أولاً:
الإقامة في بلاد الكفر لا تجوز إلا بشروط أهمها : كون المقيم ذا دين يحجزه عن الشهوات ، وذا علم وبصيرة تعصمه من الشبهات ، وأن يتمكن من إظهار شعائره ، وأن يأمن على نفسه وأهله ، وينظر تفصيل ذلك في الجواب رقم (13363) ورقم (27211) .
ثانياً:
يلزم الزوجة طاعة زوجها والانتقال معه حيث انتقل ، ما لم تكن اشترطت عند زوجها ألا يخرجها من بلدها أو ألا تسافر إلى بلد معين ، أو كان في انتقالها معه ضرر ظاهر معتبر ، كما لو أراد الانتقال إلى بلد الحرب فيه قائمة ، وغلب على الظن أن يلحقها أذى من سجن ونحوه .
قال ابن قدامة رحمه الله : "وله السفر بها ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر بنسائه ، إلا أن يكون سفرا مخوفا ، فلا يلزمها ذلك" انتهى من "المغني" (7/ 223).
وقال في "كشاف القناع" (5/ 187) : "وللزوج السفر بزوجته ، لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يسافرون بنسائهم ، إلا أن يكون السفر مخوفا بأن كان الطريق أو البلد الذي يريده مخوفا ، فليس له السفر بها بلا إذنها لحديث : (لا ضرر ولا ضرار) ، أو شرطت بلدها فلها شرطها ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج)" انتهى .
وليس لها الامتناع عن مرافقة زوجها لأجل تعليم الأبناء ، لأن التعليم يمكن تحصيله في أماكن شتى ، وبوسائل متنوعة كالدراسة عن بعد وغير ذلك ، وليس من الصواب أن تعصي زوجها لأجل منفعة أبنائها .
ثالثاً:
يلزمك طاعة أبيك والسفر معه إذا أراد ذلك ، ما لم يكن في سفرك إلى بلده خطر عليك .
ولا يخفى عليك ما للأب من حق ومنزلة ، وقد أمر الله تعالى بالإحسان للوالدين ، وقرن ذلك بطاعته وتوحيده ، والظن بأن الأب لا يفكر في مصلحة أبنائه ظنٌ خاطئ في أغلب الأحوال ، لما فطر عليه الأب من الشفقة على أبنائه ، لكن قد يغلّب الأب ما يراه من المصلحة الدينية أو الدنيوية على هذه الشفقة . وقد أمره الله تعالى بحفظ أبنائه ووقايتهم من أسباب الهلاك والخسران ، فقال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6 .
وعَنْ ابْنِ عُمَر رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : (أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ) رواه البخاري (7138) ومسلم (1829) .
وروى البخاري (7151) ومسلم (142) عن مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ الْمُزنِيَّ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) .
فلا عجب أن يفر الأب بأبنائه من بلاد الكفر ، وأن يخشى عليهم الفساد والانحراف ، وأن يؤثر سلامة الدين على الدنيا ، فإذا كان انتقاله إلى بلده مأمون فعلى جميع أسرته طاعته ومرافقته .
والله أعلم .