هل يمكنكم شرح الآية 59 من سورة النّور: هل يعني ذلك إذا كان والديّ جالسين والباب مفتوح والستائر مرفوعة أحتاج إلى الإذن قبل الدخول؟ والديّ وأخي يعيشون في شقة بغرفتي نوم، لكن أنا وأخي لدينا نفس الفراش، فهل ذلك جائز؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، فماذا ينبغي أن نفعل في مثل هذه الحالة؟
هل يجب الاستئذان على الوالدين قبل الدخول عليهم وإن لم يكن الباب مغلقا؟
السؤال: 350805
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
قال الله تعالى:
( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) النور/58 – 59.
وقد أمر الشرع الوالدين بتربية أولادهم غير البالغين، بالاستئذان قبل الدخول عليهم، سترا للعورات، وصيانة لحرمة الوالدين ومكانتهما في نفوس الأبناء. وقيّد ذلك بالأوقات التي يتخفف فيها الوالدان – عادةً – من ألبستهم لأجل النوم ، وهي: وقت الظهيرة، وبعد العشاء عند إرادة النوم، وقبل الصبح عند القيام من النوم.
فإذا بلغ الطفل الحلم، فعليه الاستئذان في كل الأوقات.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
” هذه الآيات الكريمة اشتملت على استئذان الأقارب بعضهم على بعض.
وما تقدم في أول السورة: فهو استئذان الأجانب بعضهم على بعض.
فأمر الله تعالى المؤمنين أن يستأذنهم خدمهم، مما ملكت أيمانهم، وأطفالهم الذين لم يبلغوا الحلم منهم، في ثلاثة أحوال: الأول من قبل صلاة الغداة؛ لأن الناس إذ ذاك يكونون نياما في فرشهم، ( وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ ) أي: في وقت القيلولة؛ لأن الإنسان قد يضع ثيابه في تلك الحال مع أهله، ( وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ )؛ لأنه وقت النوم، فيؤمر الخدم والأطفال ألا يهجموا على أهل البيت في هذه الأحوال …..
ثم قال تعالى: ( وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ )، يعني: إذا بلغ الأطفال الذين إنما كانوا يستأذنون في العورات الثلاث، إذا بلغوا الحلم، وجب عليهم أن يستأذنوا على كل حال ” انتهى من “تفسير ابن كثير” (6/ 82 – 83).
والحكمة من هذا الأمر بالاستئذان قبل الدخول – كما سبق ذكره – هي : حفظ العورات من أعين الناظرين، كما أشار إلى هذا قوله تعالى: ( ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ ).
قال ابن العربي رحمه الله تعالى:
” قوله: ( ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ )…
فبيّن العلة الموجبة للإذن، وهي الخلوة في حال العورة، فتعيّن امتثاله، وتعذر نسخه ” انتهى من “أحكام القران” (3/1399).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
“فأمر باستئذان الصغار والمماليك حين الاستيقاظ من النوم، وحين إرادة النوم، وحين القائلة؛ فإن في هذه الأوقات تبدو العورات، كما قال تعالى: ( ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ ) ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (15 / 369 – 370).
والحكم يدور مع علته وجودا وعدما.
عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالُوا: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! كَيْفَ تَرَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي أُمِرْنَا فِيهَا بِمَا أُمِرْنَا، وَلَا يَعْمَلُ بِهَا أَحَدٌ؟ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ … ).
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
( إِنَّ اللَّهَ حَلِيمٌ رَحِيمٌ بِالْمُؤْمِنِينَ يُحِبُّ السَّتْرَ، وَكَانَ النَّاسُ لَيْسَ لِبُيُوتِهِمْ سُتُورٌ وَلَا حِجَالٌ، فَرُبَّمَا دَخَلَ الْخَادِمُ أَوِ الْوَلَدُ أَوْ يَتِيمَةُ الرَّجُلِ، وَالرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ بِالِاسْتِئْذَانِ فِي تِلْكَ الْعَوْرَاتِ، فَجَاءَهُمُ اللَّهُ بِالسُّتُورِ وَالْخَيْرِ، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَعْمَلُ بِذَلِكَ بَعْدُ ).
رواه أبو داود (5192)، وحسّن إسناده الشيخ الألباني في “صحيح سنن أبي داود” (3/274).
قال أبو بكر الجصاص رحمه الله تعالى:
” فأخبر ابن عباس أن الأمر بالاستئذان في هذه الآية كان متعلقا بسبب، فلما زال السبب زال الحكم، وهذا يدل على أنه لم ير الآية منسوخة، وأن مثل ذلك السبب لو عاد لعاد الحكم ” انتهى من “أحكام القران” (5/192).
