0 / 0

هل ضرب النبي صلى الله عليه وسلم زوجته عائشة رضي الله عنها ؟

السؤال: 164216

ورد في " صحيح مسلم " في الكتاب الرابع ، حديث رقم : (2127) من حديث محمد بن قيس أن عائشة رضي الله عنها ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم لهدها على صدرها لهدة أوجعتها ، ثم قال : ( أتظنين أن يحيف الله عليك ورسوله ). فعلى حد علمي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع يده قط على أحد ليضربه ، فهل بالإمكان أن تشرحوا لي ما سبب ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة كما ذَكَرَت في هذا الحديث ، فهناك الكثير من المغرضين والحاقدين على الإسلام يستخدمون هذا الحديث للطعن في النبي صلى الله عليه وسلم ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

الحديث المقصود في السؤال هو ما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت :

( لَمَّا كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا عِنْدِي ، انْقَلَبَ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ ، وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ ، فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ ، وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ ، فَاضْطَجَعَ ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا رَيْثَمَا ظَنَّ أَنْ قَدْ رَقَدْتُ ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدًا ، وَانْتَعَلَ رُوَيْدًا ، وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ ، ثُمَّ أَجَافَهُ رُوَيْدًا ، فَجَعَلْتُ دِرْعِي فِي رَأْسِي ، وَاخْتَمَرْتُ ، وَتَقَنَّعْتُ إِزَارِي ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى إِثْرِهِ ، حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ فَقَامَ ، فَأَطَالَ الْقِيَامَ ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ انْحَرَفَ فَانْحَرَفْتُ ، فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ ، فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ ، فَأَحْضَرَ – أي ركض – فَأَحْضَرْتُ، فَسَبَقْتُهُ فَدَخَلْتُ.

فَلَيْسَ إِلَّا أَنِ اضْطَجَعْتُ ، فَدَخَلَ ، فَقَالَ : مَا لَكِ يَا عَائِشُ ، حَشْيَا رَابِيَةً ؟ – الحشا : التهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه بسبب ارتفاع النفس ، رابية : مرتفعة البطن -.

قُلْتُ : لَا شَيْءَ .

قَالَ : لَتُخْبِرِينِي أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ .

قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، فَأَخْبَرْتُهُ .

قَالَ : فَأَنْتِ السَّوَادُ الَّذِي رَأَيْتُ أَمَامِي ؟

قُلْتُ : نَعَمْ .

فَلَهَدَنِي فِي صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي .

ثُمَّ قَالَ : أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ ؟ – أي : هل ظننت أني أظلمك بالذهاب إلى زوجاتي الأخرى في ليلتك -.

قَالَتْ : مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللهُ ، نَعَمْ .

قَالَ : فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي حِينَ رَأَيْتِ ، فَنَادَانِي ، فَأَخْفَاهُ مِنْكِ ، فَأَجَبْتُهُ ، فَأَخْفَيْتُهُ مِنْكِ ، وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ ، وَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ ، وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي ، فَقَالَ : إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ .

قُلْتُ : كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟

قَالَ : قُولِي : السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ ، وَيَرْحَمُ اللهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ ) رواه مسلم (974).

والجواب عن هذه الشبهة المثارة في السؤال من وجوه عدة :

أولا:

قول عائشة رضي الله عنها: (فَلَهَدَنِي فِي صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي).

واللهد في لغة العرب هو الدفع أو الضرب في الصدر، ويأتي بمعنى الغمز أو الضغط. ينظر: "لسان العرب" (3/393)، " تاج العروس" (9/145).

ولكن هذا الضرب والدفع في الصدر [اللهد]: قد يكون بقصد الإيذاء والمعاقبة، وقد يكون على سبيل الملاطفة والمداعبة، أو المعاتبة، أو لمقصد آخر.

وهذا شيء معروف مشاهد في حياة الناس، حيث يغمز الرجل صاحبه بيده على كتفه أو صدره تعجبًا من بعض قوله واستغرابا، أو ملاطفةً، أو غير ذلك، دون أن يفهم أحد من هذا الفعل: قصد الإيذاء والإهانة.

