أنا ممارسة حجامة حديثة التخرج، وأحاول أن أحصل على فهم صحيح للعلاقة بين الحجامة والشر، يقول الكثير من ممارسي الحجامة: إن الحجامة يمكن أن تزيل كل الشر بما في ذلك السحر والعين والجنّ، لقد بحثت في القرآن والسنة، ومعلومات من العلماء ولم أجد الصلة، ويقول ممارسو الحجامة أيضًا : إنه يجب أن أحمي نفسي أثناء الحجامة ضد الشر من العميل، وذلك بحرق اللبان، ووضع الحنّة على القدمين والرأس، ولا يوجد دليل في السنّة على ذلك، وأشعر أنه يتضمن الشرك، وكأنني أطلب الحماية من شيء آخر غير الله، الرجاء التوضيح .
هل للحجامة تاثير في إزالة السحر والعين والجن ؟
السؤال: 319199
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
الحجامة ورد نفعها في أمراض الجسد.
عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ، فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ تُوَافِقُ الدَّاءَ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ رواه البخاري (5683)، ومسلم (2205).
والشر ليس مادة محسوسة في الجسد فتزال بإخراج الدم؛ ولم يعهد في الشرع أن يعالج الشر، هذا بعمومه، بأدوية الجسد، وإنما يحتمى منه بالاستجابة لأحكام الشرع والتقيّد بها، ويتقى من شر الجن وشياطينهم بالذكر والدعاء والرقى الشرعية .
وأما علاج السحر بالحجامة ، فقد ذكر العلماء وأهل الخبرة ، أن الحجامة إذا وقعت في الموضع الذي أثر فيه السحر نفعت بإذن الله .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
” والمقصود: ذكر هديه في علاج هذا المرض -السحر-، وقد روي عنه فيه نوعان:
أحدهما – وهو أبلغهما – استخراجه وإبطاله، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه سأل ربه سبحانه في ذلك، فدل عليه فاستخرجه من بئر…
والنوع الثاني: الاستفراغ في المحل الذي يصل إليه أذى السحر، فإن للسحر تأثيرا في الطبيعة، وهيجان أخلاطها، وتشويش مزاجها، فإذا ظهر أثره في عضو، وأمكن استفراغ المادة الرديئة من ذلك العضو، نفع جدا ” انتهى من “زاد المعاد” (4 / 114).
ثانيا:
وأما استعمال بخور اللبان أو الحناء لتوقي شر شياطين الجن، فكل هذا لا أصل له؛ وقول بلا علم .
سُئل الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى:
” هل صحيح: من بخر منزله باللبان الشحري يذهب الشياطين من المنزل؟ وهل يوجد دليل على ذلك؟…
فأجاب: هذا شيء لا أصل له، وإنما يذهب الشياطين: ذكر الله، والتعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، هكذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ يقول صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ )؛ وقال: ( إذا دخل الإنسان منزله مساء وقال: بسم الله، قال الشيطان: لا مبيت، وإذا سمى عند الأكل، قال: لا مبيت ولا عشاء ). فالتسمية بالله، والتعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق هذه من أسباب الحفظ من الشياطين، وهكذا قراءة القرآن كل ذلك من أسباب السلامة…
فالحاصل: أن هذه التعوذات وهذه الأذكار هي التي يقي الله بها العبد من شر الشياطين، ومن كل ما يضره، أما البخور الذي ذكره السائل فلا أصل له ” انتهى من “فتاوى نور على الدرب” (1 / 396 – 397).
ولمزيد الفائدة طالعي جواب السؤال رقم : (10513).
فينبغي للمسلم أن يكتفي بما ورد في الشرع في هذه الأمور التي علمها مبني على الوحي؛ وعدم الغلو في اتخاذ الأسباب إلى حد اتخاذ ماليس بسبب سببا، فهذا أمر منهي عنه؛ لأنه وسيله إلى الشرك.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
” فإذا كانت هذه الأمور ليست من الأسباب الشرعية التي شرعها على لسان نبيه، التي يتوسل بها إلى رضاء الله وثوابه، ولا من الأسباب القدرية التي قد علم أو جرب نفعها، مثل الأدوية المباحة، كان المتعلق بها متعلقا قلبه بها راجيا لنفعها، فيتعين على المؤمن تركها ليتم إيمانه وتوحيده؛ فإنه لو تم توحيده، لم يتعلق قلبه بما ينافيه، وذلك أيضا نقص في العقل حيث التعلق بغير متعلق ولا نافع بوجه من الوجوه، بل هو ضرر محض.
والشرع مبناه على تكميل أديان الخلق بنبذ الوثنيات والتعلق بالمخلوقين، وعلى تكميل عقولهم بنبذ الخرافات والخزعبلات، والجد في الأمور النافعة المرقية للعقول، المزكية للنفوس، المصلحة للأحوال كلها دينيها ودنيويها. والله أعلم ” انتهى من “القول السديد / المجموعة الكاملة لمؤلفات السعدي” (10 / 19).
كما أن الغلو في الخوف من شر الجن ، هو نقص في التوكل .
قال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى:
” كل واحد من الاحترازين؛ أعني: الديني والدنيوي، المحمود منه مقدار معلوم، متى جاوزه الإنسانُ خرج في حيّز الذم، فالاحتراز في الطهارات يُحْمد منه الورع، والإفراط في ذلك يخرج إلى حد الوسوسة والغلوّ في الدين، وكذلك الاحتراز عن المؤذيات الدنيوية، يُخرِج إفراطُه إلى ضعف التّوكّل وشدة الإغراق في التعلُّق بالأسباب، وهو مذموم، و( قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا).
والفرق بين الموضعين دقيق عسِرُ العلم، وله طريق ونظر طويل يتعلق بباب التوكل ” انتهى من “شرح الإلمام” (2 / 585 – 586).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب