أولاً:
 اختلف المفسرون في معنى قوله تعالى ( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ  لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ) النور/ 26  ، فقال بعضهم : هو الخبث والطِّيب في الأقوال ، فيكون معنى الآية : الكلمات  الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال ، وكذا الخبيثون من الناس للخبيثات من القول  ، وكذا الكلمات الطيبات من القول للطيبين من الناس ، والطيبون من الناس للطيبات من  القول .
 وقال آخرون : هو الخبث والطيب من الأفعال ، فيكون معنى الآية : الأفعال الخبيثات  للخبيثين من الرجال ، وكذا الخبيثون من الناس للخبيثات من الأفعال ، وكذا الأفعال  الطيبات للطيبين من الناس ، والطيبون من الناس للطيبات من الأفعال .
 والقول الثالث في الآية : أن الخبث والطيب هو من الأشخاص في النكاح ، فيكون معنى  الآية : الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال ، وكذا الخبيثون من الرجال للخبيثات  من النساء ، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال ، والطيبون من الرجال للطيبات من  النساء .
 ولا مانع من حمل الآية على المعاني جميعها ، وإن كان أظهر الأقوال هو القول الأول ،  وعليه الجمهور من المفسرين ، ويليه : القول الثاني .
 قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
 ( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ) أي : كل خبيث من  الرجال والنساء ، والكلمات ، والأفعال مناسب للخبيث ، وموافق له ، ومقترن به ،  ومُشاكِل له ، وكل طيِّب من الرجال والنساء ، والكلمات والأفعال مناسب للطيب ،  وموافِق له ، ومقترن به ، ومشاكِل له ، فهذه كلمة عامة وحصر ، لا يخرج منه شيء ، من  أعظم مفرداته : أن الأنبياء - خصوصا أولي العزم منهم ، خصوصا سيدهم محمد صلى الله  عليه وسلم ، الذي هو أفضل الطيبين من الخلق على الإطلاق - لا يناسبهم إلا كل طيب من  النساء ، فالقدح في عائشة رضي الله عنها بهذا الأمر قدح في النبي صلى الله عليه  وسلم ، وهو المقصود بهذا الإفك من قصد المنافقين ، فمجرد كونها زوجة للرسول صلى  الله عليه وسلم يُعلم أنها لا تكون إلا طيبة طاهرة من هذا الأمر القبيح .
 فكيف وهي هي ؟ صدِّيقة النساء ، وأفضلهن ، وأعلمهن ، وأطيبهن ، حبيبة رسول رب  العالمين ، التي لم ينزل الوحي عليه وهو في لحاف زوجة من زوجاته غيرها ، ثم صرح  بذلك بحيث لا يُبقي لمُبطل مقالاً ، ولا لشك وشبهة مجالاً فقال : 
 ( أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ) والإشارة إلى عائشة رضي الله عنها  أصلا ، وللمؤمنات المحصنات الغافلات تبعا .
 ( لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ) تستغرق الذنوب .
 ( وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) في الجنة صادر من الرب الكريم .
" تفسير السعدي " ( ص 563 )  .
 ثانياً:
 ما نقلتَه بشأن قتل من قذف عائشة رضي الله عنها صحيح ، وهذا هو الذي ينبغي على  الحكام المسلمين أن يفعلوه ، وهو قتل كل من قذف عائشة رضي الله عنها ؛ لأن الطعن في  عرض عائشة تكذيب للقرآن ، وطعن في النبي صلى الله عليه وسلم ، وكل واحدٍ من هذين  يوجب الكفر المخرج من الملة ، ويستحق فاعله القتل على الردة .
 وفي " الموسوعة الفقهية " ( 22 / 185 ) :
 اتّفق الفقهاء على أنّ من قذف عائشة رضي الله عنها : فقد كذّب صريح القرآن الّذي  نزل بحقّها ، وهو بذلك كافر ، قال تعالى - في حديث الإفك بعد أن برّأها اللّه منه -  : ( يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ  ) ، فمن عاد لذلك : فليس بمؤمنٍ .
 وهل تعتبر مثلها سائر زوجات النّبيّ صلى الله عليه وسلم ورضي اللّه عنهنّ ؟ .
 قال الحنفيّة والحنابلة في الصّحيح واختاره ابن تيميّة : إنّهنّ مثلها في ذلك ،  واستدلّ لذلك بقوله تعالى : ( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ  لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ  أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) .
 والطّعن بهنّ يلزم منه الطّعن بالرّسول والعار عليه ، وذلك ممنوع .
 والقول الآخر وهو مذهب الشّافعيّة والرّواية الأخرى للحنابلة : أنّهنّ - سوى عائشة  - كسائر الصّحابة ، وسابّهنّ يجلد ، لأنّه قاذف .
انتهى
 وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
 قذْف عائشة بما برأها الله منه : كفر ؛ لأنه تكذيب للقرآن ، وفي قذف غيرها من أمهات  المؤمنين قولان لأهل العلم ، أصحهما : أنه كفر ؛ لأنه قدح في النبي صلى الله عليه  وسلم ، فإن ( الخبيثات للخبيثين ) .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 5 / ص  86 ) .
 وانظر جواب السؤال رقم : ( 954 ) .
 ثالثاً:
 عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( تُنكَحُ المرأةُ  لأربَعٍ : لِمَالِهَا ، وَلِحَسَبِهَا ، وَجَمَالِهَا ، وَلِدِينِهَا ، فَاظفَر  بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَت يَدَاكَ ) .
رواه البخاري ( 4802 ) ومسلم ( 1466 )  .
 ليس من المستحيل أن يجد الرجل امرأة صالحة تعينه على طاعة الله ، وتقوم بخدمته ،  وتربي أولاده ، وتحفظ ماله وبيته ، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بنكاح ذات  الدِّين ، ولولا أنه بمقدور الرجل واستطاعته أن يجد تلك المرأة المتدينة لما أوصاه  نبيه صلى الله عليه وسلم بتزوجها ، وهو الذي أخبر في الحديث نفسه أن من الرجال من  ينكح المرأة لجمالها ، ومنهم من ينكحها لحسبها ، ومالها ، فالرجال يختارون من  النساء كلٌّ حسب رغبته ، وعادته ، وعرفه ، والوصية لجميع المسلمين بأن يكون البحث  عن ذات الدين ، والاقتران بها ؛ لأن في التزوج منها خيراً يراه الرجل في نفسه ، وفي  بيته ، وعلى أولاده .
 ولا ينبغي لك أخي السائل قطع الأمل من وجود امرأة صاحبة دين وخلق ، فما تزال أمة  الإسلام بخير ، وما تزال بيوت المسلمين تربي أجيالاً من النساء يحملن أخلاق الإسلام  ، ويتربين عليه .
 ولا يعني فشل تجربة في الزواج أن الحكم سينساق ليشمل كل زواج بعده ، فلا يخرج ما  حصل معك أولاً عن كونه عقوبة لك بسبب تقصيرك في السؤال والاستفصال عن المرأة التي  تزوجتها .
 والناس يعرف بعضهم بعضاً ، ويختلط بعضهم ببعض ، فلا يخفى حال الأسرة وأفرادها عن  أقربائهم ، وجيرانهم ، كما أن أفراد الأسرة يختلطون في المسجد ، والمدرسة ،  والزيارات ، فتُعرف المرأة الصالحة من عكسها ، ويُعرف الرجل المتدين من عكسه ؛ وذلك  بمحافظتهما على الصلاة ، والالتزام بالشرائع الظاهرة ، والأخلاق في التعامل مع  الآخرين ، وما يخفيه أحدهم في باطنه : فهذا مما لا يمكن لأحد معرفته ، ولا يلام من  اغتر بصلاح الظاهر وخفي عليه فساد الباطن ؛ إذ لم يكلفنا ربنا بشق بواطن الناس  والاطلاع عليها .
 ثم إن ما يجري على النساء اللاتي تبحث بينهن عن شريكةٍ لحياتك يجري عليك أيضاً !  فما الذي يُدري الناس بحقيقة أمرك ، وعلم باطنك ؟! وقد أوصي الأولياء بأن يزوجوا  أهل الدين والخلُق من الرجال ، وذلك بحسب ما يظهر منهم ، مع السؤال والاستفصال من  المقربين لهذا الخاطب ، وما قد يقع من الإيهام والخديعة من قبَل المرأة فإنه قد يقع  مثله – بل وأضعافه – من الرجال ، فلا ينبغي لك أخي السائل أن تقلق وأن تغتم بسبب  زواجك الأول ، وكل ما عليك الآن هو البحث بأناة ، وسؤال أهل الخير عن الأسر الفاضلة  الكريمة التي ربَّت بناتها على طاعة الله تعالى ، وعلى الأخلاق الفاضلة ، ومن ثمَّ  تخصص سؤالك عمن ترغب نكاحها من تلك الأسرة بسؤال صديقاتها وزميلاتها عن التزامها  واستقامتها وعن أخلاقها وتعاملها ، وبذلك تكون حققت وصية النبي صلى الله عليه وسلم  ، والمرجو أن لا يخيب ظنك بها ، وأن لا تخيِّب أنت ظنهم بك .
