0 / 0
10,11628/01/2020

لا يحب أن يستعمل أحد أغراضه ولا أن يلمسها الأطفال فهل يلحقه حرج بذلك؟

السؤال: 318015

أنا شخص لا يحب أن يستخدم أي أحد أمتعتي، لديّ دائمًا قلق من احتمال تلف الشيء، على سبيل المثال ، إذا طلب شخص ما جهاز الكمبيوتر المحمول ـ وهو غالي جداـ ، فأنا لا أحب إعارته لهذا الشخص، فأرغب في معرفة ما إذا كان وجود مثل هذا النوع من الشخصية مسموح به في الشريعة أم لا؟ على نحو مماثل ، أنا أيضًا لا أحب ذلك عندما يأتي الأطفال الصغار إلى منزلي ويلمسوا أشيائي ، هل وجود مثل هذا النفور أمر نُلام عليه في الإسلام؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

أمر الله تعالى بالإحسان إلى الناس ، ومن صور هذا الإحسان : العاريَّة ، وهي أن يعير المسلم شيئا من ماله لمن ينتفع به ثم يرده ، كقلم أو كتاب أو ثياب أو سيارة .. وما أشبه ذلك .

والأصل في حكم العارية أنها مستحبة بالنسبة للمعير ، لما فيه من الإحسان إلى الناس ومساعدتهم وقضاء حوائجهم .

وقد تكون واجبة في بعض الحالات :

منها : إذا كان المستعير مضطرا إلى العارية ، كرجل في برد شديد واستعار من أخيه ثوبا يلبسه ليدفع به البرد ، فإعارة الثوب هنا واجبة .

قال البهوتي رحمه الله في “الروض المربع” (7/436) :

“ومن اضطر إلى نفع مال الغير، مع بقاء عينه : كثيابٍ لدفع برد ، أو حبل ودلو لاستقاء ماء ونحوه ؛ وجب بذله له ، أي : لمن اضطر إليه ، مجانا ، مع عدم حاجته إليه ، لأن الله تعالى ذم على منعه بقوله : ويمنعون الماعون ” انتهى .

ومنها : أن يكون الشيء المستعار من الأشياء رخيصة الثمن ، التي جرت عادة الناس بإعارتها وذم من امتنع من ذلك ، كالدلو والسكين والفأس .

هكذا مثل العلماء السابقون كالصحابة رضي الله عنهم – للأشياء اليسيرة التي يتسامح الناس بتداولها بينهم، وإعارتها لمن طلبها . ومثله الآن إعارة قلم لمن يكتب به شيئا يسيرا ثم يعطيه صاحبه.. أو شيء من أواني المنزل ، غير غالية الثمن ولا يخاف عليها من التلف، ونحو ذلك .

قال الله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) الماعون /3- 6.

روى ابن جرير (24/673) عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سئل : مَا الْمَاعُونُ ؟ قَالَ : مَا يُتَعَاطَى النَّاسُ بَيْنَهُمْ ، مِنَ الْفَأْسِ وَالْقِدْرِ وَالدَّلْوِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ.

وروى ابن جرير أيضا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، فِي قَوْلِهِ : الْمَاعُونَ. قَالَ : مَتَاعَ الْبَيْتَ. وفي رواية : يَمْنَعُونَهُمُ الْعَارِيَةَ ، وَهُوَ الْمَاعُونَ.

قال السعدي رحمه الله في تفسيره (ص 935) :

“[وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ] أي: يمنعون إعطاء الشيء، الذي لا يضر إعطاؤه على وجه العارية، أو الهبة، كالإناء، والدلو، والفأس، ونحو ذلك، مما جرت العادة ببذلها والسماحة به ” انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين في “تفسير جزء عم” :

“[ويمنعون الماعون] أي: يمنعون ما يجب بذله من المواعين ، وهي الأواني، يعني يأتي الإنسان إليهم يستعير آنية. يقول: أنا محتاج إلى دلو، أو محتاج إلى إناء أشرب به، أو محتاج إلى مصباح كهرباء وما أشبه ذلك، فيمنع؛ فهذا أيضاً مذموم.

ومنع الماعون ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: قسم يأثم به الإنسان.

القسم الثاني: قسم لا يأثم به، لكن يفوته الخير.

فما وجب بذله فإن الإنسان يأثم بمنعه، وما لم يجب بذله فإن الإنسان لا يأثم بمنعه لكن يفوته الخير” انتهى .

ونقل الرازي في تفسيره الأقوال في تفسير “الماعون” فقال :

وَيَمْنَعُونَ الماعون وفيه أقوال ….

والقول الثاني : وهو قول أكثر المفسرين ، أن الماعون اسم لما لا يُمنع في العادة ، ويسأله الفقير والغني ، ينسب مانعه إلى سوء الخلق ولؤم الطبيعة ، كالفأس والقدر والدلو والغربال والقَدوم … وعلى هذا التقدير : يكون معنى الآية الزجر عن البخل بهذه الأشياء القليلة ، فإن البخل بها يكون في نهاية الدناءة والركاكة ، والمنافقون كانوا كذلك ، لقوله تعالى : الذين يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ الناس بالبخل [ النساء : 37 ] وقال : مَّنَّاعٍ لّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ [ القلم : 12 ]” انتهى.

ثانيا :

ينبغي أن يُعلم أن وجوب الإعارة على المُعير ، ليس مطلقا في جميع الأحوال .

بل هو مقيد بما إذا لم يكن محتاجا لهذا المال ، أو مضطرا إليه .

وقد نص العلماء على هذا القيد كما في كلام البهوتي السابق : “.. وجب بذله له ؛ أي لمن اضطر إليه مجانا ، مع عدم حاجته إليه” انتهى .

يعني: إذا لم يكن المالك محتاجا إليه، في وقت إعارته: وجب بذله لمن طلبه.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في “الشرح الممتع” (10/109) :

وقد تجب العارية أحيانا … كإعارة شخص رداء يدفع به ضرر البرد، فهذه واجبة ، فلو طلب منك شخص في برد شديد أن تعطيه رداء يلتحف به، وجب عليك أن تعطيه.

وضابط ذلك : أنه متى توقف عليها إنقاذ معصوم ؛ صارت واجبة.

ومن ذلك عند كثير من العلماء إعارة المصاحف؛ لأن المصحف يجب أن يبذل لمن أراد أن يتعلم به.

ومن ذلك ـ أيضاً ـ إعارة الكتب التي يحتاج إليها الناس ، فتجب إعارتها.

لكن يشترط في ذلك ضرورة المستعير ، وعدم تضرر المعير؛ فلو قال المعير فيما إذا طلب منه استعارة مصحف: إني لو أعطيت هذا الرجل مصحفاً لأفسده، فإنه لا تجب عليه الإعارة، وكذلك لو قال: إن أعطيته الكتاب أفسده ، فلا تجب الإعارة؛ لأن فيها ضرراً على المعير” انتهى .

وبناء على هذا ؛ فامتناعك من إعارة الأشياء مرتفعة الثمن ، أو الأشياء التي تخشى من إفساد المستعير لها : لا حرج عليك فيه ، لأن عليك ضررا في ذلك .

أما الأشياء اليسيرة ، وما يعتاد كرام الناس التسامح بإعارته : فلا ينبغي أن تمتنع من إعارتها ، فإن ذلك مذموم كما تقدم .

ثالثا :

أما كونك لا تحب أن يلمس الأطفال الصغار أشياءك ، فلم تذكر سبب ذلك .

فإن كان ذلك خوفا من أن تكون أيديهم نجسة ، فهو تصرف خاطئ منك ؛ لأن بدن الأطفال وثيابهم محمولة على الطهارة ، حتى نتيقن نجاستها ، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يؤتى بالأطفال الصغار الرضع ، فيحملهم ويجلسهم في حجره ، صلى الله عليه وسلم .

حتى إن أحدهم كان يبول على ثياب النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يعنفه ، ولا يعنف أباه ولا أمه ، بل يأخذ كفا من ماء فيرشه مكان البول ، تطهيرا لهذه النجاسة ، وينتهي الأمر عند هذا .

روى مسلم (286) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : ” أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَبِيٍّ يَرْضَعُ ، فَبَالَ فِي حَجْرِهِ ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ ” .

وقال النووي رحمه الله :

“ثِيَاب الصِّبْيَان وأَبْدَانهمْ وَلُعَابهمْ : مَحْمُولَة عَلَى الطَّهَارَة حَتَّى تُتَيَقَّن النَّجَاسَة ؛ فَتَجُوز الصَّلَاة فِي ثِيَابهمْ ، وَالْأَكْل مَعَهُمْ مِنْ الْمَائِع ، إِذَا غَمسُوا أَيْدِيهمْ فِيهِ .

وَدَلَائِل هَذَا كُلّه مِنْ السُّنَّة وَالْإِجْمَاع مَشْهُورَة . وَاَللَّه أَعْلَم” انتهى .

أما إن كان تصرفك هذا خوفا من أن يفسد الأطفال أشياءك ، فهذا التصرف مقبول منك ، له ما يبرره ، لكن … بلا مبالغة في هذا ، ولا أنفة ، ولا زيادة في التأفف، ولا وسواس الطهارة ، ولا تعنيف للأطفال ؛ لا سيما الضيوف منهم !!

ويمكنك أن تغلق باب غرفتك ، أو تغلق جهاز الكمبيوتر الخاص بك .

وأحسن من ذلك أن تترفق بالأطفال عندك ، وتسمح لهم باللعب عليه بعضا من الوقت ، وتؤانسهم ، ثم تطلب منهم أن يغلقوا جهاز الكمبيوتر ، وينصرفوا إلى لعبة أخرى .

وعلى كل حال؛ فينبغي عليك أن تكون رحيما ، لطيفا بالأطفال ، وليتذكر الإنسان أيام طفولته ، كيف كان يجب أن يعامله الناس ، فليعامل الأطفال به ، فإن الأطفال من طبيعتهم حب اللعب والعبث بالأشياء .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android