وفي زمننا زال السبب في استئذان الأولاد عند دخول المنزل، لاختصاص النوم وتغيير الثياب بغرف مخصوصة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
” بيّن الله في هذه الآية سبب تخصيصها بهذه الثلاث، والحكمة في الاستئذان في هذه الأوقات الثلاثة: أنها أوقات عورة تلقي فيها الثياب غالبا للنوم؛ إما للتهيؤ له أو بعده أو من أجل الحرّ، كما في قوله: (مِنَ الظَّهِيرَةِ).
ثم نقول: هل هذه الآية محكمة وباق حكمها أو منسوخة؟
الجواب: اختلف فيها المفسرون كما تقدّم؛ منهم من قال إنها منسوخة، وليس له دليل سوى الواقع، وهو تغّير الناس، وعدم استئذانهم؛ فظنوا أنها نسخت.
وقال آخرون: بل هي محكمة باقية.
وقال آخرون: إنها محكمة، ولكن ترك الناس العمل بها من أجل تغيّر الحال، وهذا هو الذي صح عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ من أجل تغيّر الحال؛ لأنه في الزمن السابق كانت البيوت غير محجبة وليس للإنسان غرفة خاصة للنوم، وكان هؤلاء الأطفال وهؤلاء المماليك إذا دهموا الناس، وفتحوا الباب بدون اسئذان: قد يدخلون وهم على عورة، وقد يدخلون والإنسان على امرأته؛ فأمروا بالاستئذان .
أما بعد أن وسّع الله الأمر، وصارت البيوت محجبة، وصار النوم له غرف خاصة؛ فإننا نقول: لا بأس من دخول المنزل عامّة في هذه الأوقات بدون استئذان؛ لأن العلة التي أمر الله بالاستئذان من أجلها زالت.
لكن حكم غرفة النوم في هذه الأوقات الثلاثة باق، فلا يجوز الدخول لهؤلاء الأطفال والمماليك إلا بعد الاستئذان؛ لئلا يدخلوا والإنسان على حال لا يحب أن يطّلع عليه فيها أحد ” انتهى من “تفسير سورة النور” (383 – 384).
والظاهر أن جلوس الأبوين، مع فتح الباب ورفع الستائر: قرينة ظاهرة على أنهما لا يكرهان أن ينظر إليهما أحد وهما في تلك الحال.
وعليه ؛ فلا بأس بالدخول عليهما من غير استئذان .
بخلاف ما لو أغلقا الباب أو أرخيا الستائر ، فالواجب الاستئذان قبل الدخول عليهما .
ولو احتاط المرء للأدب، واستأذن في كل حال؛ فهو أحسن، وأرفع أدبا؛ وقد ينسى الوالدان الباب مفتوحا، فينبسطان، أو يكونان على حال لا يحبان أن ينظر إليهما أحد.
ثانيا:
أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتفريق بين الأولاد في مضاجعهم ببلوغهم عشر سنوات.
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ ) رواه أبو داود (495).
فلذا لا يجوز أن تنامي مع أخيك في فراش واحد؛ ولأن هذه الحال غير مأمونة العاقبة، فيجب أن يكون لكل واحد منكما فراش مستقل، ولو في غرفة واحدة – خاصة مع ضيق البيت وعدم وجود غرف أخرى – مع اتخاذ الأسباب في تجنّب التكشف، وذلك بلباس ما لا تظهر معه العورة بسبب التقلب أثناء النوم.
سُئلت “اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء”:
” هل يجوز أن ينام الولد مع أمه وأخته وهو بالغ رشده؟
الجواب: لا يجوز للأولاد الذكور إذا بلغوا الحلم، أو كان سنهم عشر سنوات أن يناموا مع أمهاتهم أو أخواتهم في مضاجعهم أو في فرشهم؛ احتياطا للفروج، وبعدا عن إثارة الفتنة، وسدا لذريعة الشر، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتفريق بين الأولاد في المضاجع، إذا بلغوا عشر سنين، فقال: ( مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع )…
كل ذلك من أجل درء الفتنة، والاحتياط للأعراض، والقضاء على وسائل الشر.
أما من كان دون عشر سنوات: فيجوز له أن ينام مع أمه أو أخته في مضجعها؛ لحاجته إلى الرعاية، ولدفع الحرج مع أمن الفتنة، لكن يجوز عند أمن الفتنة أن يناموا جميعا – ولو كانوا بالغين – في مكان واحد، كل منهم في فراش يخصه.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد الله بن قعود ، عبد الله بن غديان ، عبد الرزاق عفيفي ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز ” انتهى من ” فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى” (17 / 408 – 409).
وطالعي للأهمية جواب السؤال رقم: (78833).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة