0 / 0

إجماع أهل المدينة : هل هو حجة شرعية ؟

السؤال: 179514

سمعت أن الإمام مالك كان يعتبر إجماع أهل المدينة حجة ملزمة ، فهل هذا صحيح ؟
إذا كان كذلك ، فهل يُعتبر حجة ملزمة للأمّة بأجمعها؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
كان الإمام مالك رحمه الله شديد الاعتناء بعمل أهل المدينة ، ويرى أنه حجة في دين الله ، وأنه لا يجوز مخالفة جماعتهم ، كتب إلى الليث بن سعد رحمه الله يقول :
” الناس تبع لأهل المدينة ، إليها كانت الهجرة ، وبها نزل القرآن ، وأحل الحلال ، وحرم الحرام ، إذ رسول الله بين أظهرهم ، يحضرون الوحي والتنزيل ، ويأمرهم فيطيعونه ، ويسن لهم فيتبعونه ، حتى توفاه الله واختار له ما عنده صلوات الله عليه ورحمته وبركاته .
ثم قام من بعده أتبع الناس له من أمته ممن ولي الأمر من بعده فما نزل بهم مما علموا أنفذوه ، وما لم يكن عندهم فيه علم سألوا عنه ، ثم أخذوا بأقوى ما وجدوا في ذلك في اجتهادهم وحداثة عهدهم ، وإن خالفهم مخالف ، أو قال امرؤ غيره أقوى منه وأولى ، ترك قوله وعمل بغيره ، ثم كان التابعون من بعدهم يسلكون تلك السبيل ويتبعون تلك السنن .

فإذا كان الأمر بالمدينة ظاهراً معمولاً به ، لم أر لأحد خلافه ؛ للذي في أيديهم من تلك الوراثة التي لا يجوز لأحد انتحالها ولا ادعاؤها ، ولو ذهب أهل الأمصار يقولون هذا العمل ببلدنا وهذا الذي مضى عليه من مضى منا ، لم يكونوا من ذلك على ثقة ، ولم يكن لهم من ذلك الذي جاز لهم ” انتهى من “ترتيب المدارك” للقاضي عياض (1 /10) .
ثانيا :
مراد الإمام مالك رحمه الله بذلك عمل أهل المدينة الذي يجرى مجرى النقل ، وكذا عملهم القديم الذي كان زمن الصحابة رضي الله عنهم ثم جرى عمل الناس عليه بعدهم ، أما عملهم بعد ذلك العهد ، واختلافهم مع الناس فيما يُدرك بالاستنباط والاجتهاد ، فلا يعتبر عند الإمام مالك حجة لا تجوز مخالفتها ، وإنما غايته أن يكون مرجحا ، وإنما خالف في ذلك من خالف من متأخري المالكية .

قال القاضي عبد الوهاب بن علي المالكي رحمه الله : ” إجماع أهل المدينة نقلا : حجة تحرم مخالفته ، ومن طريق الاجتهاد مختلف في كونه حجة ، والصحيح عندنا أنه يرجح به على غيره ، ولا يحرم الذهاب إلى خلافه ” انتهى من “المعونة على مذهب عالم المدينة” (2/607).
وقال الباجي رحمه الله :
” ذلك أن مالكا إنما عول على أقوال أهل المدينة وجعلها حجة ، في ما طريقه النقل ؛ كمسألة الأذان وترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، ومسألة الصاع ، وترك إخراج الزكاة من الخضراوات ، وغير ذلك من المسائل التي طريقها النقل ، واتصل العمل بها في المدينة على وجه لا يخفى مثله ، ونقل نقلا يحج ويقطع العذر ” انتهى من “إحكام الفصول” (1/486) .
وقال أيضا (1/488) :
” ما أدركوه بالاستنباط والاجتهاد ، فهذا لا فرق فيه بين علماء المدينة وعلماء غيرهم ، في أن المصير منه إلى ما عضده الدليل والترجيح ، ولذلك خالف مالك في مسائل عدة أقوال أهل المدينة .
هذا مذهب مالك في هذه المسألة ، وبه قال محققو أصحابنا ، كأبي بكر الأبهري وغيره ، وقال به أبو بكر وابن القصار وأبو تمام ، وهو الصحيح .
وقد ذهب جماعة ممن ينتحل مذهب مالك ممن لم يمعن النظر في هذا الباب إلى أن إجماع أهل المدينة حجة فيما طريقه الاجتهاد ” انتهى .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله :
” عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الَّذِي يَجْرِي مَجْرَى النَّقْلِ حُجَّةٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ، كَمَا قَالَ مَالِكٌ لِأَبِي يُوسُفَ – لَمَّا سَأَلَهُ عَنْ الصَّاعِ وَالْمُدِّ ، وَأَمَرَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِإِحْضَارِ صِيعَانِهِمْ ، وَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ إسْنَادَهَا عَنْ أَسْلَافِهِمْ – : أَتَرَى هَؤُلَاءِ يَا أَبَا يُوسُفَ يَكْذِبُونَ ؟ قَالَ : لَا وَاَللَّهِ مَا يَكْذِبُونَ ” .
انتهى من “مجموع الفتاوى” (20 /306) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android