0 / 0
16,74016/06/2021

هل يؤثر السحر على عقد الزواج؟

السؤال: 359253

لى أخ تزوج، واتضح بعد ذلك أن زوجته تمارس السحر، وأخرجت أخي من بيته ليسكن معها بالإيجا، وجعلته يخسر ما يزيد على ألفين درهم على السكن المؤجر، وهو يمتلك شقة جديدة لم يسكن فيها إلا شهرين، ولكن كان تأثير السحر عليه كبيرا، وأيضا كانت مريضة قبل كتابة العقد، ولم يخبرنا أحد هل السحر يجعل العقد باطلا؟ والغش أيضا فى مسألة المرض، هل أصبح العقد باطلا أم لا، وهل هناك كفارة إذا كان العقد باطلا، وهو قد دخل بها؟

ملخص الجواب

1. هذه المرأة إن كان سحرها كفريا، فيكون الرجل قد تزوجها وهي مرتدة، فالنكاح باطل. وأما مرضها إن كان مستمرا بها، ويؤثر على العشرة الزوجية، فالعقد صحيح وللزوج الخيار في فسخ النكاح. 2. وأما إن كان سحرها ليس كفريا، ومرضها غير مؤثر على الحياة الزوجية، أو قد شفيت منه، فالنكاح صحيح، وللزوج أن يجتهد في إصلاح زوجته، حتى تترك السحر المحرم، وإن رأى أنها لا تستجيب له، فعليه أن يفارقها ويطلقها، لأن السحر مفسد مضر به وبأولاده، ويقطعهم عن أقاربهم وعن جماعة المسلمين؛ فالمجتمع المسلم عليه أن يهجر السحرة لكف شرهم.

الجواب

أولا:

حكم السحر والساحر

السحر كله محرم، لكن الساحر يختلف حكمه بحسب نوع سحره. 

فإنه ينظر في سحره؛ فإن كان سحره يحتوي على مكفرات كالتقرب للشياطين بأنواع الطاعات، وكالتقرب إليهم وإلى الجن بكتابة القرآن وأسماء الله تعالى بالنجاسات ونحوه مما هو مشهور عن السحرة، فهذا حكمه الكفر، فالمسلمة إذا مارست هذا النوع من السحر تكون مرتدة عن الإسلام.

وأما إن كان السحر لا يحتوي على مكفرات، وإنما يعتمد على استعمال عقاقير ونحوها، فهو محرم وليس بكفر.

قال الشافعي رحمه الله تعالى:

"والسحر اسم جامع لمعان مختلفة، فيقال للساحر: صف السحر الذي تسحر به! 

فإن كان ما يسحر به كلام كفر صريح استتيب منه، فإن تاب وإلا قتل، وأُخذ ماله فيئا، وإن كان ما يسحر به كلاما لا يكون كفرا، وكان غير معروف، ولم يضر به أحدا: نهي عنه، فإن عاد عزّر، وإن كان يعلم أنه يضر به أحدا من غير قتل، فعمد أن يعمله عزّر…" انتهى من "الأم" (2 / 566 – 567)

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

"السحر لغة: ما خفي ولطف سببه، ومنه سمي السحر لآخر الليل; لأن الأفعال التي تقع فيه تكون خفية، وكذلك سمي السحور؛ لما يؤكل في آخر الليل؛ لأنه يكون خفيا؛ فكل شيء خفي سببه يسمى سحرا.

وأما في الشرع; فإنه ينقسم إلى قسمين:

الأول: عقد ورقى؛ أي: قراءات وطلاسم يتوصل بها الساحر إلى استخدام الشياطين فيما يريد به ضرر المسحور، لكن قد قال الله تعالى: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ).

الثاني: أدوية وعقاقير تؤثر على بدن المسحور وعقله وإرادته وميله؛ فتجده ينصرف ويميل، وهو ما يسمى عندهم بالصرف والعطف، فيجعلون الإنسان ينعطف على زوجته أو امرأة أخرى، حتى يكون كالبهيمة تقوده كما تشاء، والصرف بالعكس من ذلك، فيؤثر في بدن المسحور بإضعافه شيئا فشيئا حتى يهلك، وفي تصوره بأن يتخيل الأشياء على خلاف ما هي عليه وفي عقله؛ فربما يصل إلى الجنون والعياذ بالله.

فالسحر قسمان:

شرك: وهو الأول الذي يكون بواسطة الشياطين؛ يعبدهم ويتقرب إليهم ليسلطهم على المسحور. 

عدوان وفسق، وهو الثاني الذي يكون بواسطة الأدوية والعقاقير ونحوها.

وبهذا التقسيم الذي ذكرناه نتوصل به إلى مسألة مهمة، وهي: هل يكفر الساحر أو لا يكفر؟

اختلف في هذا أهل العلم: فمنهم من قال: إنه يكفر ومنهم من قال: إنه لا يكفر.

ولكن التقسيم السابق الذي ذكرناه يتبين به حكم هذه المسألة، فمن كان سحره بواسطة الشياطين؛ فإنه يكفر لأنه لا يتأتى ذلك إلا بالشرك غالبا؛ لقوله تعالى:  وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ  ، إلى قوله:  وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ  ، ومن كان سحره بالأدوية والعقاقير ونحوها؛ فلا يكفر، ولكن يعتبر عاصيا معتديا." انتهى من "القول المفيد" (1 / 489).

وبناء على هذا؛ فإنه ينظر في نوع السحر الذي تباشره هذه المرأة فإن كان كفرا؛ فإن الزواج ينفسخ، بسبب ردة وكفر الزوجة؛ لأنه لا يجوز الزواج بالكافرة ولا يستثنى من ذلك إلا الكتابية.

قال الله تعالى:  وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ  البقرة/221.

وقال الله تعالى:  وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ  الممتحنة/10.

عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ، يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثَ صَاحِبِهِ، قَالاَ: " خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الحُدَيْبِيَةِ… فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ المُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ) حَتَّى بَلَغَ: (بِعِصَمِ الكَوَافِرِ) فَطَلَّقَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ امْرَأَتَيْنِ، كَانَتَا لَهُ فِي الشِّرْكِ فَتَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَالأُخْرَى صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى المَدِينَةِ..  " رواه البخاري (2731).

قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:

"هي -آية البقرة- عامة في جميع المشركات، وما أخرج عن عمومها من إباحة كافرة فبدليل خاص، وهو قوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ)، فهذه خصصت عموم تلك من غير نسخ، وعلى هذا عامة الفقهاء. وقد روي معناه عن جماعة من الصحابة، منهم: عثمان، وطلحة، وحذيفة، وجابر، وابن عباس " انتهى من"زاد المسير" (1 / 247).

وراجع للأهمية جواب سؤال: أثر الردّة على النكاح

وأما إن كان سحرها لا يحتوي على كفريات، فهو فسوق وعصيان، وعقد الزواج لا يبطل ولا يتأثر بمجرد المعصية.

وهذا كله فيما إذا كانت هذه المرأة هي نفسها الساحرة، وهي التي تمارس السحر بنفسها. 

وأما إذا كان المراد أنها تعمل له السحر، بمعنى: أنها تذهب لساحر أو ساحرة، لتسحر لها زوجها سحر العطف عليها، حتى تتمكن من التسلط والتأثير عليه، فهو جريمة في حقه زوجها بلا ريب، وهو كبيرة من الكبائر، وظلم وعدوان ، وفسق أيضا ، غير أنه لا يبلغ أن يكون كفرا بمجرده ، ولا ينفسخ نكاحهما بذلك. 

ثانيا:

مرض الزوجة وتأثيره على عقد النكاح

مرض هذه المرأة ينظر فيه:

فإن كان قائما بها وقت عقد النكاح، فله حالتان:

الحالة الأولى: أن يكون معيقا عن تحقق مقاصد النكاح، فلا تتحقق معه العشرة الزوجية وواجباتها، كأن يعيق الجماع أو الحمل ونحو هذا، فإن الزوج بعد علمه بالعيب له حق الخيار في فسخ النكاح إن أراد.

الحالة الثانية:

أن يكون هذا المرض لا يؤثر على الحياة الزوجية والعشرة بينهما، فهذا ليس فيه خيار، وإن كان حسن المعاملة أن يخبر به.

ومن هذه الحالة أن يكون المرض قديما غير مستمر بها، فليس عليها أن تخبر به وقت عقد النكاح، لأنه ليس له أثر على الحياة الزوجية.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

"والقياس أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة يوجب الخيار، وهو أولى من البيع، كما أن الشروط المشترطة في النكاح أولى بالوفاء من شروط البيع، وما ألزم الله ورسوله مغرورا قط ولا مغبونا بما غُرَّ به وغُبن به، ومن تدبر مقاصد الشرع في مصادره وموارده وعدله وحكمته، وما اشتمل عليه من المصالح، لم يخفَ عليه رجحان هذا القول وقربه من قواعد الشريعة…

وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حرم على البائع كتمان عيب سلعته، وحرم على من علمه أن يكتمه من المشتري، فكيف بالعيوب في النكاح؟! وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس حين استشارته في نكاح معاوية، أو أبي الجهم: (أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه)، فعلم أن بيان العيب في النكاح أولى وأوجب…" انتهى من"زاد المعاد" (5/166-169).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

"ما يفوت به غرض الزوج، أو الزوجة، ينقسم إلى قسمين:

أحدهما: فوات صفة كمال.

الثاني: وجود صفة نقص.

فمثلا كونها حسنة الخلق، وكون الزوج حسن الخلق، كريما، سمحا، وما أشبه ذلك، فهذا فوات صفة كمال، ويفوت به غرض المرأة، وسعادة النكاح.

فما كان لفوات صفة كمال، فلا خيار فيه ما لم تشترط تلك الصفة.

وما كان صفة عيب، ففيه الخيار.

لكن ما هو العيب الذي فيه الخيار؟ هل هو مخصوص بأشياء معدودة، أو هو مضبوط بضابط محدود؟…

والصحيح: أنه مضبوط بضابط محدود، وهو ما يعده الناس عيبا، يفوت به الاستمتاع أو كماله، يعني ما كان مطلقُ العقد يقتضي عدمه، فإن هذا هو العيب في الواقع، فالعيوب في النكاح كالعيوب في البيوع سواء؛ لأن كلا منها صفة نقص تخالف مطلق العقد." انتهى من "الشرح الممتع" (12 / 203).

فالحاصل:

أن هذه المرأة إن كان سحرها كفريا، فيكون الرجل قد تزوجها وهي مرتدة، فالنكاح باطل.

وأما مرضها إن كان مستمرا بها، ويؤثر على العشرة الزوجية، فالعقد صحيح وللزوج الخيار في فسخ النكاح.

وأما إن كان سحرها ليس كفريا، ومرضها غير مؤثر على الحياة الزوجية، أو قد شفيت منه، فالنكاح صحيح، وللزوج أن يجتهد في إصلاح زوجته، حتى تترك السحر المحرم، وإن رأى أنها لا تستجيب له، فعليه أن يفارقها ويطلقها، لأن السحر مفسد مضر به وبأولاده، ويقطعهم عن أقاربهم وعن جماعة المسلمين؛ فالمجتمع المسلم عليه أن يهجر السحرة لكف شرهم.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android