أريد معرفة صلاة الوتر ذات الركعة الواحدة ما الآية التي تقرأ فيها هل تقرأ سورة ( سبح اسم ربك الأعلى ) ، أم سورة ( الإخلاص ) ، أم سورة ( الكافرون ) أم تقرأ الثلاث السور كلها ؟
إذا أوتر بركعة واحدة، فماذا يقرأ فيها؟
السؤال: 112638
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
السنة لمن أوتر بثلاث ركعات أن يقرأ في الأولى بعد الفاتحة : "سبح اسم ربك الأعلى" ، وفي الثانية : "قل يا أيها الكافرون" ، وفي الثالثة : "قل هو الله أحد" .
ودليل ذلك ما رواه أحمد (2715) والترمذي (462) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ : بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ، وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وروى النسائي (1730) وابن ماجه (1171) عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنهما قَالَ : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ، وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .
واستحب بعض الأئمة أن يقرأ المعوذتين بعد سورة الإخلاص في الركعة الثالثة . واستدلوا بما رواه الترمذي (463) عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت : بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يُوتِرُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فقَالَتْ : (كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ، وَفِي الثَّالِثَةِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ) .
وقد صحح هذا الحديث : الحاكم ووافقه الذهبي ، وحسنه الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار" وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وضعفه الإمام أحمد ويحيى بن معين والعقيلي والشوكاني وغيرهم .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/599) :
"ويستحب أن يقرأ في ركعات الوتر الثلاث ، في الأولى بـ (سبح) ، وفي الثانية : (قل يا أيها الكافرون) ، وفي الثالثة : (قل هو الله أحد) وبه قال الثوري وإسحاق وأصحاب الرأي ، وقال الشافعي : يقرأ في الثالثة : (قل هو الله أحد) والمعوذتين ، وهو قول مالك في الوتر ، وقال في الشفع : لم يبلغني فيه شيء معلوم ، وقد روي عن أحمد أنه سئل : يقرأ بالمعوذتين في الوتر ؟ قال : ولِمَ لا يقرأ ؟…
وحديث عائشة في هذا لا يثبت ، فإنه يرويه يحيى بن أيوب وهو ضعيف ، وقد أنكر أحمد ويحيى بن معين زيادة المعوذتين" انتهى .
وقول الإمام أحمد رحمه الله : ولِمَ لا يقرأ ؟ يعني : مع ضعف الحديث ، فلا حرج عليه إذا قرأ المعوذتين مع قل هو الله أحد في الركعة الثالثة ، وإن كان الأصح أن يقتصر على (قل هو الله أحد) فقط .
وبالرغم من ورود حديث ابن عباس وأبي بن كعب وعائشة رضي الله عنهما في قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم هذه السور الثلاثة فقد اختلف العلماء في ذلك ، فذهب أبو حنيفة إلى أنه يقرأ في الوتر ما يشاء ، وكذا الإمام مالك ، في ركعتي الشفع ـ كما ذكره ابن قدامة عنه ، وقد نقلناه آنفاً.
وهو قول بعض التابعين كإبراهيم النخعي رحمه الله ، فقد روى عبد الرزاق في "المصنَّف" (3/34) عن إبراهيم النخعي قال : اقرأ فيهن ما شئت ، ليس فيهن شيء موقوت.أي : محدد .
وجاء في " المدونة " ( 1 / 212 ) :
وقال مالك : الوتر واحدة ، والذي أقر به وأقرأ به فيها في خاصة نفسي : ( قل هو الله أحد ) ، و ( قل أعوذ برب الفلق ) ، و ( قل أعوذ برب الناس ) في الركعة الواحدة مع أمِّ القرآن : قال ابن القاسم : وكان لا يفتي به أحدا ، ولكنه كان يأخذ به في خاصة نفسه . انتهى.
وظاهر هذا ، أنه لم يثبت شيء عند الإمام مالك رحمه الله في القراءة في الوتر ، وإلا كان أفتى به .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (27/298) :
"ما يقرأ في صلاة الوتر .. اتفق الفقهاء على أنه يقرأ في كل ركعة من الوتر الفاتحة وسورة. والسورة عند الجمهور سنة … ثم ذهب الحنفية إلى أنه لم يوقت في القراءة في الوتر شيء غير الفاتحة , فما قرأ فيه فهو حسن , وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قرأ به في الأولى بسورة (سبح اسم ربك الأعلى) , وفي الثانية بـ (الكافرون) وفي الثالثة (بالإخلاص) , فيقرأ به أحيانا , ويقرأ بغيره أحيانا للتحرز عن هجران باقي القرآن . وذهب الحنابلة إلى أنه يندب القراءة بعد الفاتحة بالسور الثلاث المذكورة … وذهب المالكية والشافعية إلى أنه يندب في الشفع (سبح , والكافرون) , أما في الثالثة فيندب أن يقرأ بسورة الإخلاص , والمعوذتين)" انتهى .
