0 / 0

هل إلقاء المحبة في قوله : ( وألقيت عليك محبة مني ) خاص بموسى عليه السلام ؟

السؤال: 311061

في قوله تعالى : (وألقيتُ عليك محبة مني ولتُصنع على عيني) هل موسى عليه السلام الوحيد الذي حظيَ بهذا الشرف ؟ أم أن غيره من الخلق لهم أن يُلقيَ الله عليهم محبةً منه ويُصنعون على عينه؟ وكيف يستطيع المرء أن يصل إلى هذا المقام؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولًا :

قوله تعالى عن نبيه موسى :  وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي   طه/ 29 .

أي : ” وأَنزلت عليك محبة مني ، إذ أَحببتك، وجعلت من يرونك يحبُّونك ، فأَحبك فرعون وأنزلك منه منزلة الولد ، وأَحبك أَهله وحاشيته ، وفعلْتُ ذلك لكي تربَّى وتنشأَ لديه ، وفي منزله في رعايتي وحفظي ” انتهى من “التفسير الوسيط” (6/ 1022).

قال “السعدي” : ” ( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ) فكل من رآه أحبه ( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ) ولتتربى على نظري وفي حفظي وكلاءتي ، وأي نظر وكفالة أجلّ وأكمل ، من ولاية البر الرحيم ، القادر على إيصال مصالح عبده ، ودفع المضار عنه؟! فلا ينتقل من حالة إلى حالة ، إلا والله تعالى هو الذي دبّر ذلك لمصلحة موسى ، ومن حسن تدبيره ، أن موسى لما وقع في يد عدوه ، قلقت أمه قلقا شديدا ، وأصبح فؤادها فارغا ، وكادت تخبر به ، لولا أن الله ثبتها وربط على قلبها ، ففي هذه الحالة ، حرم الله على موسى المراضع ، فلا يقبل ثدي امرأة قط ، ليكون مآله إلى أمه فترضعه ، ويكون عندها ، مطمئنة ساكنة ، قريرة العين ، فجعلوا يعرضون عليه المراضع ، فلا يقبل ثديًا.

فجاءت أخت موسى ، فقالت لهم: ( هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون ) ( فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ ) ” انتهى من “التفسير” (504).

ثانيًا :

وهذه المقامات ليست خاصة بموسى عليه السلام ، من حيث أصلها، وإن كان لموسى عليه السلام، وأنبياء الله الكرام، من ذلك المقام، ما لا يشاركهم فيه أحد ، لاختصاص الله جل جلاله أنبياءه بالاصطفاء والتقريب، ورفع المكانة، وتفضيلهم على العالمين.

وقد قال الله تعالى:  إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا  مريم/96

” قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: سيجعل لهم الرحمن ودا قال: حبا.

وقال مجاهد، عنه: سيجعل لهم الرحمن ودا قال: محبة في الناس في الدنيا.

وقال سعيد بن جبير، عنه: يحبهم ويحببهم، يعني: إلى خلقه المؤمنين. كما قال مجاهد أيضا، والضحاك وغيرهم.

وقال العوفي، عن ابن عباس أيضا: الود من المسلمين في الدنيا، والرزق الحسن، واللسان الصادق.

وقال قتادة: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا إي والله، في قلوب أهل الإيمان، ذكر  لنا أن هرم بن حيان كان يقول: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه، حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم.

وقال قتادة: وكان عثمان بن عفان، رضي الله عنه، يقول: ما من عبد يعمل خيرا، أو شرا، إلا كساه الله، عز وجل، رداء عمله.” انتهى، من “تفسير ابن كثير” (5/269).

وروى الإمام “مسلم” في “صحيحه” (2637) : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :  إِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ : إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ ، قَالَ : فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ، ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ : إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، قَالَ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ ، وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ : إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ ، قَالَ فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ ، قَالَ : فَيُبْغِضُونَهُ ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ .

والطريق الموصل لهذه المحبة ، وتلك المعية ، موجود في القرآن المجيد ، وهو : العمل بما يحبه الله ، وترك ما يبغضه الله ، قال “ابن القيم” : ” وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ مَمْلُوءَانِ بِذِكْرِ مَنْ يُحِبُّهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ .

وَذِكْرِ مَا يُحِبُّهُ مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ .

كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) ، ( وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) ، ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) ، ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ) ، ( فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ) .

وَقَوْلِهِ فِي ضِدِّ ذَلِكَ ( وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ) ، ( وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) ، ( وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) ، ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ) .

وَكَمْ فِي السُّنَّةِ ( أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ كَذَا وَكَذَا ) ، وَ ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ كَذَا وَكَذَا ) … ”  انتهى  من “المدارج” (2/ 26 – 27) .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android