هناك قاعدة فقهية تشير بأن من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه، لكن ماذا لو تاب المرء من استعجال الشيء، أيعاقب بالحرمان؟ مثل من أتلف النصاب فراراً من الزكاة ثم تاب، فهل يعفى من الزكاة؟
من استعجل الشيء قبل أوانه ثم تاب هل يعاقب بنقيض قصده؟
السؤال: 363861
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
من قواعد الفقه: ” من استعجل الشيء قبل أوانه عُوقب بحرمانه” ، و ” مَن قصد إلى ما فيه إبطال قصد الشّارع عوقب بنقيض قصده”.
وينظر: “موسوعة القواعد الفقهية”، للدكتور محمد صدقي البرنو (10/ 927)، (11/ 1062).
ومراد الفقهاء بذلك الاستعجال: أن يكون قد استعجله على وجه محرم، أو بسبب محرم ، لتعجيل ما حقه التأخير.
قال ابن رجب، رحمه الله:
” من أتى بسبب يفيد الملك ، أو الحل ، أو يسقط الواجبات ، على وجه محرم، وكان مما تدعو النفوس إليه؛ ألغي ذلك الشرط ، وصار وجوده كالعدم، ولم يترتب عليه أحكامه.
ويتخرج على ذلك مسائل كثيرة:
– (منها): الفار من الزكاة قبل تمام الحول ، بتنقيص النصاب أو إخراجه عن ملكه : تجب عليه الزكاة …
– (ومنها): المطلِّق في مرضه: لا يقطع طلاقه حق الزوجة من إرثها منه؛ إلا أن تنتفي التهم بسؤال الزوجة ونحوه؛ ففيه روايتان.
– (ومنها): القاتل لموروثه لا يرثه، وسواء كان متهمًا أو غير متهم عند أكثر الأصحاب…
– (ومنها): قتل الموصى له الموصيَ، بعد الوصية؛ فإنه يبطل الوصية …
– (ومنها): السكران بشرب الخمر عمدًا، يُجعل كالصاحي في أقواله وأفعاله، فيما عليه، في المشهور من المذهب، بخلاف مِنْ سُكْرٍ ببنجٍ ونحوه، أو أزال عقله بأن ضرب رأسه فجن؛ فإنه لا يقع طلاقه على المنصوص؛ لأن ذلك مما لا تدعو النفوس إليه، بل في الطبع وازع عنه، ولذلك لا يجب عليه قضاء الصلاة إذ جن في هذه الحالة على الصحيح.
– (ومنها): تخليل الخمر: لا يفيد حله، ولا طهارته، على المذهب الصحيح.
– (ومنها): ذبح الصيد في حق المحرم؛ لا يبيحه بالكلية، وذبح المحِل للمحرم: لا يبيحه للمحرم المذبوح له أيضًا ..” انتهى، مختصرا، من “قواعد ابن رجب” (2/401-403).
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين، رحمه الله، في “منظومة أصول الفقه وقوعده”، له:
وكُلُّ من تعجّل الشيءَ على * وجه محرم؛ فمنعُه جلا
ثم قال في شرح ذلك:
” هذا معناه أن الإنسان إذا تعجل حقه على وجه محرم فإنه يمنع من ذلك الحق؛ لأن نعم الله -عز وجل- ورزق الله: لا ينال بمعصيته.
وأبرز مثال لذلك: ما ذكره الفقهاء -رحمهم الله- في الموصى له يقتل الموصي؛ يعني: إذا أوصى شخص لإنسان بألف ريال، ثم إن الموصى له استبطأ موت المورث الذي يستحق ما أوصى له به فقتله؛ فإنه لا حق له في الوصية، يمنع منها.
وهذا من حكمة الشريعة؛ لأنه لو أبيح لإنسان أن يتعجل حقه على وجه محرم لانتهكت الحرمات؛ لأن النفوس مجبولة على الطمع والجشع. فإذا منع الإنسان من حق تعجله على وجه محرم، فإن ذلك يردعه عن فعل المحرم الذي يستحق به -على ما زعم- ما جعل له.