 ونسأل الله تعالى أن يوفقك لحسن الاختيار ، وأن يرزقك زوجة صالحة ، تعفُّك ، وتعفها  ، وتُحسن إليها وتُحسن إليك ، وأن يرزقكم ذرية طيبة .
 ولمعرفة مواصفات الزوجة انظر جوابي السؤالين : ( 26744 ) و ( 10376 ) .
 والله الموفق
معنى ( الخبيثات للخبيثين ) وهل يمكن العثور على زوجة صالحة ظاهراً وباطناً ؟!
السؤال: 103845
كتبت هذه الرسالة بعد قراءتي لمقال وفي آخر المقال ذكر الموقف التالي: ساق اللالكائي بسنده أن الحسن بن زيد لما ذَكَرَ رجل بحضرته عائشة بذكر قبيح من الفاحشة ، فأمر بضرب عنقه ، فقال له العلويون : هذا رجل من شيعتنا ، فقال : معاذ الله ، هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم ، قال الله عزّ وجلّ : ( الخبيثاتُ للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطّيِّباتُ للطّيِّبين والطَّيِّبون للطَّيِّبات أولئك مُبرَّئون ممّا يقولون لهم مَّغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ ) ، فإن كانت عائشة رضي الله تعالى عنها خبيثة فالنبي صلى الله عليه وسلم خبيث ، فهو كافر ، فاضربوا عنقه ، فضربوا عنقه .
فما هو تفسير آية ( الخبيثاتُ للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطّيِّباتُ للطّيِّبين والطَّيِّبون للطَّيِّبات أولئك مُبرَّئون ممّا يقولون لهم مَّغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ ) ؟!
وقد حدثت لي تجربة شخصية من عهد قريب ، حيث تزوجت من فتاة كنت أعتقد فيها الصلاح ، وكان هدفي هو إقامة بيت مسلم أحاول فيه بكل جهدي أن أسير على نهج رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام ، ومن بعده صحابته الكرام رضي الله عنهم أجمعين ، وبدون الكثير من التفاصيل فقد قصَّرت في حق نفسي ، ولم أُحسن السؤال عنها وعن أخلاقها ، ووجدتها - غفر الله لي ولها - على جانب عظيم من الخبث ، وأكثر حديثها كذب وخداع ، ولم أشعر أن عندها أي حب للدين أو للالتزام ، وقد طلقتها بعد أن أنجبتُ منها مرة واحدة بعدما يئستُ تماماً من الإصلاح ، وأنا في قلبي حب شديد للدِّين ، ولمن أراه من الصالحين ، وفي المقابل عندي بغض شديد لمن أراه غير ملتزم ، وبالذات إن كان يصر على المعصية أو يجاهر بها ، المهم كانت تجربة زواجي وطلاقي أقسى وأمرّ ما مررت به في حياتي ، وأنا الآن خائف من تكرار التجربة ، وهل سأجد من تعينني على الصلاح ، وكيف أطمئن طالما تعوَّد الناس على إظهار غير حقيقتهم وبالذات عند هذه الأمور ؟ لأني قبل أن أتزوج تلك الفتاة كنت قد استخرت الله كثيراً ، وكنت أحيانا أبكي أثناء الصلاة ليرشدني الله ، وبالذات لما كنت أرى علامات منها ، أو من أسرتها لا تدل على الالتزام الحقيقي ، أنا لا أبرئ نفسي من الخطأ والتقصير ، ولا أزكى نفسي ، ولكني - والله - أحب دينه ، وأغار عليه بشدة ، وأبغض الكذب بغضاً شديداً ، باختصار : فإني لست أظن مهما سألت أو جمعت المعلومات أو حاولت دراسة شخصية الفتاة قبل الارتباط بها - مع الضوابط الشرعية بالطبع - أني سأحسن الاختيار ، إلا برحمة وفضل من الله ، كما أن الزواج أصبح شديد الصعوبة هذه الأيام ، وأصعب وأشد ما فيه هو كيف أجد هذه الزوجة الصالحة ، فوالله إني لأظنه الآن من أصعب الأمور ، وأكاد أظنه من المستحيلات إلا بقدر الله وتوفيقه عز وجل ، وعندما أسمع أو أقرأ هذه الآية فإني بدون إرادتي أشعر بالحزن الشديد ، فهل تعني هذه الآية أنني ما تزوجت هذه الفتاة إلا لأني أستحقها ؟ أعلم أنه بلاء من الله ، ولكني أبغي سماع رأي واضح في تفسير الآية ، وإن أمكن الرد على باقي ما ذكرته من الاستفسارات .
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