0 / 0
109,92402/04/2013

شرح حديث : ( أَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ )

السؤال: 194615

كأني لا أفهم صلاة وصيام داود عليه السلام ؛ ففي صحيح البخاري أنه كان ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه ، وينام سدسه، فما هو ترتيب أفعاله هذه ؟
كما أرجو منكم الجمع بين هذا الحديث ، والحديث الذي فيه فضل الثلث الأخير من الليل ؛ لأن الظاهر من الأحاديث التي وقفت عليها أن أحب نوم وصلاة إلى الله تعالى هي نوم النصف الأول مع السدس الذي يليه ، ثم قيام الثلث الأخير إلى الفجر.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
روى البخاري (1131) ومسلم (1159) عن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضى الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ : ( أَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ ، وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ ، وَيَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا ) .
ومعنى الحديث : أن أفضل صلاة الليل صلاة نبي الله داود عليه السلام ؛ حيث كان – أولا – ينام نصف الليل ، فمَن أراد أن يطبق ذلك اليوم فليحسب من بعد صلاة العشاء إلى الفجر ، فينام نصف ذلك الوقت .
قال الشيخ عبد المحسن العباد :
” ينام نصف الليل يعني: بعد صلاة العشاء ، فيحسب من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، فنصفه يكون نوماً ، ثم بعد ذلك يكون ثلثه ” انتهى .
“شرح سنن أبي داود” (13 /287) – ترقيم الشاملة .
ثم كان عليه السلام يقوم بعد ذلك للصلاة ، فيصلي ثلث الليل ، ثم ينام سدسه إلى الفجر .
والحكمة في ذلك : لئلا تصيب النفس السآمة ، وليقوم لصلاة الفجر وما يتلوها من أذكار الصباح نشيطا غير كسلان ، وليبدأ عمله اليومي كذلك ، فيستطيع أن يقوم بتأدية ما عليه من الحقوق تجاه أهله وولده والناس وتجاه عمله الذي يزاوله ، فلا يذهب إلى العمل والنوم يغالبه ، إلى غير ذلك من الفوائد والمصالح .
قال الحافظ رحمه الله :
” قَالَ الْمُهَلَّب : كَانَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام يُجِمّ نَفْسه بِنَوْمٍ أَوَّل اللَّيْل ، ثُمَّ يَقُوم فِي الْوَقْت الَّذِي يُنَادِي اللَّه فِيهِ : هَلْ مِنْ سَائِل فَأُعْطِيَهُ سُؤْله , ثُمَّ يَسْتَدِرْك بِالنَّوْمِ مَا يَسْتَرِيح بِهِ مِنْ نَصَب الْقِيَام فِي بَقِيَّة اللَّيْل . وَإِنَّمَا صَارَتْ هَذِهِ الطَّرِيقَة أَحَبّ مِنْ أَجْل الْأَخْذ بِالرِّفْقِ لِلنَّفْسِ الَّتِي يُخْشَى مِنْهَا السَّآمَة , وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” إِنَّ اللَّه لَا يَمَلّ حَتَّى تَمَلُّوا ” وَاَللَّه أَحَبَّ أَنْ يُدِيم فَضْله وَيُوَالِي إِحْسَانه , وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَرْفَق لِأَنَّ النَّوْم بَعْد الْقِيَام يُرِيح الْبَدَن وَيُذْهِب ضَرَر السَّهَر وَدُبُول الْجِسْم بِخِلَافِ السَّهَر إِلَى الصَّبَاح ، وَفِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَة أَيْضًا اِسْتِقْبَال صَلَاة الصُّبْح وَأَذْكَار النَّهَار بِنَشَاطٍ وَإِقْبَال , وَأَنَّهُ أَقْرَب إِلَى عَدَم الرِّيَاء لِأَنَّ مَنْ نَامَ السُّدُس الْأَخِير أَصْبَحَ ظَاهِر اللَّوْن سَلِيم الْقُوَى فَهُوَ أَقْرَب إِلَى أَنْ يُخْفِي عَمَله الْمَاضِي عَلَى مَنْ يَرَاهُ , أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ اِبْن دَقِيق الْعِيد ” انتهى .
وقال ابن القيم رحمه الله :
” وَهَذَا صَرِيح فِي أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ أَحَبّ إِلَى اللَّه لِأَجْلِ هَذَا الْوَصْف , وَهُوَ مَا يَتَخَلَّل الصِّيَام وَالْقِيَام مِنْ الرَّاحَة الَّتِي تجمّ بِهَا نَفْسه , وَيَسْتَعِين بِهَا عَلَى الْقِيَام بِالْحُقُوقِ ” انتهى من “تهذيب سنن أبي داود” (1 /475) .
وقال ابن عثيمين رحمه الله :
” التهجد في الليل من أفضل العبادات وهو أفضل الصلوات بعد الفرائض ، فصلاة الليل أفضل من صلاة النهار ولاسيما في الثلث الأخير منه ، وأفضل تجزئة لليل صلاة داود : كان ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه ، وينام سدسه ، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك أحيانا بل الأغلب عليه ذلك ، وعلى هذا فنقول : أفضل صلاة الليل ما كان بعد النصف إلى أن يبقى سدس الليل ” انتهى .
“فتاوى نور على الدرب” (161 /1) ترقيم الشاملة .

ثانيا :
روى البخاري (1145) ومسلم (758) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِى فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ، مَنْ يَسْأَلُنِى فَأُعْطِيَهُ ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِى فَأَغْفِرَ لَهُ ) .
وروى مسلم (1163) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرْفَعُهُ قَالَ : ( أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ) .
وروى الترمذي (3579) وصححه عن عَمْرُو بْن عَبَسَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ ) وصححه الألباني .

فهذا يدل على أن جوف الليل الآخر أفضل أوقات صلاة الليل والدعاء .

والجمع بين هذه الأحاديث وحديث صلاة نبي الله داود : أن من صلى صلاة داود عليه السلام سيدرك الثلث الأخير ، وقد تقدم في جواب السؤال رقم : (140434) أن الثلث الأخير هو عبارة عن السدسين : الخامس والسادس ، وأن أول هذا الثلث هو السدس الخامس .
فيحصل المقصود كله : إدراك التنزل الإلهي في الثلث الأخير من الليل ، وذلك باستيقاظ السدس الخامس ، وهو نصف هذا الثلث الأخير ؛ ثم النوم بالقدر الذي يصبح به الإنسان نشيطا غير كسلان ، فيصلي الصبح بحضور الذهن والقلب ، ولا يفتر عن أذكار الصباح .
وينظر جواب السؤال رقم : (140434) .

ثالثا :
قول السائل : ” الظاهر من الأحاديث التي وقفت عليها أن أحب نوم وصلاة إلى الله تعالى هي نوم النصف الأول مع السدس الذي يليه ثم قيام الثلث الأخير إلى الفجر ” قول غير صحيح ؛ لما تقدم من أن أفضل الترتيب : نوم النصف ، ثم قيام الثلث ، ثم نوم السدس ، ثم القيام لصلاة الفجر .
ومن قام هذا الثلث أدرك الثلث الأخير المفضل ، ولا يلزم إدراكه كله ، وإدراك نصفه ونوم نصفه أفضل لما تقدم .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” فإن قال قائل : لماذا لا تجعلون الأفضلَ ثُلُث الليلِ الآخرِ؛ لأنَّ ذلك وقت النُّزول الإلهي؟.
فالجواب : أنَّ الذي يقوم ثُلُث الليل بعد نصفه سوف يدرك النُّزول الإلهي؛ لأنه سيدرك النصف الأول مِن الثلث الأخير ، فيحصُل المقصودُ ، والنبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام هو الذي قال : ( أفضلُ الصَّلاة صلاة داود ) .
” انتهى من “الشرح الممتع” (4 /75-76) .
وقد روى البخاري (1133)، ومسلم (742) عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ : ( مَا أَلْفَاهُ السَّحَرُ عِنْدِي إِلاَّ نَائِمًا ) تَعْنِى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم .
قال العيني رحمه الله :
” يعني ما أتى عليه السحر عندي إلا وهو نائم ، فعلى هذا كانت صلاته بالليل وفعله فيه إلى السحر ، ويقال : هذا النوم هو النوم الذي كان داود عليه الصلاة والسلام ينام ، وهو أنه كان ينام أول الليلة ، ثم يقوم في الوقت الذي ينادي فيه الله عز وجل : هل من سائل ؟ ثم يستدرك من النوم ما يستريح به من نصب القيام في الليل ، وهذا هو النوم عند السحر على ما بوب له البخاري ” .
انتهى من “عمدة القاري” (11 /284) .

وقال ابن الأثير رحمه الله :
” أي ما أتَى عليه السَّحَرُ إلا وهو نائم . تَعني بعد صلاة الليل ” .
انتهى من “النهاية” (4 /530) .
وقال ابن الجوزي رحمه الله :
” وكان صلى الله عليه وسلم ينام أول الليل فربما قام نصف الليل أو قبله ، فيصلي ؛ فإذا جاء السحر عاد إلى نومه ، وقد قال : ( أفضل الصلاة صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ) ، وقد قيل إن سبب الصفرة في الوجه سهر آخر الليل ، فإذا نام الإنسان قبل الفجر لم تظهر عليه صفرة في الوجه ولا أثر في السهر ” انتهى من “كشف المشكل من حديث الصحيحين” (ص 1224) .

فتبين بذلك أن غالب أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل ، يوافق صلاة نبي الله داود عليه السلام .
رابعا :
ينبغي التنبه إلى أن الإنسان يحرص على صلاة الليل بالصورة التي تناسب حاله ، وبالقدر الذي يغلب على ظنه أنه يداوم عليه ، فإن الناس تختلف أحوالهم ، فمنهم من ينام مبكرا ليستيقظ مبكرا ، ومنهم من يكون عمله ووظيفته بالليل ، ومنهم من يعمل بالليل والنهار ، فليحرص كل مسلم على صلاة الليل ، بالقدر الذي يمكنه الوفاء به ، والثبات عليه ؛ حتى ولو لم يوافق ما تقدم من الحال الأفضل ، ثم ليكن حرصه على القيام لصلاة الفجر هو المقدم في كل الأحوال .

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android