0 / 0
29,71302/04/2013

التوفيق بين النهي عن تخليل الخمر وبين حديث: “نعم الإدام الخل”

السؤال: 191176

جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه : ( نعم الإدام الخل ).
وجاء في حديث أنس رضي الله عنه عن قصة الأيتام الذين ورثوا خمرا ونهى النبي صلى الله عن تخليلها , ونهي عمر رضي الله عنه عن ذلك ما لم تتخلل من تلقاء نفسها ، وأمرهم بشراء الخل من غير المسلمين إن علم أنهم لم يقصدوا تخليلها ، – كما ذكر شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ، ولا يجوز إضافة مواد أخرى لتخليلها ، ومعلوم أن الخل أصله خمر . فإن كان هذا الحال كما هو ظاهر :
١-لا يجوز تخليلها لأنها لا تكون خلا حتى تكون خمرا .
٢- لا يجوز شراؤها حتى من غير المسلمين ، لأنهم يقصدون تخليلها ابتداءا ، ولا يمكنهم تركها تتخلل بنفسها ، لأنها تأخذ وقتا طويلا ، والخمر أغلى ثمنا من الخل .
٣-سمعنا عن طريقة هي أن يضاف إليها مواد محمضة ، قبل أن تصبح خمرا .
فيكف نوفق بين النهي عن تخليل الخمر وبين حديث نعم الإدام الخل .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أخرج مسلم في صحيحه (2051) , والترمذي (1840) , وابن ماجة (3316) , عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نِعْمَ الْأُدُمُ – أَوِ الْإِدَامُ – الْخَلُّ ) .
قال الخطابي في شرح الحديث : ” معنى هذا الكلام الاقتصاد في المأكل ومنع النفس عن ملاذ الأطعمة , كأنه يقول ائتدموا بالخل وما كان في معناه مما تخف مؤنته ولا يعز وجوده , ولا تتأنقوا في المطعم ، فإن تناول الشهوات مفسدة للدين مسقمة للبدن “.
انتهى من ” معالم السنن ” (4 / 254) .

والخل قد يصنع من غير الخمر , جاء في ” الإنصاف ” للمرداوي (1 / 320) ” الخل المباح : أن يصب على العنب أو العصير خل قبل غليانه حتى لا يغلي نص عليه في رواية الجماعة ” انتهى , وفي “مطالب أولي النهى” (1 / 230) ” والخل المباح : أن يصب على العنب أو العصير خل قبل غليانه ، وقبل أن تمضي عليه ثلاثة أيام بلياليهن حتى لا يغلي ، نقله الجماعة عن أحمد ” انتهى.

وقد نص أهل العلم على أن الخل المقصود في الحديث السابق هو الذي لم يتخذ من الخمر , جاء في ” تحفة الأحوذي ” (4 / 399) وأما حديث ” نعم الإدام الخل ” , فالمراد بالخل: الخل الذي لم يتخذ من الخمر جمعا بين الأحاديث ” انتهى.

وإذا كان الخل قد صنع من غير الخمر ، فإنه حلال ، بلا خلاف , وهذا ما نص عليه علماء اللجنة الدائمة حيث قالوا ” إذا كان الخل ليس أصله الخمر فلا إشكال في حله ؛ لأن كل عصير حمض يسمى خلا ” انتهى من ” فتاوى اللجنة الدائمة ” الفتوى رقم : (3429).

وإن تخللت الخمر بنفسها بأن صارت خلا فإنها تصير طاهرة مباحة .
جاء في ” الإنصاف ” للمرداوي (1 / 319) ” الصحيح من المذهب : أن الخمرة إذا انقلبت بنفسها تطهر مطلقا ، نص عليه , وعليه الجمهور , وجزم به كثير منهم ” انتهى.

وأما تخليل الخمر ومعالجتها ، بحيث تصير خلا ، فقد وقع فيه نزاع بين أهل العلم , وقد حكى شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الخلاف بقوله ” أما التخليل ففيه نزاع ، قيل يجوز تخليلها كما يحكى عن أبي حنيفة ، وقيل: لا يجوز ؛ لكن إذا خللت طهرت كما يحكى عن مالك , وقيل يجوز بنقلها من الشمس إلى الظل وكشف الغطاء عنها ونحو ذلك ؛ دون أن يلقى فيها شيء كما هو وجه في مذهب الشافعي وأحمد , وقيل لا يجوز بحال , كما يقوله من يقوله من أصحاب الشافعي وأحمد , وهذا هو الصحيح ؛ فإنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : ” أنه سئل عن خمر ليتامى فأمر بإراقتها ، فقيل له : إنهم فقراء فقال : ( سيغنيهم الله من فضله ) ، فلما أمر بإراقتها ونهى عن تخليلها وجبت طاعته فيما أمر به ونهى عنه ، فيجب أن تراق الخمرة ولا تخلل , هذا مع كونهم كانوا يتامى ومع كون تلك الخمرة كانت متخذة قبل التحريم فلم يكونوا عصاة ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (21 / 483) .
وعليه : فلا يجوز تخليل الخمر لما دل على ذلك من الأحاديث الصحيحة .
واختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه : إن خلل الخمر من يعتقد حلها كأهل الذمة ، أو خللها من يرى جواز تخليلها من المسلمين فحينئذ تصير خلا يباح استعماله .
قال رحمه الله :
” المشهور من المذهب : أنها إِذا خُلِّلَتْ لا تطهُر ، ولو زالت شدَّتُها المسكرة … لأن زوال الإِسكار كان بفعل شيء محرَّم ، فلم يترتَّب عليه أثره .
وقال بعض العلماء : إِنها تطهُر ، وتحلُّ بذلك ، مع كون الفعل حراماً ، وعلّلوا : أنَّ عِلَّة النَّجاسة الإسكار ، والإِسكار قد زال ، فتكون حلالاً .
وقال آخرون : إِنْ خلَّلها مَنْ يعتقدُ حِلَّ الخمر كأهل الكتاب ؛ اليهود والنَّصارى ، حَلَّت ، وصارت طاهرة ، وإِن خلَّلها مَنْ لا تَحِلُّ له فهي حرام نجسة , وهو أقرب الأقوال ، وعلى هذا يكون الخلُّ الآتي من اليهود والنَّصارى حلالاً طاهراً ، لأنهم فعلوا ذلك على وجه يعتقدون حِلَّه “. انتهى من ” الشرح الممتع” (1/433) بتصرف .
وقال أيضاً : ” لكن لو خلَّله من يعتقد حِلَّ التخليل ، من مسلم أو كافر ، فهل يحل؟
الصحيح أنه يحل ؛ لأن هذا انقلب خلاًّ على وجه مباح ، فصار مباحاً ، وعلى هذا فالخل الوارد من بلاد الكفار يكون حلالاً للمسلمين ؛ وإن كان مخللاً بفعل آدمي ، لأنه مخلل بفعل آدمي يعتقد تحليله “. انتهى من ” الشرح الممتع” (10 / 182) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android