منذ حوالي ثلاثة أعوام وأنا أريد ارتداء النقاب، وأُحاول إقناع أبي، وهو يرفض بشدة فارتديتُـه منذ حوالي ثمانية أشهر، دون إذن أهلي، وحدثت مشاكل، حاولت أن أحلّها بأنْ أعتذر لأبي عما فعلته، فعندما ذهبتُ لأعتذر له، طلب مني القسَـم أمامه وأمام أمي وإخوتي أن لا أرتدي النقاب مرة أخرى، وجعل أبي يقول ألفاظ القسَم، وأنا أقول وراءه مثلما يقول. وكان مضمون القسَم: أنْ لا أرتدي النقاب خارج أو داخل المنزل، وأنْ لا أقوم بتغطية وجهي بأي شيء آخر، لكن مسموح لي بإرتداء الكمامة فقط، وعليَّ غضب الله إن خالفتُ ما أقسمتُ به. لكني أضفتُ "وعليَّ غضب الله، وسخطه ولعنته إن خالفت"، وأنا الآن وطيلة الثمانية أشهر تقريبًـا أخرج وكأني منتقبة، وألتزم بالكمامة دائمًا، وأقوم بتغطية الحاجبين والجبهة، وأرتدي القفازين، ولا يظهر مني سوى عيناي بفضل الله. فالسؤال، هل قسَمي هذا يعد قسَمًا بالفعل، ويجب عليَّ الوفاء به، أم لا؟ علمًا بأني كنتُ أقسِم دون إجبار من أبي، بل كنتُ أعي ما أقول جيدًا، وماذا يجب عليَّ فعله؟ هل أستمر هكذا بالكمامة، مع استمراري في محاولة إقناع أبي بالنقاب مرة أخرى ، أم ماذا؟ وهل يعد ما أرتديه نقابًا، أؤجَـر عليه؟ أم لا؟ وهل أأثَم بخروجي بالكمامة؟ وهذا يعد مخالفة لقسَمي أم لا؟ وإن كان جوابكم بـنعم عليَّ إثم: فماذا أفعل؟ وإن كان جوابكم بـليس عليَّ إثم: فهل هناك إثم إن قمتُ بتغطية وجهي بالكمامة في المنزل بدون سبب أم هذا لا يعد مخالفة لقسَمي بأنْ لا أغطي وجهي؟ وأخيرًا، أود منكم توجيه رسالة لأبي أو محاولة في إقناعه بالنقاب، عساه يوافق ويَكتب الله لكم الأجر.
والدها يمنعها من لبس الحجاب وجعلها تحلف على ذلك!
السؤال: 379928
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
يجب على المرأة أن تستر جميع بدنها عن الرجال الأجانب ، وقد دل على ذلك أدلة كثيرة من القرآن الكريم والسنة النبوية ، قال الله تعالى : يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا الأحزاب/59
قال ابن عباس رضي الله عنهما : " أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة " .
وقد سبق بيان أدلة ذلك بالتفصيل في جواب السؤال رقم: (11774) .
ثانيا :
إذا رزق الله تعالى الرجل ابنا صالحا أو ابنة صالحة تريد أن تطيع الله ورسوله ، فالواجب عليه شكر هذه النعمة ومساعدة ابنته على ذلك ، بدلا من أن يكون حجر عثرة في طريق طاعتها لله ورسوله .
وكثير من الآباء الذين وقفوا في طريق أولادهم عضوا أصابع الندم ، إذ انحرف أولادهم عن الطريق المستقيم ، وصاروا عاقين لوالديهم ، لا يستطيع الأب أن يقف أمام رغباتهم التي لا تنتهي ، ولا يكاد يتحمل بذاءتهم ، وسوء أدبهم .
ولهذا ، فإنه ينبغي لهذا الأب أن يكون معينا لابنته على طاعة الله ورسوله ، فذلك هو الواجب عليه ، وهو الخير له ولها في الدنيا والآخرة . قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ التحريم / 6. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ .. وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ رواه البخاري (7138)، ومسلم (1829) .
فليعلم أنه مسئول بين يدي الله تعالى : كيف ينهى ابنته عن امتثال أمر الله تعالى ، وهل يريد ذلك الأب أن يكون أمره مقدما على أمر الله ؟!
ثالثا :
وأما اليمين التي أقسمتها ، فإنه لا يجب عليك الوفاء بها، بل لا يجوز ذلك ، لأنها يمين على معصية الله تعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ رواه مسلم (1650) .
فإن كنتِ حلفت وأنت تخشين من أبيك أن يؤذيك بالضرب أو الشتم، أو يمنعك مما تحتاجين إليه، فأنت في هذه الحال مكرهة، لا إثم عليك ولا كفارة .
وإن كنت لم تخشي شيئا من ذلك، فلستِ مكرهة، وعليك كفارة يمين، فتكسين عشرة مساكين، أو تطعمينهم، فإن لم تستطيعي صمت ثلاثة أيام.
وقد سبق بيان كفارة اليمين بالتفصيل في السؤال رقم: (45676) .
رابعا :
ما تلبسينه لا يعد نقابا، لا لغة ولا عرفا، فالنقاب لباس معروف تلبسه المرأة تستر به وجهها، وبه فتحة للعين، لكن ما تلبسينه لا إثم عليك فيه، بل تؤجرين إن شاء الله تعالى، لأن هذا هو ما في استطاعتك الآن، وبه يحصل الستر المطلوب، وإن كان النقاب أحسن وأكمل في الستر، وبه تظهر طاعة المرأة لله وعفتها وطهارتها، كما قال الله تعالى بيانا لحكمة فرضية الحجاب على النساء في الآية السابقة : ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ .
قال السعدي رحمه الله :
"ثم ذكر حكمة ذلك، فقال: (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) دل على وجود أذية، إن لم يحتجبن، وذلك، لأنهن إذا لم يحتجبن، ربما ظن أنهن غير عفيفات، فيتعرض لهن من في قلبه مرض، فيؤذيهن … فالاحتجاب حاسم لمطامع الطامعين فيهن" انتهى .
أما الكمامة –ففي الوقت الحالي- يلبسها كل الناس ، فلا يحصل بها هذه الحكمة من الحجاب .
خامسا :
أما ستر الوجه بالكمامة داخل المنزل بلا سبب ، فلا نرى داعيا لذلك ، بل لا معنى له أصلا، ولا نفهم ما الذي يحوجك إليه ؟! فالموجودون فيه هم محارمك ، فستر الوجه عنهم يُنهى عنه ، لما فيه من التشدد الذي لا يرضاه الله ورسوله .
وينظر للفائدة، حول عدم لبس الحجاب عند المحارم: جواب السؤال رقم:(224107).
وأما دخوله في اليمين فلا يدخل فيها ، لأن والدك استثنى ستر وجهك بالكمامة –كما ذكرت- .
سادسا :
الذي ننصحك به: أن تستمري في ستر وجهك بالطريقة التي أنت عليها الآن، دفعا للمشكلات والتصادم مع والدك؛ فإن الله تعالى يقول : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ التغابن/16، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ رواه البخاري(7288) ومسلم (1337) .
مع تكرار المحاولة مع والدك حتى يأذن لك بلبس الحجاب، والافتقار إلى الله تعالى بالتضرع والدعاء أن يهدي والدك، ويأخذ بناصيته إليه، ويقبل بقلبه حتى يعينك على طاعة الله وطاعة رسوله، لا أن يحول بينك وبين ذلك.
نسأل الله تعالى أن يزيدك هدى ، وأن يهدي والدك .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة