنَا ، وَأَبْصَارِنَا ، وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا ، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا ، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمْنَا ، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا ، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا ، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْثَرَ هَمِّنَا ، وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا ، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا ) رواه النسائي في ” السنن الكبرى ” (9/154)، والترمذي في “السنن ” (رقم/3502) وقال : حسن غريب . وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي “.
وعن عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : ” صَلَّى بِنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ صَلَاةً ، فَأَوْجَزَ فِيهَا ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ : لَقَدْ خَفَّفْتَ أَوْ أَوْجَزْتَ الصَّلَاةَ ، فَقَالَ : أَمَّا عَلَى ذَلِكَ ، فَقَدْ دَعَوْتُ فِيهَا بِدَعَوَاتٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا قَامَ تَبِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ هُوَ أُبَيٌّ غَيْرَ أَنَّهُ كَنَى عَنْ نَفْسِهِ ، فَسَأَلَهُ عَنِ الدُّعَاءِ ، ثُمَّ جَاءَ فَأَخْبَرَ بِهِ الْقَوْمَ : ( اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي ، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي ، اللَّهُمَّ وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ ، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى ، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ ) رواه النسائي في ” المجتبى ” (رقم/1305) وصححه الألباني في ” صحيح النسائي “.
وللمزيد ينظر الفتوى رقم : (21677) ، (111938) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android