ومن ذلك: قتل الوارث لمورثه، فإن الوارث قد يستبطئ موت المورث، فيقتله؛ ليرث منه، فإذا فعل ذلك منعناه من الإرث، بناء على هذه القاعدة: من تعجل شيئا قبل أوانه -على وجه المحرم- فإنه يمنع منه.
أما لو كان على وجه مباح، فإن هذا لا بأس به، كمن تعجل دينا له على شخص قبل حلول أجله بوضع شيء منه؛ مثل أن يكون له على شخص ألف ريال تحل بعد سنة، فقال صاحب الحق: أعطني ثمانمائة ريال بدلًا من الألف معجلة؛ فهنا تعجل شيئا قبل أوانه على وجه مباح؛ لأنه له أن يسقط ما شاء من دينه، فإذا أسقط من دينه شيئا في مقابل التعجيل فالأمر إليه؛ لأن هذا شيء مباح. ” . انتهى، من “شرح منظومة أصول الفقه وقواعده” (228-229) نسخة الشاملة . وينظر “الشرح الموسع”، ط دار ابن الجوزي (344-346).
ومما ينبغي أن يعلم أن القاعدة، وإن كان أصلها مقررا، معتبرا لدى الفقهاء؛ إلا أن فيما يدخل من فروع الفقه تحت هذه القاعدة، طائفة من المسائل المختلف فيها بين المذاهب، بل في المذهب الواحد، كذلك.
قال ابن قدامة رحمه الله: ” قال: (ومن كانت عنده ماشية، فباعها قبل الحول بدراهم، فرارا من الزكاة، لم تسقط الزكاة عنه) :
قد ذكرنا أن إبدال النصاب بغير جنسه يقطع الحول، ويستأنف حولا آخر. فإن فعل هذا فرارا من الزكاة، لم تسقط عنه، سواء كان المبدل ماشية أو غيرها من النصب، وكذلك لو أتلف جزءا من النصاب، قصدا للتنقيص، لتسقط عنه الزكاة، لم تسقط، وتؤخذ الزكاة منه في آخر الحول، إذا كان إبداله وإتلافه عند قرب الوجوب. ولو فعل ذلك في أول الحول، لم تجب الزكاة؛ لأن ذلك ليس بمظنة للفرار.
وبما ذكرناه قال مالك والأوزاعي وابن الماجشون وإسحاق وأبو عبيد.
وقال أبو حنيفة، والشافعي: تسقط عنه الزكاة؛ لأنه نقص قبل تمام حوله، فلم تجب فيه الزكاة، كما لو أتلفه لحاجته.
ولنا، قول الله تعالى: إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين * ولا يستثنون * فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون * فأصبحت كالصريم [القلم/17- 20] . فعاقبهم الله تعالى بذلك، لفرارهم من الصدقة، ولأنه قصد إسقاط نصيب من انعقد سبب استحقاقه، فلم يسقط، كما لو طلق امرأته في مرض موته، ولأنه لما قصد قصدا فاسدا، اقتضت الحكمة معاقبته بنقيض قصده، كمن قتل موروثه لاستعجال ميراثه، عاقبه الشرع بالحرمان، وإذا أتلفه لحاجته، لم يقصد قصدا فاسدا” انتهى من المغني (2/ 504).
وينظر: “المنثور في القواعد” للزركشي (3/183-184)، “الموسوعة الفقهية” (10/ 79).
والحاصل:
أن من تحيل على إسقاط الزكاة عنه ، على وجه محرم غير مأذون فيه ، فإنها لا تسقط عنه ، ويعامل بنقيض قصده ؛ فلو تاب ، سقط عنه الإثم، لكن لا تسقط الزكاة إذا كان الإتلاف قرب وقت الوجوب.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب