0 / 0

نبذة عن حبر الأمة وترجمان القرآن : عبد الله بن عباس رضي الله عنهما .

السؤال: 330016

سمعت شيخا يقول : إنّ عبد الله بن عباس كان يتصرّف من صغره كما لو كان رجلاً حكيما، فهل يمكن أن توضّح بالتفصيل كيف أنّ هذا الوصف له صدى في كلامه وطريقة مشيه وحياته المعتادة؟

الجواب

أولا:

التعريف بالصحابي عبد الله بن عباس 

عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم ، أبو العباس ، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم . 

أُمُّه : لبابة بنت الحارث بن حزن بن بجية بن الهزم بن روبية بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة الهلالي . 

كان يسمى : الحبر والبحر ؛ لكثرة علمه ، وحدة فهمه . فهو حبر الأمة وفقيهها ، ولسان العشيرة ومنطيقها ، محنك بريق النبوة ، ومدعو له بلسان الرسالة ، فقه في الدين ، وعلم التأويل ، ترجمان القرآن .

ولد وبنو هاشم بالشّعب قبل الهجرة بثلاث . وقيل بخمس . والأول أثبت ؛ وهو يقارب ما في "الصحيحين" عنه : " أقبلت راكبا على حمار أتان ، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بمنى إلى غير جدار ، فمررت بين يدي بعض الصف ، وأرسلت الأتان ترتع ، فدخلت في الصف ، فلم ينكر ذلك علي " أخرجه البخاري (76)، ومسلم (504).

وفي "صحيح البخاري" (6299) عن سعيد بن جبير ، قال : سئل ابن عباس : مثل من أنت حين قبض النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : " أنا يومئذ مختون " قال : وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك .

وفي "مسند أحمد" (3125) عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال : " جمعت المحكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقبض النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنا ابن عشر حجج "، قال : فقلت له : وما المحكم ؟ قال : المفصل ".

قال الأرناؤوط :  إسناده صحيح على شرط الشيخين. 

دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بأن يفقهه الله في الدين ويعلمه التفسير ، فقال :  اللهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ  أخرجه البخاري (143)، ومسلم (2477)، وأحمد (2397) واللفظ له.

كما دعا الله بأنه يعلمه الحكمة ، فعن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : " ضمني النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره ،  وقال :   اللهم علمه الحكمة  والحكمة : الإصابة في غير النبوة . أخرجه البخاري (3756).

وكان عمر بن الخطاب يدنيه ويسأله ، ويدخله مع مشيخة أهل بدر ، ليريهم من علمه وفهمه. 

وكان له الجواب الحاضر ، والوجه الناضر ، صبيح الوجه ، له وفرة مخضوبة بالحناء ، أبيض طويل مشرب صفرة ، جسيم وسيم ، علمه غزير ، وخبره كثير ، يصدر الجاهل عن علمه وحكمته يفيضان ، والجائع عن خبزه ومائدته شبعان !

مات رضي الله عنه بالطائف سنة ثمان وستين . واختلفوا في سنِّه ، فقيل : ابن إحدى وسبعين . وقيل ابن اثنتين . وقيل ابن أربع . والأوّل هو القويّ .

وينظر لمعرفة المزيد عن مناقبه وفضائله : "فضائل الصحابة" للإمام أحمد (2/ 949)، و"معرفة الصحابة" لأبي نعيم (3/ 1699)، و"الإصابة" لابن حجر (4 /122).

ثانيا:

أثر دعاء النبي  لعبد الله بن عباس 

لا شك أن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما بأن يعلمه الحكمة ويفقهه في الدين ويعلمه التفسير ؛ كان له الأثر الأكبر في حياة ابن عباس رضي الله عنهما ، وفي تكوين شخصيته الإيمانية والعلمية والأخلاقية ، وفي حرصه على طلب العلم وفهمه فهمًا صحيحًا .

ولم يقعد ابن عباس رضي الله عنهما متكلاً على دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له ، بل كان يجتهد في جمع العلم وتحصيله ، وفي فهم دين الله عز وجل ، بكل ما أوتي من قوة ونشاط وصبر وعزيمة .

فبدأ بملازمة النبي صلى الله عليه وسلم منذ نعومة أظفاره ، حتى قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم أقبل على كبار أصحابه رضي الله عنهم ، حتى كان يتوسد رداءه أمام باب أحدهم ليسمع منه الحديث . 

