0 / 0
93,55109/07/2010

من أصيب بأمراض نتيجة معصية هل تكون له كفارة ؟ وهل إذا تاب أُجر عليها ؟

السؤال: 150038

كنت أمارس العادة السرية منذ 11 سنة ، بحيث سبَّبت لي مجموعة من الأمراض ، والآن – والحمد لله – تُبت إلى الله ، فهل استمرار الآلام التي أشعر بها ، مأجور عليها ؟ .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

1. الخير للمسلم العاصي أن تعجَّل له عقوبته في الدنيا بما يصيبه به ربه تعالى من أمراض ومصائب في ماله أو بدنه ، وهذا خير له من تأخير ذلك لعقوبته بها في الآخرة .
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .
رواه الترمذي (2396) وحسنه ، وصححه الألباني في “صحيح الترمذي ” .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
والإنسان لا يخلو من خطأ ومعصية وتقصير في الواجب ، فإذا أراد الله بعبده الخير : عجَّل له العقوبة في الدنيا ، إما بماله أو بأهله أو بنفسه أو بأحد ممن يتصل به .
المهم : أن تعجل له العقوبة ؛ لأن العقوبات تكفِّر السيئات ، فإذا تعجلت العقوبة وكفَّر الله بها عن العبد : فإنه يوافي الله وليس عليه ذنب قد طهرته المصائب والبلايا حتى إنه ليشدد على الإنسان موته لبقاء سيئة أو سيئتين عليه حتى يخرج من الدنيا نقيّاً من الذنوب ، وهذه نعمة ؛ لأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة .
لكن إذا أراد الله بعبده الشر : أمهل له واستدرجه وأدرَّ عليه النِّعَم ودفع عنه النقَم حتى يبطر ويفرح فرحاً مذموما بما أنعم الله به عليه ، وحينئذ يلاقي ربه وهو مغمور بسيئاته ، فيعاقَب بها في الآخرة ، نسأل الله العافية .
فإذا رأيت شخصاً يبارز الله بالعصيان وقد وقاه الله البلاء وأدرَّ عليه النعَم : فاعلم أن الله إنما أراد به شرّاً ؛ لأن الله أخَّر عنه العقوبة حتى يوافي بها يوم القيامة .
” شرح رياض الصالحين ” ( 1 / 258 ، 259 ) .
ومن هنا قال الحسن البصري رحمه الله : ” لا تكرهوا البلايا الواقعة ، والنقمات الحادثة ، فلرب أمر تكرهه فيه نجاتك ، ولرب أمر تؤثره فيه عطبك – أي : هلاكك – ” .
2. ومن فوائد إصابة المذنب بالمصائب أنها تذكره بربه تعالى ، فربما تُحدث له توبة ورجوعا إلى ربه تعالى ، وربَّما تجعل منه عبداً صالحاً طائعاً يعوِّض ما فاته من حياته بالأعمال الصالحة .
قال تعالى ( ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) الروم/ 41 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله – :
أي : استعلن الفساد في البر والبحر أي : فساد معايشهم ونقصها وحلول الآفات بها ، وفي أنفسهم من الأمراض والوباء وغير ذلك ، وذلك بسبب ما قدمت أيديهم من الأعمال الفاسدة المفسدة بطبعها .
هذه المذكورة ( لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا ) أي : ليعلموا أنه المجازي على الأعمال ، فعجَّل لهم نموذجاً من جزاء أعمالهم في الدنيا .
( لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) عن أعمالهم التي أثَّرت لهم من الفساد ما أثرت ، فتصلح أحوالهم ويستقيم أمرهم ، فسبحان من أنعم ببلائه ، وتفضل بعقوبته ؛ وإلا فلو أذاقهم جميع ما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة .
” تفسير السعدي ” ( ص 643 ) .
3. واعلم – أخي السائل – أن إصابتك بتلك الأمراض ، إن لم يصاحبها تسخط على الله تعالى وعلى قدَره : فإنها تكون مكفِّرة لما فعلته من ذنوب .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ ( مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ) بَلَغَتْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَبْلَغًا شَدِيدًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( قَارِبُوا وَسَدِّدُوا فَفِي كُلِّ مَا يُصَابُ بِهِ الْمُسْلِمُ كَفَّارَةٌ حَتَّى النَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا أَوْ الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا ) . رواه مسلم ( 2574 ) .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ وَلَا سَقَمٍ وَلَا حَزَنٍ حَتَّى الْهَمِّ يُهَمُّهُ إِلَّا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ ) .
رواه البخاري ( 5318 ) ومسلم ( 2573 ) – واللفظ له – .
ولفظ البخاري : ( إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ ) .
4. والصحيح من أقوال العلماء أن المصائب على العبد المذنب هي ـ بمجردها ـ عقوبات ، تكفر السيئات ولا ترفع الدرجات ولا يُثاب عليها ؛ لأن الثواب ورفعة الدرجة إنما تكون على الأعمال والطاعات لا على فعل الرب تعالى المجرد ، فإن صبر واحتسب : أٌجر على فعله ، الذي هو الصبر والاحتساب ، أو الرضا بقضاء الله وقدره إن ترقى إلى ذلك ؛ لا على مجرد مصيبته التي أصابته – إلا أن تكون المصيبة بسبب طاعة كما سيأتي – ، وهذا قول أجلة مِن الصحابة كأبي عبيدة وابن مسعود رضي الله عنهما ، وأجلة من العلماء المحققين كابن تيمية وابن القيم رحمهما الله .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
والدلائل على أن المصائب كفارات : كثيرة ، إذا صبر عليها : أثيب على صبره ، فالثواب والجزاء إنما يكون على العمل وهو الصبر ، وأما نفس المصيبة : فهي من فعل الله لا من فعل العبد ، وهي من جزاء الله للعبد على ذنبه وتكفيره ذنبه بها ، وفي المسند ” أنهم دخلوا على أبى عبيدة بن الجراح وهو مريض ، فذكروا أنه يؤجر على مرضه ، فقال : ” ما لي من الأجر ولا مثل هذه ، ولكن المصائب حِطَّة ” ؛ فبيَّن لهم أبو عبيدة رضى الله عنه أن نفس المرض لا يؤجر عليه ، بل يكفر به عن خطاياه .
” مجموع فتاوى ابن تيمية ” ( 30 / 363 ) .
وقال ابن القيم – رحمه الله – :
وذكر عن أبي معمر الازدى قال : كنَّا إذا سمعنا من ابن مسعود شيئاً نكرهه سكتنا ، حتى يفسره لنا ، فقال لنا ذات يوم : ” ألا إن السقم لا يكتب له أجر ، فساءنا ذلك وكبر علينا ” فقال : ” ولكن يكفر به الخطيئة ” ، فسرَّنا ذلك وأعجَبَنا .
وهذا مِن كمال علمه وفقهه رضي الله عنه ؛ فإن الأجر إنما يكون على الأعمال الاختيارية وما تولَّد منها ، كما ذكر الله سبحانه النوعين في آخر سورة ” التوبة ” في قوله في المباشر من الإنفاق وقطع الوادي ( إِلاَّ كُتِبَ لَهُم ) وفي المتولد من إصابة الظمأ والنصب والمخمصة في سبيله وغيظ الكفار ( إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ) فالثواب مرتبط بهذين النوعين .
وأما الأسقام والمصائب : فإن ثوابها : تكفير الخطايا ولهذا قال تعالى ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ) والنبي صلى الله عليه وسلم إنما قال في المصائب ( كفَّر الله بها من خطاياه ) ، وكذا قوله ( المرض حطة ) فالطاعات ترفع الدرجات ، والمصائب تحط السيئات ، ولهذا قال ( من يرد الله به خيراً يصب منه ) وقال ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ) فهذا يرفعه وهذا يحط خطاياه .
” عدة الصابرين ” ( ص 69 ، 70 ) .
وانظر جواب السؤال رقم ( 10936 ) .
4. وهذه الذنوب التي تكفرها المصائب والأمراض التي تكون عقوبات : يحتمل أنها تكفِّر جميع الذنوب ، والجمهور على أنها تكفر الصغائر فحسب .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – بعد شرح طائفة من الأحاديث كحديث ( مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ ) – :
وفي هذه الأحاديث بشارة عظيمة لكل مؤمن ؛ لأن الآدمي لا ينفك – غالباً – من ألمٍ بسبب مرض أو همٍّ أو نحو ذلك مما ذكر ، وأن الأمراض والأوجاع والآلام ، بدنية كانت أو قلبية ، تكفر ذنوب من تقع له ، وسيأتي في الباب الذي بعده من حديث بن مسعود ما من مسلم يصيبه أذى إلا حات الله عنه خطاياه ؛ وظاهره تعميم جميع الذنوب ، لكن الجمهور خصوا ذلك بالصغائر ، للحديث الذي تقدم التنبيه عليه في أوائل الصلاة الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر ؛ فحملوا المطلقات الواردة في التكفير على هذا المقيد . ويحتمل أن يكون معنى الأحاديث التي ظاهرها التعميم أن المذكورات صالحة لتكفير الذنوب ، فيكفر الله بها ما شاء من الذنوب ، ويكون كثرة التكفير وقلته باعتبار شدة المرض وخفته . ثم المراد بتكفير الذنب ستره ، أو محو أثره المرتب عليه من استحقاق العقوبة .
” فتح الباري ” ( 10 / 108 ) .
وانظر في الفرق بين العقوبة والابتلاء في المصائب : جواب السؤال رقم ( 72257 )

والخلاصة :
أن ما أصابك من أمراض نتيجة معصية العادة السيئة فهو كفارة لذنبك ، إن شاء الله ، وأن هذا التكفير لتلك السيئات مشروط بعدم تسخطك على ربك تعالى في ذلك الحين .

ونسأل الله تعالى أن يتمَّ عليك نعَمه ، وأن يشفيك ويعافيك ، ويثبتك على التوبة وأن يوفقك للمزيد من الأعمال الصالحة .
وينظر في تحريم العادة السرية السيئة جواب السؤال رقم ( 329 ) .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android