0 / 0
9,33107/01/2012

تبرع لهيئة بمال لبناء مسجد فاستأجروا به مبنى فهل له أن ينقطع عن الدفع ؟

السؤال: 175612

قالت منظمة دعوية إنها تحتاج إلى أموال لبناء مسجد ، وعرضت علينا خطط البناء … الخ ، وقمت بالتبرع بمبلغ كبير من المال لهم لبناء مسجد وبغرض أن أقوم بالاستثمار في آخرتي بصدقة جارية ستستمر لأجيال قادمة وحتى يوم القيامة إن شاء الله ، وقد اكتشفتُ مؤخراً أنهم لم يجمعوا ما يكفى من المال ولهذا فهم يقومون باستئجار مبنى الآن بإيجار مرتفع للغاية ، وسؤالي هو : إذا لم يتمكنوا من جمع ما يكفي من المال للبناء – وهو 15 مليون دولاراً – والمشروع تم إلغاؤه ، وجميع أموالنا التي تبرعنا بها ستذهب على الإيجار المرتفع للغاية ولا يمكنني الانتفاع بالصدقة الجارية التي كانت ستستمر عند بناء المسجد وكونه وقفاً ، وأنا أقوم بدفع التبرع الذي وعدت به على أقساط ، وقد دفعت نصفه ، فهل هناك حرمة في إلغاء هذا التبرع ؟ لأني لا أشعر بأنهم قاموا بالوفاء بوعدهم ، فأنا لم أكن لأتبرع بالمال لو كنت قد علمت أنه لن يكون وقفاً.
وجزاكم الله خيراً .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:
ما فعلتْه تلك المنظمة الدعوية من استئجار مبنى لجعله مسجداً للصلاة فيه : جائز عند جمهور العلماء خلافاً للحنفية .
قال ابن قدامة – رحمه الله – : ” ويجوز استئجار دار يتخذها مسجداً يصلي فيه ، وبه قال مالك والشافعي ، وقال أبو حنيفة : لا يصح لأن فعل الصلاة لا يجوز استحقاقه بعقد إجارة بحال فلا تجوز الإجارة لذلك .
ولنا : أن هذه منفعة مباحة يمكن استيفاؤها من العين مع بقائها ، فجاز استئجار العين لها ” انتهى من ” المغني ” ( 6 / 143 ) .

وهل يمكن جعل المكان المستأجر وقفاً فيأخذ حكم المسجد ؟ ذهب جمهور العلماء إلى عدم صحة هذا ؛ لأن وقف المنفعة عندهم لا يصح لأنه مؤقت ويشترط لصحته – عندهم – التأبيد ، وذهب المالكية إلى عدم اشتراط ذلك .

وفي ” الموسوعة الفقهية ” ( 44 / 165 ، 166 ) : ” ذهب جمهور الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة إلى عدم جواز وقف المنفعة إذ إنهم يشترطون أن يكون الموقوف عيناً ينتفع بها مع بقاء عينها كما أنهم يشترطون تأبيد الوقف .

وذهب المالكية إلى جواز وقف المنفعة ، فمن استأجر داراً مدة معلومة فإنه يجوز له أن يقف منفعتها في تلك المدة ، وينقضي الوقف بانقضائها ، لأنه لا يشترط عندهم تأبيد الوقف ” . انتهى .
ووافقَ المالكيةَ شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
فقد سئل – رحمه الله – عمن استأجر أرضاً وبنى فيها داراً ودكاناً أو شيئاً يستحق له كري عشرين درهماً كل شهر إذا يعمر وعليه حكر في كل شهر درهم ونصف ؟ توقف قديماً ، فهل يجوز للمستأجر أن يعمر مع ما قد عمره من الملك مسجدا لله ويوقف الملك على المسجد ؟ .
فأجاب :
” يجوز أن يقف البناء الذي بناه في الأرض المستأجرة ، سواء وقفه مسجداً أو غير مسجد ، ولا يسقط ذلك حق أهل الأرض فإنه متى انقضت مدة الإجارة وانهدم البناء : زال حكم الوقف سواء كان مسجداً أو غير مسجد وأخذوا أرضهم فانتفعوا بها ، وما دام البناء قائما فيها : فعليه أجرة المثل .. . ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” ( 31 / 8 ) .

وقد صدر قرار من ” مجمع الفقه الإسلامي ” رقم 181 ( 7 / 19 ) ، موافق لهذا القول، وفيه :
1. إن النصوص الشرعية الواردة في الوقف مطلقة يندرج فيها المؤبد والمؤقت ، والمفرز والمشاع ، والأعيان والمنافع والنقود ، والعقار والمنقول ؛ لأنه من قبيل التبرع وهو موسع ومرغب فيه .
2. يجوز وقف أسهم الشركات المباح تملكها شرعاً ، والصكوك ، والحقوق المعنوية ، والمنافع ، والوحدات الاستثمارية ؛ لأنها أموال معتبرة شرعاً .
(3) تترتب على وقف الأسهم والصكوك والحقوق والمنافع وغيرها أحكام ، من أهمها :
… .
هـ. يجوز وقف المنافع والخدمات والنقود ، نحو خدمات المستشفيات والجامعات والمعاهد العلمية وخدمات الهاتف والكهرباء ومنافع الدور والجسور والطرق .
و. لا يؤثر وقف المنفعة لمدة محددة على تصرف مالك العين بملكه ، إذ له كل التصرفات المباحة شريطة المحافظة على حق الوقف في المنفعة .
ز. ينقضي وقف الحقوق المعنوية بانتهاء الأجل القانوني المقرر لها .
انتهى

وهذا هو الراجح عندنا ، وإنما أطلنا في بيان هذه الجزئية ليطمئن قلبك أن ما فعلتَه لم يخرج عن دائرة الوقف إن شاء الله ، وأنه لا فرق – على الصحيح – بين الوقف المؤبد والمؤقت من حيث صحة وقف كل منهما ، وفي كل الأحوال سواء كان ما بذلتَه صدقة أو وقفاً : فإنك مشارك – إن شاء الله – في أجور كل ما يحصل في المسجد من خير من صلاة ودعوة وتعليم وغير ذلك .

ثانياً:
لا يجوز لتلك المنظمة استعمال أموال الوقف المجموعة من أجل بناء مسجد في استئجار ذلك المبنى ، ولو كان ذلك من أجل الصلاة فيه ؛ لما يجب عليهم من الالتزام بشرط الواقف ونيته ، ولو علم المتبرعون بنية تلك المنظمة ، فلعل بعضهم أن يُحجم عن الدفع لهم ولعل بعضهم أن يقلل من المال المبذول لذلك المشروع ، وها هو الأخ السائل مثال على ما نقوله ، فمما لا شك فيه أن هناك فرقا عند الواقف بين الوقف المؤبد والوقف المؤقت ، وقد يبذل الواقفون في الأول ما لا يبذلونه في الآخر ، وخاصة أن المسألة هنا خلافية ، وقد يوجد كثير ممن لا يرون صحة الوقف المؤقت أو وقف المنافع ، فكان الواجب على تلك المنظمة إخبار أصحاب المال بما حصل من تغيير في خطة مشروعهم ليروا من يستمر معهم ومن ينسحب .

ثالثاً:
بما أن الأمر كان بينك وبين المنظمة على أن يكون التبرع من أجل بناء المسجد وقفاً لله تعالى ، وابتغاء الأجر في باب الصدقة الجارية المؤبدة ، وأنهم لم يوفوا بما اتفقتم عليه – مهما كان السبب الذي يذكرونه – فلا حرج عليك في التوقف عن دفع باقي المبلغ الذي وعدتهم به ؛ بل الأمر إليك أنت : فإن شئت أن تساهم في إيجار هذا المكان ، متى رأيت فيه خيرا ، فعلت ، وإن شئت امتنعت عن المشاركة ، واكتفيت بما دفعته لهم قبل ذلك : فعلت .
ثم متى توقفت عن دفع باقي المبلغ ، ووجدت بعد ذلك في نفس المكان ، أو في مكان آخر ، مسجدا يبنى ، يحتاجه أهل المكان ، فسارع إلى المساهمة فيه ، وادفع فيه باقي المبلغ الذي كنت تعزمه على دفعه ، أو أكثر منه ، أو أقل ، بحسب ما ييسره الله لك ، ولا تضيع الفرصة التي كنت تؤملها ، ونحب لك ألا يقل المبلغ الذي تدفعه في هذه الحال ، عن نصف المبلغ الذي كنت تريد دفعه أولا .

نسأل الله أن يتقبل منك أعمالك ، وأن يوفق القائمين على خدمة دينه .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android