فعن ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : " لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: هَلُمَّ فَلْنَسْأَلْ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُمْ كَثِيرٌ ! 

قَالَ : الْعَجَبُ لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ، أَتَرَى النَّاسَ يَحْتَاجُونَ إِلَيْكَ ، وَفِي الْأَرْضِ مَنْ تَرَى مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ؟

قَالَ: فَتَرَكَ ذَلِكَ ، وَأَقْبَلْتُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ ، وَتَتَبُّعِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِنْ كُنْتُ لَيَبْلُغُنِي الْحَدِيثُ عَنْ رَجُلٍ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ، فَأَجِدُهُ قَائِلًا : " فَأَتَوَسَّدُ رِدَائِي عَلَى بَابِهِ تَسْفِي الرِّيَاحُ فِي وَجْهِي حَتَّى يَخْرُجَ " . 

فَيَقُولُ: مَا جَاءَ بِكَ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ ؟

فَأَقُولُ : " بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْكَ ". 

فَيَقُولُ : فَهَلَّا بَعَثْتَ إِلَيَّ حَتَّى آتِيَكَ ، فَأَقُولُ : " أَنَا كُنْتُ أَحَقَّ أَنْ آتِيَكَ " ، فَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ يَمُرُّ بِي بَعْدُ، وَالنَّاسُ يَسْأَلُونِي فَيَقُولُ : أَنْتَ كُنْتَ أَعْقَلَ مِنِّي" .

أخرجه الإمام  أحمد في "فضائل الصحابة" (2/ 976)، (1925)، والدارمي (590)، والحاكم في "المستدرك" (363) وقال:  صحيح على شرط البخاري وهو أصل في طلب الحديث وتوقير المحدث. ووافقه الذهبي.

ولذلك كان رضي الله عنه إذا سئل: كَيْفَ أَصَبْتَ هَذَا الْعِلْمَ ؟ قَالَ : " بِلِسَانٍ سَؤُولٍ، وَقَلْبٍ عَقُولٍ".

أخرجه الإمام  أحمد في "فضائل الصحابة" (2/ 970)، (1903)، والبيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" (427).

ومن هنا صدقت في ابن عباس رضي الله عنهما دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فآتاه الله الحكمة؛ وهي الإصابة، وإتقان الأمور، ووضع الشيء في محله .

وآتاه الله الفقه والفهم في الدين ، وعلمه تفسير القرآن وتأويله ، حتى كان ترجمان القرآن ، وحبر الأمة .

ولا شك أن من أوتي العلم والفهم والحكمة ؛ فإن ذلك سيؤثر في حياته كلها ، إيمانًا ، وعبادة ، وخشية ، وخلقًا ، وسمتا ، وذكاءً ، وحكمة ، ونبلاً ، وسداد رأي !

ولذلك كان عمر رضي الله عنه يدخل ابن عباس رضي الله عنهما مع أشياخ بدر ويستشيره ويسأله أمامهم ليريهم علمه وحكمته وفهمه للدين .

فعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر ، فقال بعضهم : لم تدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله ؟ فقال : " إنَّه ممَن قدْ عَلِمْتُمْ".

قال : فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم قال : وما رُئِيتُهُ دعاني يومئذ إلا ليريهم مني ، فقال : " ما تقولون في :  {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ والفَتْحُ، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا}  حتى ختم السورة ؟ فقال بعضهم : أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا . وقال بعضهم : لا ندري ، أو لم يقل بعضهم شيئا ، فقال لي: يا ابن عباس، أكذاك تقول؟

قلت: لا ، قال : فما تقول ؟ قلت : هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله له : إذا جاء نصر الله والفتح فتح مكة ، فذاك علامة أجلك : فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا . قال عمر : " ما أعلم منها إلا ما تعلم " .

أخرجه البخاري (4294).

وعَنْ طَاوُسٍ قَالَ :  " وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشَدَّ تَعْظِيمًا لِحُرُمَاتِ اللَّهِ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَاللَّهِ لَوْ أَشَاءُ إِذَا ذَكَرْتُهُ أَنْ أَبْكِيَ لَبَكَيْتُ " .

أخرجه الإمام أحمد في "فضائل الصحابة" (2/ 950) .

وهذا غيض من فيض ، ونبذة يسيرة عن هذا الحبر الإمام ، وإلا فمناقبه وفضائله كثيرة ، ومواقفه مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، لا يسع المقام لذكرها .

والله أعلم.

 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android