فهذا اللهد في سياق هذه القصة وإن صدق عليه تعريف الضرب في اللغة، إلا أنه ليس الضرب العرفي الذي يراد به الإيجاع والتحقير، وجاءت النصوص بنفيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ونظير ذلك أخذ الرجل بأذن الصبي، قد يكون بقصد التأديب والمعاقبة، وقد يكون على سبيل الملاطفة، كما جاء في حديث ابن عباس حين صلى بجانب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وضع يده على رأسي، ثم أخذ بأذني فجعل يفتلها)، أي يدلكها ويعركها، وكان ذلك تأنيسا له أو تنبيها كما ذكر بعض شراح الحديث. ينظر: "المنتقى شرح الموطأ" (1/219)

ثانيا:

مما يدل على أن هذه " اللهدة " لم تكن على سبيل الضرب والإيجاع، إنما على سبيل التعليم والتنبيه:

استكمال الحوار بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين عائشة رضي الله عنها، فقد كان حوارا نافعا هادئا تجلت فيه رحمة المعلم المربي عليه الصلاة والسلام، حيث اعتذر إليها ببيان سبب خروجه من المنزل تلك الساعة المتأخرة ، وتلطف عليه الصلاة والسلام في إيجاف الباب والخروج من البيت دون صوت كي لا يقطع عليها نومتها.

ومثل هذا الاعتذار لا يصدر عن غضب ولا قصد إيجاع، إنما يصدر من زوج كريم رؤوف رحيم، يحترم زوجته، ويشرح لها عذره، ويبين لها تفاصيل ما حدث معه ، لتشاركه قصته ، فتبعث في نفسها روح الثقة بالزوج المخلص الصادق.

فليتأمل الصادق المخلص في طلب الحق: حال زوج جاءه أمر مهم ، وهو نائم في فراش زوجته بالليل ؛ فأراد أن يخرج من عندها ، لكنه كره أن يوقظها فيزعجها عن منامها ، وكره أيضا أن تستيقظ فتستوحش وتقلق وتخاف من فقدانها لزوجها الذي كان بجانبها ، فجأة !!

ثالثًا:

لو كانت هذه " اللهدة " ضربة حقيقية لكانت عائشة رضي الله عنها بكت كما تبكي النساء الحديثات السن، ولأظهرت ألمها ولكنها لم تفعل ذلك، بل بادرت إلى استكمال الحوار مع النبي صلى الله عليه وسلم، وملاطفته بالسؤال المؤدب عن الذكر المستحب عند زيارة القبور.

فدل ذلك على أن " اللهدة " لم تكن إلا على سبيل التنبيه والتعليم، وأن عائشة رضي الله عنها لم يقع في نفسها أنه صلى الله عليه وسلم أراد الضرب المؤذي الذي ادعاه الحاقدون على نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام.

رابعا:

هذا الحديث دليل على كمال خلق النبي صلى الله عليه وسلم، ورحمته، ورقة قلبه عليه الصلاة والسلام، حيث لم يعنف ولم يضرب ولم يوبخ، وإنما عاتب عتابا لطيفا أراد به تعليم عائشة رضي الله عنها والأمة من بعدها: أن الله عز وجل ورسوله عليه الصلاة والسلام لا يظلمان أحدا، وأنه لا يجوز لأحد أن يسيء الظن بالله ورسوله، بل الواجب إحسان الظن بالله، والرضا بما قسمه الله عز وجل.

فكانت تلك " اللهدة " أسلوبا من أساليب التعليم والتربية، والتنبيه إلى أمر مهم عظيم، لا يليق بها أن تنساه أو تغفل عنه، مهما كانت غيرتها على النبي صلى الله عليه وسلم، ومحبتها له، فليس نبي الله صلى الله عليه وسلم بالمحل الذي يظن به أن يظلم امرأة لأجل أخرى من نسائه، حاشاه من ذلك صلى الله عليه وسلم.

خامسا:

لو ذهبنا نسوق الأحاديث الدالة على حلمه عليه الصلاة والسلام على أزواجه لطال بنا المقام، فقد كان حليما رحيما في مواقف يمكن أن تخرج الزوج العادي عن هدوئه، غير أن صاحب الخلق العظيم صلى الله عليه وسلم تحلى بالصبر، وتزين بالحلم، بل منع كل أذى يمكن أن يصل إلى زوجته.

ومن ذلك:

ما روته أم سلمة رضي الله عنها: أَنَّهَا أَتَتْ بِطَعَامٍ فِي صَحْفَةٍ لَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، فَجَاءَتْ عَائِشَةُ مُتَّزِرَةً بِكِسَاءٍ، وَمَعَهَا فِهْرٌ – وهو حجر ملء الكف -، فَفَلَقَتْ بِهِ الصَّحْفَةَ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ فِلْقَتَيْ الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ: كُلُوا، غَارَتْ أُمُّكُمْ. مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحْفَةَ عَائِشَةَ، فَبَعَثَ بِهَا إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ، وَأَعْطَى صَحْفَةَ أُمِّ سَلَمَةَ عَائِشَةَ.

رواه النسائي في " السنن " (3956) وصححه الألباني.

وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : جَاءَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَمِعَ عَائِشَةَ وَهِيَ رَافِعَةٌ صَوْتَهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَذِنَ لَهُ ، فَدَخَلَ ، فَقَالَ : يَا ابْنَةَ أُمِّ رُومَانَ وَتَنَاوَلَهَا ، أَتَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟

قَالَ : فَحَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ، قَالَ : فَلَمَّا خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ لَهَا يَتَرَضَّاهَا : أَلَا تَرَيْنَ أَنِّي قَدْ حُلْتُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَكِ .

قَالَ : ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ ، فَوَجَدَهُ يُضَاحِكُهَا ، قَالَ : فَأَذِنَ لَهُ ، فَدَخَلَ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللهِ أَشْرِكَانِي فِي سِلْمِكُمَا ، كَمَا أَشْرَكْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا.

رواه أحمد في " المسند " (30/341-342) وقال المحققون : إسناده صحيح على شرط مسلم.

فليتأمل هؤلاء الحاقدون كم كانت رحمته صلى الله عليه وسلم بزوجته عائشة رضي الله عنها ، وكم كان يحبها حتى في المواقف الشديدة أمام ضيوفه الذين كسرت صحفة الطعام بين أيديهم ، فكان يبحث لها عن عذر فقال : ( غارت أمكم )

أفليست الغيرة هي السبب نفسه الذي دفع عائشة رضي الله عنها إلى الخروج وراء النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة من بيتها ، حيث ظنت أنه سيخرج إلى بعض زوجاته الأخريات ؟! ولم يكن ذلك سببا لتعنيفه صلى الله عليه وسلم بالضرب الموجع الذي يحصل عند كثير من الأزواج.

سادسا:

لو تأمل قارئ هذا الحديث لعرف أنه دليل من أدلة عظمة خُلق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وذلك أن رجلا يعيش مع زوجته سنين عديدة، وتصدر منها تصرفات كثيرة بسبب الغيرة التي جبلت عليها النساء، ثم لا يُعرف أنه عليه الصلاة والسلام تسبب لها بالأذى القولي أو الفعلي، رغم كثرة الرواة ونقلهم جميع تفاصيل حياته صلى الله عليه وسلم سوى ما يزعم وجوده في هذا الحديث وغاية ما فيه أن عائشة رضي الله عنها قالت : ( فَلَهَدَنِي فِي صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي ).

سابعا:

 ومن أظهر ما يؤكد أن هذه "اللهدة" لا يقصد بها الضرب الحقيقي في هذا السياق الذي جاءت به: أن عائشة رضي الله عنها صاحبة هذه القصة هي التي قالت: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادما، إلا أن يجاهد في سبيل الله"، كما أخرجه مسلم في صحيحه (2328).

وهي قد أخبرت بهذا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فلو كانت هذه "اللهدة" ضربا، لاستثنتها عائشة رضي الله عنها من قولها إنه لم يضرب امرأة قط، ولكن عائشة تعلم أنها نوع من المعاتبة والملاطفة، ولهذا لم تذكرها: وكل ذلك دليل على كماله عليه الصلاة والسلام.

 والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android