لماذا لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يشارك في القتال، ويدع الصحابة يدافعون عنه، مع أنه كان أقوى منهم جميعا؟ فحين نقرأ عن أعظم القواد نجد أنهم كانوا يطلبون المبارزات، ويقاتلون مع الجيش، أرجو الرد، وتوضيح عدم قتال النبي صلى الله عليه وسلم مع إنه أعطي قوة عظيمة؟ وهل قوله (من يردهم عنا) من باب التشجيع لهم، أم من باب الإنسحاب التكتيكي؟ أم إنه مجرد حماية النفس؟
لماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يأذن لأصحابه بالدفاع عنه في المعارك؟
السؤال: 391878
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
لا حرج على المسلم إذا وقعت له شبهة، أو حصل عنده إشكال متعلق بالسنة النبوية أو غيرها مما له تعلق بالشرع أن يسأل ليزيل عن نفسه الشبهة .
ولكن الواجب أن يكون ذلك في إطار من تعظيم الشريعة، وتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم ، فيحفظ المسلم لسانه عما يناقض تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم، وليعلم أنه يتحدث عمن اختاره الله تعالى وفضله على جميع البشر، وجعله سيد ولد آدم أجمعين.
فالانتقاص من حق الرسول صلى الله عليه وسلم هو انتقاص من حق الله تعالى، وهذا منافٍ للإيمان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
” فمن اعتقد الوحدانية في الألوهية لله سبحانه وتعالى والرسالة لعبده ورسوله، ثم لم يتبع هذا الاعتقاد موجَبه، من الإجلال والإكرام، الذي هو حالٌ في القلب يظهر أثره على الجوارح، بل قارنه الاستخفاف والتسفيه والازدراء، بالقول أو بالفعل: كان وجود ذلك الاعتقاد كعدمه، وكان ذلك موجبا لفساد ذلك الاعتقاد، ومزيلا لما فيه من المنفعة والصلاح، إذ الاعتقادات الإيمانية تزكي النفوس وتصلحها، فمتى لم توجب زكاة للنفس ولا صلاحا؛ فما ذاك إلا لأنها لم ترسخ في القلب” انتهى من “الصارم المسلول” (3/700).
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
” أصل الدين مبني على تعظيم الله، وتعظيم دينه ورسله، والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل، ومناقض له أشد المناقضة ” انتهى من “تفسير السعدي” (ص 342-343).
ثانيا:
ليست الشجاعة بكثرة القتل، ولا بالطعن بالرماح، والضرب بالسيوف.
وإنما الشجاعة صفة في القلب، وهي ثبات القلب وعدم خوفه وجزعه عند حلول الحوادث الكبار والأخطار العظيمة، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم.
ونحن ننقل لك كلاما لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يبين لك ذلك، وهو مع طوله إلا أنه هام في بابه، ويزيل عنك إشكالاتك.
قال رحمه الله:
“مسألة في رجلين تكلما فقال أحدهما: إن عليًّا أشجع من أبي بكر، وقال آخر: إن أبا بكر أشجع الصحابة.
الجواب
الذي عليه سلف الأمة وأئمتُها أن أبا بكر الصديق أعلم الصحابة، وأدينُ الصحابة، وأشجعُ الصحابة، وأكرمُ الصحابة، وقد بُسِط هذا في الكتب الكبار وبُيِّن ذلك بالدلائل الواضحة.
وذلك أن الشجاعةَ ليستْ عند أهلِ العلم بها كثرةَ القتل باليد، ولا قوةَ البدن؛ فإن نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشجع الخلق، كما قال علي بن أبي طالب: كُنّا إذا احمرَّ البأسُ ولَقِيَ القومُ القومَ، كُنَّا نتّقي برسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان يكون أقربَ إلى القوم منا، وقد انهزمَ أصحابُه يومَ حُنَين وهو على بَغْلِه يسوقُها نحو العدوّ، ويتسمَّى بحيث لا يُخفِي نفسَه، ويقول:
أنا النبيّ لا كَذِبْ * أنا ابنُ عبد المطلبْ
ومع هذا فلم يَقتُل بيده إلا واحدًا، وهو أُبيّ بن خلف، قتلَه يومَ أُحُد.
وكان في الصحابة من هو أكثر قتلاً من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وإن كان لا يفضل عليهم في الشجاعة، مثل البراء بن مالك أخي أنس بن مالك، فإنه قتلَ مئةَ رجلٍ مبارزةً، غيرَ مَن شركَ في دَمِه.
ولم يقتل أحد من الخلفاء على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا العدد، بل ولا حمزةُ سيّدُ الشهداء الذي يُقال: إنه أسدُ الله ورسولِه، لم يَقتلُ هذا العدد، وهو في الشجاعة إلى الغاية. وكذلك الزبير بن العوَّام هو في الشجاعة إلى الغاية، حتى قال فيه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح: (إن لكل نبيٍّ حواريًا، وحَوارِي الزبيرُ)، ولم يَقتُل في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا العددَ.
وغزواتُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسراياه مضبوطة عند أهل العلم بالسيرةِ والحديث، والله تعالى كان يُبارِك لنبيّه وأصحابه في مغازيهم، فمع العمل القليل، يَظهرُ الإسلام وتفشو الدعوة ويدخلون في دين الله أفواجًا، ومجموعُ من قَتَلَ الصحابةُ كلُّهم مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَبلُغون ألفَ نفسٍ، بل أقلّ من ذلك، ومع هذا، ببركة الإيمان: فُتِحتْ أرضُ العرب كلُّها في حياتِه…”
ثم قال:
“وإذا تبيَّن هذا؛ فالشجاعة هي ثباتُ القلب وقوتُه، وقوَّةُ الإقدامِ على العدوِّ، والبعدُ عن الجزع والخوف.
فهي صفة تتعلق بالقلب؛ وإلاَّ فالرجل قد يكون بدنُه أقوى الأبدان، وهو من أقدر الناس على الضرب والطعن والرمي، وهو ضعيف القلب جَبَان، وهذا عاجزٌ.
وقد يكون الرجل يَقتُل بيده خلقًا كثيرًا، وإذا دَهَمَتْه الأمور الكبار: مالتْ عليه الأعداءُ، فيضعُف عنهم، أو يَخاف” انتهى، مختصرا، من “جامع المسائل” (3/247- 250).
ثالثا:
الصحابة رضي الله عنهم لم يخطر لهم ببال، ولا طرأ لهم في خيال: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزج بهم في المخاوف، ليأمن على نفسه، وحاشاه من ذلك، بأبي هو وأمي، صلى الله عليه وسلم ؛ بل كل منهم كان يتمنى لنفسه أن تتشرف بهذا المقام العظيم، وتحظى بهذه الفضيلة؛ أن يقاتل بين بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يبذل روحه دون روحه، ودمه دون دم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر ابن هشام في سيرته (2/272)، عن غزوة بدر:
” قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث: أن سعد بن معاذ قال: يا نبي الله، ألا نبني لك عريشا تكون فيه، ونعد عندك ركائبك، ثم نلقى عدونا، فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا، كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الأخرى، جلست على ركائبك، فلحقت بمن وراءنا من قومنا، فقد تخلف عنك أقوام، يا نبي الله، ما نحن بأشد لك حبا منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك، يمنعك الله بهم، يناصحونك ويجاهدون معك. فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا، ودعا له بخير، ثم بني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش، فكان فيه ” انتهى.
بل كان ذلك العزم منهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم غائب عنهم، كما لو كانوا بين يديه، تماما، لا فرق بين المقامين، لأنهم يقومون بحق الإيمان الثابت في قلوبهم، لا بحق طاعة الأمير والقائد، أو تنفيذ أمره، وإن كرهوه!!
فتأمل ما جرى لزيد ابن الدَّثِنَة، رضي الله عنه، لما وقع في أسر المشركين.
قال ابن إسحاق: وأما زيد بن الدثنة: فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه، أمية بن خلف، وبعث به صفوان بن أمية مع مولى له، يقال له نسطاس، إلى التنعيم، وأخرجوه من الحرم ليقتلوه. واجتمع رهط من قريش، فيهم أبو سفيان ابن حرب، فقال له أبو سفيان حين قدم ليقتل: أنشدك الله يا زيد، أتحب أن محمدا عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه، وأنك في أهلك؟
قال: والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه، وأنى جالس في أهلي.
قال: يقول أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا.
ثم قتله نسطاس، يرحمه الله.” انتهى من “سيرة ابن هشام” (2/172).
وقد روي نحو من ذلك عن خبيب بن عدي، رضي الله عنه أيضا. ينظر: “المعجم الكبير” للطبراني (5/259).
والحاصل:
أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالقتال والنصرة، لم يكن من باب الاحتماء والتغرير بهم ، حاشاه صلى الله عليه وسلم، وإنما كان إقامة لحق النُّصرة والتعزير والتوقير الذي طلبه الله منهم، وإرشادا إلى ما هو واجب عليهم بأمر الله تعالى، وبما بايعوا عليه، فأرشدهم إلى الأصلح والأنفع لهم عند الله تعالى، حيث قال الله تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ …) الفتح/8–9.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
” الله فرض علينا تعزير رسوله وتوقيره.
وتعزيره: نصره ومنعه.
وتوقيره: إجلاله وتعظيمه…
نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض علينا؛ لأنه من التعزير المفروض؛ ولأنه من أعظم الجهاد في سبيل الله، ولذلك قال سبحانه: (مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) إلى قوله: (إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ)” انتهى من “الصارم المسلول” (2/ 394-395).
رابعاً:
حث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بقوله: (مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا)؛ لا ليستزيد من متاع هذه الدنيا، ولا جزعا على فراقها؛ وكيف يتصور عاقل ذلك، أو يتوهمه واهم.
وتأمل حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ عَلَى المِنْبَرِ فَقَالَ: (إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ، وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ)!!
فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا!!
فَعَجِبْنَا لَهُ، وَقَالَ النَّاسُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ، يُخْبِرُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَبْدٍ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا، وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا؟!
فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ المُخَيَّرَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ أَعْلَمَنَا بِهِ”.
رواه البخاري (3904)، ومسلم (2382).
وعن عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ صَحِيحٌ: (إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، ثُمَّ يُخَيَّرَ)، فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ، وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي غُشِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى سَقْفِ البَيْتِ، ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى)، فَقُلْتُ: إِذًا لاَ يَخْتَارُنَا، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ الحَدِيثُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا وَهُوَ صَحِيحٌ، قَالَتْ: فَكَانَتْ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا: (اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى).
رواه البخاري (4463)، ومسلم (2444).
وإنما كان ذلك منه، صلى الله عليه وسلم قياما بأمر ربه، واستبقاء لمقام الرسالة، حتى يكمل الله دينه، ويتم على عباده نعمته؛ ثم يقضي الله في نبيه ما لا بد لخلقه جميعا منه.
عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: ” مَكَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، يَتْبَعُ النَّاسَ فِي مَنَازِلِهِمْ بعُكَاظٍ وَمَجَنَّةَ، وَفِي الْمَوَاسِمِ بِمِنًى، يَقُولُ: (مَنْ يُؤْوِينِي؟ مَنْ يَنْصُرُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي، وَلَهُ الْجَنَّةُ؟) رواه الإمام أحمد في “المسند” (22/ 346–348).
وقال محققو المسند: “إسناده صحيح على شرط مسلم”.
فهو صلى الله عليه وسلم يطلب النصرة ليستكمل جهاده في تبليغ الدين الذي كلف به.
وكذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم وإذنه لأصحابه بأن يدفعوا عنه الكفار؛ هو من باب سياسته للحرب، حتى يتفرغ لما هو أهم من قتل الكفار؛ وهو أمر سياسة المعركة وتدبير سيرها، حيث كان صلى الله عليه وسلم مشغولا بالتوجيه والتثبيت ونصح الفارين.
قال الله تعالى:(إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) آل عمران/153.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
“وقوله:( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ ) أي: صرفكم عنهم ( إِذْ تُصْعِدُونَ) أي: في الجبل هاربين من أعدائكم…
( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ ) أي: وأنتم لا تلوون على أحد من الدهش والخوف والرعب.
( وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ ) أي: وهو قد خلفتموه وراء ظهوركم، يدعوكم إلى ترك الفرار من الأعداء، وإلى الرجعة والعودة والكرة” انتهى. من “تفسير ابن كثير” (2/137).
خامسا:
أنه صلى الله عليه وسلم أرسل رحمة لجميع الناس.
قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء/107.
فمن رحمته أنه لا يقصد قتل أحد من الكفار إلا من لم يجد بدًّا من قتله، وذلك لأن مَنْ قتله نبيٌّ سيكون من أشد الناس عذابا يوم القيامة.
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:
” اعلم أن الأنبياء بعثوا بالرحمة واللطف، فلا يقصدون بالقتل إلا المبارز بالعناد” انتهى من “كشف المشكل ” (2/421).
وعن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) رواه البخاري (4073)، ومسلم (1793).
وبكل حال؛ فإن أدنى معرفة برسول الله صلى الله عليه وسلم، بشخصه، وهديه، وسنته، وسيرته؛ تدل دلالة قاطعة على ما كان عليه من عظيم القدر، ومكارم الأخلاق، وقوة القلب، وثباته، وكونها في الذروة من مكارم الأخلاق، جميعها، وأبعد الناس عن سفاسفها. فليعتن العبد الناصح لنفسه، الطالب لمعرفة قدر نبيه: بدراسة سنته، وسيرة، وكتب السنة والسيرة والشمائل تملأ أرفف المكتبات لطالبها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله:
” وقَدْ أوْعَبَتْ الأُمَّةُ فِي كُلِّ فَنٍّ مِن فُنُونِ العِلْمِ إيعابًا؛ فَمَن نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ، هَداهُ بِما يَبْلُغُهُ مِن ذَلِكَ. ومَن أعْماهُ، لَمْ تَزِدْهُ كَثْرَةُ الكُتُبِ إلّا حَيْرَةً وضَلالًا؛ كَما قالَ النَّبِيُّ لِأبِي لَبِيدٍ الأنْصارِيِّ: أوَلَيْسَتْ التَّوْراةُ والإنْجِيلُ عِنْدَ اليَهُودِ والنَّصارى؟ فَماذا تُغْنِي عَنْهُمْ؟.
فَنَسْألُ اللَّهَ العَظِيمَ أنْ يَرْزُقَنا الهُدى والسَّدادَ، ويُلْهِمَنا رُشْدَنا، ويَقِيَنا شَرَّ أنْفُسِنا، وأنْ لا يُزِيغَ قُلُوبَنا بَعْدَ إذْ هَدانا، ويَهَبَ لَنا مِن لَدُنْهُ رَحْمَةً، إنّهُ هُوَ الوَهّابُ والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ. وصَلَواتُهُ عَلى أشْرَفِ المُرْسَلِينَ.” انتهى من “مجموع الفتاوى” (10/665).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب