0 / 0

ابنتهم ترتكب الكبائر والموبقات فكيف يتصرف أهلها معها ؟

السؤال: 96371

أعرف أسرة ملتزمة – ولله الحمد – لكنهم ابتلوا بابنة
لهم عاصية ، ترتكب المحرمات ، وأخص بالقول الكبار ، من عقوق الوالدين ، وفاحشة ،
وشرب خمر ، وتدخين , هذه البنت لم تعد في بيت أهلها , فهي تهرب من البيت ، وفي بعض
الأوقات تعود وتجلس في البيت لمدة قصيرة ، لكنها سرعان ما تخرج مرة ثانية من البيت
، ووالدتها ينفطر قلبها لما تفعل ، وحاليّاً تريد فتوى شرعية تبيِّن ماذا يتوجب على
الوالدين فعله عندما تعود إلى البيت ؛ هل يطردونها ، أم يبقونها في البيت ، مع
العلم أنها تشكل خطراً على إخوتها الصغار ؟

أفيدوني ، أفادكم الله ، والله يجزيكم عنا ألف ألف خير .
 

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

نسأل الله تعالى أن يفرِّج همَّ تلك الأسرة ، وأن يرفع عنها البلاء ، وأن يأجرهم على صبرهم على مصيبتهم في ابنتهم ، كما نسأله تعالى أن يهدي تلك الابنة ، وأن يصلح قلبها ويوفقها للتوبة الصادقة .
ويجب أن يعلم أهلها أن ما يرونه من منكرات من ابنتهم يوجب عليهم إنكاره ، ومنعه .
وفي ” الموسوعة الفقهية ” ( 39 / 123 ، 124 ) :
” اتّفق الفقهاء على أنّ المنكر منهيّ عنه ، وقد ثبت النّهي عن المنكر بالكتاب والسنّة والإجماع ، فمن الكتاب قوله تعالى : ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ) ، ومِن السنّة قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) ، وحكى النّووي الإجماع على وجوب النّهي عن المنكر .” انتهى

وحديث (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ … ) رواه مسلم ( 49 ) من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، وهو يوجب على الآباء الأخذ على أيدي أبناتهم وبناتهم ، ومنعهم من إحداث المنكرات ، وتغييرها بأيديهم ؛ لأن لهم السلطة عليهم ، كما للحاكم سلطة على الناس .
قال النووي – رحمه الله – :
ثم إن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فرض كفاية ، إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين ، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف ، ثم إنه قد يتعين ، كما إذا كان في موضع لا يعلم به الا هو ، أولا يتمكن من إزالته الا هو ، وكمن يرى زوجته ، أو ولده ، أو غلامه على منكر ، أو تقصير في المعروف .
” شرح النووي على مسلم ” ( 2 / 23 ) .

ويجب – ابتداءً – أن تعلم تلك الأسرة ثلاث مسائل مهمة :
الأولى :
أنه من الخطأ العظيم السماح لابنتهم بالخروج من البيت ، ولو إلى المدرسة ، أو حتى إلى المسجد ، بل عليهم منعها من ذلك ، ولو بالقوة ، أو بحبسها في غرفتها ، مع عدم تمكينها من شيء تؤذي به نفسها ، وعدم تمكينها من الاتصال بأحدٍ ؛ خشية أن تلحق الأذى بأهلها ، كما هو معمول به في بعض الدول الإسلامية التي تقلِّد به الدول الكافرة المنحلة من كل خلُق وفضيلة ؛ حيث تمنع الوالديْن من تربية أولادهم تربية إسلامية ، وتمنعهم من استعمال الشدة في التربية ، حتى لقد يسجنون الأب أو الأخ في حال ثبت منعه لإحدى أخواته من ممارسة حريتها – زعموا – !!

والثانية :
عدم طرد ابنتهم خارج البيت ، فإن فعلوا ذلك وطردوها : تسببوا في وقوعها في الآثام والمعاصي التي تفعلها خارج بيت أهلها ، ومكَّنوها من لقاء صحبتها الفاسدة ، والأمر الذي يؤدي إلى هذه الأفعال منها يصبح منكراً وحراماً ، فلا يجوز لهم الإنكار عليها بطردها ، ومن المعلوم في هذه الشريعة المطهرة أن إنكار المنكر يجب أن لا يؤدي إلى منكر أعظم منه ، وإلا كان هو بنفسه حراماً .

والثالثة :
أنه لا يجوز لأحدٍ من أهلها إقامة الحد عليها ، ولا قتلها ، كما تفعله بعض الأسَر ، وقد بيَّنا هذه المسألة بتفصيلٍ وافٍ في جواب السؤال رقم ( 8980 ) فلينظر .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
عن امرأة مزوجة بزوج كامل ، ولها أولاد ، فتعلقت بشخص من الأطراف أقامت معه على الفجور ، فلما ظهر أمرها : سعت في مفارقة الزوج ، فهل بقي لها حق على أولادها بعد هذا الفعل ؟ وهل عليهم إثم في قطعها ؟ وهل يجوز لمن تحقق ذلك منها قتلها سرّاً ؟ وإن فعل ذلك غيره يأثم ؟ .
فأجاب :
الواجب على أولادها وعصبتها أن يمنعوها من المحرمات ، فان لم تمتنع إلا بالحبس : حبسوها ، وإن احتاجت إلى القيد : قيدوها ، وما ينبغي للولد أن يضرب أمَّه ، وأما برُّها : فليس لهم أن يمنعوها برَّها ، ولا يجوز لهم مقاطعتها بحيث تتمكن بذلك من السوء ، بل يمنعوها بحسب قدرتهم ، وإن احتاجت إلى رزق وكسوة رزقوها وكسوها ، ولا يجوز لهم إقامة الحد عليها بقتل ولا غيره ، وعليهم الإثم في ذلك .
” مجموع الفتاوى ” ( 34 / ص 177، 178 ) .
وجواب شيخ الإسلام رحمه الله شمل المسائل الثلاثة التي نبهنا عليها ، وإذا كان – رحمه الله – قد أفتى بحبس الأم وربطها : فأولى أن يُفتى بذلك في الابنة ، وحق الابنة دون حق الأم بمراحل .

ونوصي الأهل – كذلك – بهذه الأمور :
1. مداومة النصح والتوجيه والوعظ للابنة العاصية ، وتنويع طرق ذلك ، فمرة منهم ، ومرة من غيرهم من أقاربهم ، أو من صديقاتها ، ومرة بالسماع ، وأخرى بالمشاهدة ، وثالثة بالقراءة ، ورابعة بذكر مآسي من سبقن إلى طريق الفساد والرذيلة ، وكيف آل أمرهم إلى الضياع في الدنيا , فضلا عما أعد الله تعالى لأهل معصيته ، والمتعدين لحدوده سبحانه .
2. الانتقال بالكلية من المكان الذي يعيشون فيه ، إن كانت بيئة ذلك المكان تؤثر سلباً على أخلاقها وسلوكها ، وإن تعذَّر ذلك : فلينتقل بعض أهلها للسكن في مكانٍ بعيد عن بيئتها الحالية ، إن رأى أهلها أن ذلك مما يمكن أن يساهم في إصلاح حال ابنتهم .
3. عدم تمكين صاحبات السوء من زيارة ابنتهم واللقاء بها .
4. لا مانع أثناء حبسها في البيت من تشغيل مواد نافعة لها ، كالبرامج الوثائقية ، أو الحوارات النافعة من القنوات الموثوقة ، وذلك لسببين :
الأول : حتى لا يقتلها التفكير والوحدة ، وتذهب أفكارها لأشياء فيها ضرر عليها .
والثاني : أنه قد يكون في بعض تلك المواد النافعة ما تتأثر به ، ويساهم في إصلاحها .
5. لا ينبغي أن يقع بين أفراد الأسرة خلاف أو تناقض في أمر حبسها في البيت ، ولا أن تأخذهم رأفة لحالها قبل أن يتأكدوا من صلاحها ، والله تعالى يقول : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) النور/2 ، فإذا كان الله تعالى قد نهى أن تأخذنا الرأفة أثناء إقامة الحد الشرعي : فأولى أن يكون الأمر كذلك عند التعزير .
6. وليحرص الجميع على الدعاء لها بصدق وإخلاص ، وخاصة أمها المكلومة ، وليثقوا بربهم تعالى أنه قادر على تغيير حالها إلى ما هو أحسن ، فليلحوا في الدعاء والسؤال .
ونسأل الله تعالى أن يوفقهم وأن يرفع البلاء عنهم ، ونسأله تعالى أن يهدي ابنتهم لما يحب تعالى ويرضى .

والله الموفق

 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android