0 / 0
33,11314/04/2013

يعاني من وساوس الانتحار

السؤال: 191643

رغم أني أحافظ على الصلوات الخمس ، وشعائر الدين كاملة ، إلا أني أعاني من وساوس خطيرة جداً ، إنها وساوس تحثني على الانتحار وقتل نفسي ، وبالرغم من أني سعيد غاية السعادة بهذا الطريق ، طريق الالتزام الذي منّ الله به عليّ ، إلا أن شعوراً يحثني على الانتحار إن صوتاً يتردد بداخلي يقول لي : تخلص من نفسك !! وقد فكرت مراراً بالقفز من على متن القطار ، بل قد بلغ بي الحدّ ذات مرة أن كنت على حافة شاهق ، فسمعت صوتاً يدفعني إلى التقدم ، إلى أن أصبحت على وشك السقوط ، لولا أن أرسل الله إليّ أخي فاجتذبني وصرخ في وجهي موبخاً ، إنني أعلم جيداً عقوبة الانتحار ، لكن لا حيلة لي حيال كل هذا .

فما العمل ، كيف أتخلص من هذه الوساوس ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

اعلم – أخانا السائل – أن الإنسان هو الذي يصنع وساوسه ، وهو الذي يُسمِعُ نفسَه الأصوات التي بداخله ، فهي في الغالب رجع صدى لما تفكر به النفس وتشتغل بتفاصيله ، أو انعكاس لواقع يعيشه ويحيا فيه ، أو ركام من الماضي القاتم الذي لم تتمكن من إخفاء آثاره ومسح أدرانه وتجاوز عقده ومشكلاته .
أما أن تَقنَعَ بأن لا حيلة لك حيال ذلك التفكير ، وأنه أمر خارج عن قدرتك ووسعك ، فذلك أهم جزء من المعضلة ، بل هو واحد من أعمق المهاوي التي يقع فيها البشر عموما في مجال الفكر والعقل والتأمل ، وهو الفرق بين أبينا آدم عليه السلام ، حين اعترف بخطيئته ، وأعلن توبته وإنابته ، ووثق بقدرته على تجاوز محنته ، فقال عليه السلام هو وزوجته : ( قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) الأعراف/23، وفي المقابل كان إبليس لعنه الله يحيل كفره وعناده إلى ربه ، ويتمظهر كأنه المسكين العاجز عن درء ما تعرض له ، فقال مخاطبا الله سبحانه : ( قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ) الأعراف/16.
فالعلاج يبدأ من إدراك قدرتك عليه ، وسهولته إذا تسلحت بالعزم والتصميم والإرادة ، واقتديت بملايين المبتلين بأنواع الابتلاء والمحن ، ولكنهم صمدوا وتجاوزوا محنتهم ، وكانوا سببا لسعادة من حولهم ، وعواملَ بناء ونجاح في بلادهم ومجتمعاتهم ، فلست أقل شأنا منهم ، وليس ابتلاؤك بأعظم منهم ، بل ما هو إلا صوت يدوي في نفسك ، فلتجعل عقلك هو الذي يقودك ، ويحثك على أن تصم آذان قلبك عن سماع هذا الوسواس مهما علا صوته ، والأيام والليالي كفيلة أن تخفت هذا الصوت شيئا فشيئا إلى أن يتلاشى بإذن الله .
وإذا تذكرت معنا حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ) رواه البخاري (5778) ومسلم (109) ، إذا تذكرته أدركت خطورة الأمر ، فما بينك وبين معاينة هذا الوعيد سوى ستار الموت الذي يقع في لحظات ، وفي المقابل ليس بينك وبين وعد الجنان والسعادة الأبدية سوى الستار نفسه ، فلماذا تختار لنفسك العذاب والألم ، ولماذا تحرم نفسك من النعيم المقيم ، يقول عليه الصلاة والسلام : ( الجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ ) رواه البخاري (6488).
وفي جميع الأحوال فإن أنفع علاج وأقوى دواء لجميع الأعراض النفسية المهلكة ، الحكمة التي استفادها الإمام الشافعي رحمه الله من تجربته في الدنيا فكان مما قال : ” نفسك : إن لم تشغلها بالحق ، شغلتك بالباطل “، والحق الذي يمكنك أن تشغل نفسك فيه ينتظر منا ومنك الكثير من التضحيات ، فالدنيا مليئة بأبواب الخير التي يمكن أن تستغرق فيها ، فلا تكاد تسمع إلا صوتها، ولا تلتفت إلا إلى متطلباتها ، فتكون سببا لرفعة منزلتك عند الله سبحانه ، وعونا لك على تجاوز أزمتك النفسية .
كما ننصحك أخيرا بمراجعة الطبيب أو المستشار النفسي ، ولا تتهاون في ذلك ، فكثيرا ما يتمكن الأطباء من التخفيف من حدة الهواجس عبر الأدوية التي تصلح اختلال إفراز هرمونات الجسم ، وقد استفاد الكثيرون من العلاجات على أيدي الأطباء الثقات ، إلى جانب التوجيهات الشرعية والمعنوية السابقة .
نسأل الله تعالى لك الشفاء العاجل .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android