وإذا كان قد وقع الاختلاف مع ورود هذه الأحاديث في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الوتر بثلاث ، فأولى أن يقع الاختلاف في القراءة إذا أوتر بركعة واحدة .
ويمكننا حصر أقوى ما ينبغي أن يقال في قراءة الركعة الواحدة من الوتر في قولين :
1. الإخلاص ، أو الإخلاص والمعوذتان – عند من يصحح حديثهما – .
2. التخيير ، فيقرأ ما يشاء ، وهذا أكثر ما ورد عن السلف .
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى ركعة الوتر ، وقرأ فيها بمائة آية من النساء، ولم يقرأ فيها بقل هو الله أحد .
فعن أبي مجلز أن أبا موسى : كان بين مكة والمدينة فصلَّى العشاء ركعتين ، ثم قام فصلى ركعة أوتر بها فقرأ فيها بمائة آية من النساء ، ثم قال : ما ألوت أن أضع قدمي حيث وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم قدميه ، وأنا أقرأ بما قرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
رواه النسائي ( 1728 ) وصححه الألباني في " صحيح النسائي " ، وهناك كلام لبعض أهل العلم في سماع أبي مجلز من أبي موسى ، وقد اعتمدنا ها هنا تصحيح الشيخ الألباني .
ومعنى " ألَوت " : أي : قصَّرت .
وقد نقل ابن حجر الهيتمي رحمه الله عن البلقيني أن من أوتر بغير ثلاث يقرأ بما يشاء ، غير أن ابن حجر توقف في ذلك . فقال رحمه الله في " تحفة المحتاج في شرح المنهاج " (2/227) :
"ويسنُّ في الأولى : قراءة " سبح " ، وفي الثانية " الكافرون " ، وفي الثالثة : " الإخلاص " ، و " المعوذتين " ؛ للاتباع ، وقضيته : أن ذلك إنما يسن إن أوتر بثلاث ؛ لأنه إنما ورد فيهن.
ولو أوتر بأكثر : فهل يسنُّ ذلك في الثلاثة الأخيرة فَصَلَ ، أو وَصَلَ ؟ محل نظر ، ثم رأيتُ البلقيني قال : " إنه متى أوتر بثلاث مفصولة عما قبلها كثمان أو ست أو أربع : قرأ ذلك في الثلاثة الأخيرة ، ومن أوتر بأكثر من ثلاث موصولة : لم يقرأ ذلك في الثلاثة ، أي : لئلا يلزم خلو ما قبلها عن سورة ، أو تطويلها على ما قبلها ، أو القراءة على غير ترتيب المصحف ، أو على غير تواليه ، وكل ذلك خلاف السنَّة " اهـ .
نعم ، يمكن أن يقرأ فيما لو أوتر بخمس – مثلاً – : " المطففين " و " الانشقاق " في الأولى ، و " البروج " و " الطارق " في الثانية ، وحينئذ لا يلزم شيء من ذلك .انتهى .
والذي نراه أن تعليل البلقيني رحمه الله فيه نظر ، وقد ردَّ عليه بسهولة الهيتمي رحمه الله ، وكان اللائق أن يقول في السبب المانع من القراءة بما ورد في الثلاث إن صلَّى بأكثر منها : بأنه " إنما ورد فيهن " وهي عبارة الهيتمي نفسها في أول كلامه .
وقال ابن حزم في "المحلى" (3/50) :
"ويقرأ في الوتر بما تيسر من القرآن مع أم القرآن ، وإن قرأ في الثلاث ركعات مع أم القرآن بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد : فحسن ، وإن اقتصر على أم القرآن فحسن ، وإن قرأ في ركعة الوتر مع أم القرآن بمائة آية من النساء فحسن ، قال تعالى ( فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) المزمل/20" انتهى .
والخلاصة :
الذي يظهر لنا فيمن أوتر بركعة واحدة أنه يقرأ ما يشاء بعد الفاتحة ، وليس هناك قراءة معينة وردت بها السنة ، وإذا قرأ بقل هو الله أحد فلا حرج عليه .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب