0 / 0
45,84528/07/2019

حول عصمة الأنبياء ، وتفسير قوله تعالى :” ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر “.

السؤال: 304498

كنت قرأت في تفسير الآية الكريمة من سورة الفتح : ( لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) ، لكني للأسف لم أجد في التفاسير التي قرأتها شرحا محدد للذنوب التي قد يكون ارتكبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وغفرها الله له بشكل محدد ، فكلها يذكر يحتمل كذا أو كذا ، ونفس الشيء في شرح الحديث الشريف : (يا أيها الناس ، توبوا إلى ربكم ، فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ) ، وبالتالي أشعر أني غير متمكن من فهمهما بالشكل الكافي ؛ لشرحها لغير المسلمين ، أو المشككين في عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فأرجو أن تشرحوا لي ما هي هذه الذنوب المذكوره تفسيرًا للآية الكريمة وشرح الحديث من باب الرد على شبهة في عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم من الذنوب والزلل .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولًا :

اتفق أهل العلم على أن الأنبياء معصومون من الشرك وكبائر الذنوب ، وكذلك اتفقوا على عدم جواز وقوع الصغائر التي تُزري بفاعلها وتحط من منزلته منهم ، أو تؤدي إلى الطعن في الرسالة كالكذب ونحو ذلك ، واختلفوا في جواز وقوع الصغائر غير المزرية ، فمنهم من منع وقوع ذلك ومنهم من أجاز وقوعها .

ثم من أجاز وقوعها منهم فكلهم متفقون على أنهم إذا وقعت منهم الصغائر: أنهم لا يُقَرون عليها، ولا يؤخرون التوبة، بل تعظم توبتهم وخوفهم ، حتى إن منزلتهم وقدرهم عند الله : يكون أعظم بعد وقوع الذنب والتوبة ، مما كان عليه من قبل .

قال أبو العباس القرطبي في “المفهم لما أشكل من كتاب تلخيص مسلم” (3/58) :” واختلف أئمتنا في وقوع الصغائر منهم ، فمِن قائل بالوقوع ، ومِن قائل بمنع ذلك .

والقول الوسط في ذلك أن الله تعالى قد أخبر بوقوع ذنوب من بعضهم ، ونسبها إليهم وعاتبهم عليها ، وأخبروا بها عن نفوسهم، وتنصلوا منها ، واستغفروا وتابوا .

وكل ذلك ورد في مواضع كثيرة، لا تقبل التأويلات بجملتها ، وإن قبل ذلك آحادها .

لكن الذي ينبغي أن يقال : إنّ الذي أضيف إليهم من الذنوب ليس من قبيل الكبائر، ولا مما يُزري بمناصبهم على ما تقدم ، ولا كثر منهم وقوع ذلك ، وإنما تلك الأمور التي وقعت منهم، وعوتبوا عليها: يخف أمرها بالنسبة إلى غيرهم ، وإنما عُدّت عليهم، وعوتبوا عليها: بالنسبة إلى مناصبهم، وإلى علو أقدارهم ؛ إذ قد يؤاخذ الوزير بما يُثاب عليه السائس. ولقد أحسن الجنيد حيث قال. حسنات الأبرار سيئات المقربين ” انتهى.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في “مجموع الفتاوى” (11/415) :” الَّذِي عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ إنَّمَا هُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ الْإِقْرَارِ عَلَى الذُّنُوبِ ، وَأَنَّ اللَّهَ يَسْتَدْرِكُهُمْ بِالتَّوْبَةِ الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ – يُحِبُّ التَّوَّابِينَ – وَإِنْ كَانَتْ حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتِ الْمُقَرَّبِينَ.

وَأَنَّ مَا صَدَرَ مِنْهُمْ مَنْ ذَلِكَ، إنَّمَا كَانَ لِكَمَالِ النِّهَايَةِ بِالتَّوْبَةِ لَا لِنَقْصِ الْبِدَايَةِ بِالذَّنْبِ ” انتهى.

ثانيا:

بناء على ما سبق ، فإن أهل العلم قد اختلفوا في المراد بالذنوب في الآيات التي وردت في حق النبي صلى الله عليه وسلم، والتي فيها أمر الله له بالاستغفار ، وكذلك ما جاء في الآيات: أنه سبحانه غفر له ذنبه ، وما ورد عنه صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث التي فيها استغفار النبي صلى الله عليه وسلم من ذنبه ، ومن ذلك :

قوله سبحانه :(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَار) غافر/55.

وقوله سبحانه :( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ) النصر/3.

وقوله سبحانه :( لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ) الفتح/2.

وما أخرجه البخاري في “صحيحه” (6398) ، ومسلم في “صحيحه” (2719) ، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : ” عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: ( رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي ، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي كُلِّهِ ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَايَايَ ، وَعَمْدِي وَجَهْلِي وَهَزْلِي ، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ ، أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ).

وما أخرجه البخاري في “صحيحه” (6307) ، من حديث أبي هريرة ، قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:( وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً ).

وما أخرجه مسلم في “صحيحه” (771) ، من حديث عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : ” عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: ( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ، وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، إِنَّ صَلَاتِي ، وَنُسُكِي ، وَمَحْيَايَ ، وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، اللهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي ، وَأَنَا عَبْدُكَ ، ظَلَمْتُ نَفْسِي ، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي ، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا ، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ ).

فالذي رجح عصمة الأنبياء ، تأول هذه الآيات والأحاديث ، وصرفها عن ظاهرها ، ومن رجح عدم عصمتهم عن شيء معين منها : حملها على ظاهرها، فيما جوزه على الأنبياء من ذلك .

فمن العلماء من رأى أن هذه من الصغائر كانت قبل الوحي ، وظل النبي صلى الله عليه وسلم مشفقا منها حتى غفرها الله عز وجل له ، ومن هؤلاء الإمام الشافعي رحمه الله.

قال الشافعي في “الأم” (7/310) :” ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ أَنْ قَدْ غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ . يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ قَبْلَ الْوَحْيِ ، وَمَا تَأَخَّرَ: أَنْ يَعْصِمَهُ فَلَا يُذْنِبُ فَعَلِمَ مَا يَفْعَلُ بِهِ مِنْ رِضَاهُ عَنْهُ وَأَنَّهُ أَوَّلُ شَافِعٍ وَمُشَفَّعٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَسَيِّدُ الْخَلَائِقِ ” انتهى.

ومنهم من رأى أن هذه الذنوب ليست ذنوبا على المعنى المعروف ، وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يرى نفسه مقصرا في شكر نعم ربه عليه ، وكان يعد هذا التقصير ذنبا يثقل ظهره ، فيستغفر ربه منه .

قال القرطبي في تفسيره “الجامع لأحكام القرآن” (20/233) :” فَإِنْ قِيلَ: فَمَاذَا يُغْفَرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُؤْمَرَ بِالِاسْتِغْفَارِ؟

قِيلَ لَهُ: كَانَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي ، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي كُلِّهِ ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي . اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَئِي وَعَمْدِي ، وَجَهْلِي وَهَزْلِي ، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي . اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ ، وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وأنت المؤخر ، إنك على شي قَدِيرٌ .

فَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَقْصِرُ نَفْسَهُ، لِعِظَمِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ ، وَيَرَى قُصُورَهُ عَنِ الْقِيَامِ بِحَقِّ ذَلِكَ ذُنُوبًا . وَيَحْتَمِلُ … ثم ذكر أقوالا أخرى ” انتهى .

ومن العلماء من رأى أنها من الصغائر التي لا تحط من منزلة النبوة ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُقره الله عليه ، وقد أكثر النبي صلى الله عليه وسلم من الاستغفار من ذلك، حتى غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وهذا لا يشين من قدره عليه الصلاة السلام .

قال ابن بطال في “شرح صحيح البخاري” (10/129) :

” قال غير الطبرى: وقد اختلف العلماء فى الذنوب هل تجوز على الأنبياء؟ فذهب أكثر العلماء إلى أنه لا تجوز عليهم الكبائر لعصمتهم ، وتجوز عليهم الصغائر .

وذهبت المعتزلة إلى أنه لا تجوز عليهم الصغائر، كما لا تجوز عليهم الكبائر ، وتأولوا قوله تعالى: ( لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ) الفتح/2 ، فقالوا: إنما غفر له تعالى ما يقع منه من سهو وغفلةٍ ، واجتهاد فى فعل خير لا يوافق به حقيقة ما عند ربه ، فهذا هو الذى غفر له ، وسمّاه: ذنبًا ؛ لأن صفته صفة الذنب المنهى عنه ، إلا أن ذلك تعمد ، وهذا بغير قصد .

هذا تأويل بعيد من الصواب ، وذلك أنه لو كان السهو والغفلة ذنوبًا للأنبياء، يجب عليهم الاستغفار منها ؛ لكانوا أسوأ حالاً من سائر الناس غيرهم ؛ لأنه قد وردت السنة المجمع عليها أنه لا يؤاخذ العباد بالخطأ والنسيان، فلا يحتاجون إلى الاستغفار من ذلك ، وما لم يوجب عليهم الاستغفار، فلا يسمى عند العرب ذنبًا . فالنبى صلى الله عليه وسلم المخبر لنا بذلك عن ربه، أولى بأن يدخل مع أمته فى معنى ذلك ، ولا يلزمه حكم السهو والخطأ .

وإنما يقع استغفاره صلى الله عليه وسلم كفارة للصغائر الجائزة عليه ، وهى التى سأل الله غفرانها له بقوله: (اغفر لى ما قدمت وما أخرت)” . انتهى.

وقال الشيخ الشنقيطي في “أضواء البيان” (4/119) :” الَّذِي يَظْهَرُ لَنَا أَنَّهُ الصَّوَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ: لَمْ يَقَعْ مِنْهُمْ مَا يُزْرِي بِمَرَاتِبِهِمُ الْعَلِيَّةِ ، وَمَنَاصِبِهِمُ السَّامِيَةِ ، وَلَا يَسْتَوْجِبُ خَطَأً مِنْهُمْ ، وَلَا نَقْصًا فِيهِمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُمْ بَعْضُ الذُّنُوبِ لِأَنَّهُمْ يَتَدَارَكُونَ مَا وَقَعَ مِنْهُمْ بِالتَّوْبَةِ ، وَالْإِخْلَاصِ ، وَصِدْقِ الْإِنَابَةِ إِلَى اللَّهِ، حَتَّى يَنَالُوا بِذَلِكَ أَعْلَى دَرَجَاتِهِمْ فَتَكُونُ بِذَلِكَ دَرَجَاتُهُمْ أَعْلَى مِنْ دَرَجَةِ مَنْ لَمْ يَرْتَكِبْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ .

وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى )؛ فَانْظُرْ أَيَّ أَثَرٍ يَبْقَى لِلْعِصْيَانِ وَالْغَيِّ بَعْدَ تَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وَاجْتِبَائِهِ أَيِ: اصْطِفَائِهِ إِيَّاهُ ، وَهِدَايَتِهِ لَهُ .

وَلَا شَكَّ أَنَّ بَعْضَ الزَّلَّاتِ: يَنَالُ صَاحِبُهَا بِالتَّوْبَةِ مِنْهَا ، دَرَجَةً أَعْلَى مِنْ دَرَجَتِهِ قَبْلَ ارْتِكَابِ تِلْكَ الزَّلَّةِ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ” انتهى .

وقال شيخ الإسلام ابن تمية في “المستدرك على الفتاوى” (1/208) :

“اتفق الأئمة على أنه – صلى الله عليه وسلم – معصوم فيما يبلغه عن ربه ، وقد اتفقوا على أنه لا يقر على الخطأ في ذلك ، وكذلك لا يقر على الذنوب لا صغائرها ولا كبائرها.

ولكن تنازعوا: هل يقع من الأنبياء بعض الصغائر مع التوبة منها ، أو لا يقع بحال؟

فقال بعض متكلمي [أهل] الحديث، وكثير من المتكلمين من الشيعة والمعتزلة: لا تقع منهم الصغيرة بحال ، وزاد الشيعة حتى قالوا: لا يقع منهم لا خطأ، ولا غير خطأ.

وأما السلف وجمهور أهل الفقه والحديث والتفسير، وجمهور متكلمي أهل الحديث من الأشعرية وغيرهم: فلم يمنعوا وقوع الصغيرة ، إذا كان مع التوبة، كما دلت عليه النصوص من الكتاب والسنة؛ فإن الله يحب التوابين.

وإذا ابتُلِيَ بعضُ الأكابر بما يتوب منه ، فذاك لكمال النهاية، لا لنقص البداية ، كما قال بعضهم: لو لم تكن التوبة أحب الأشياء إليه ، لما ابتلى بالذنب أكرم الخلق عليه.

وأيضا: فالحسنات تتنوع بحسب المقامات ، كما يقال: حسنات الأبرار سيئات المقربين.

فمن فهم ما تمحوه التوبة، وما ترفع صاحبها إليه من الدرجات، وما يتفاوت الناس فيه من الحسنات والسيئات: زالت عنه الشبه في هذا الباب، وأقر الكتاب والسنة على ما فيهما من الهدى والصواب ” انتهى .

ثالثا :

لم نفهم معنى لأسفك ، أيها السائل الكريم ، على أنك لم تجد أحدا من العلماء ذكر هذه الذنوب التي غفرت للنبي صلى الله عليه وسلم!

وأي حاجة لك في معرفة ذلك، على التفصيل، يا عبد الله ؟!

إنما حاجتك العظيمة إلى معرفة ذنبك أنت، وما جنت يداك. ثم تتعلم كيف تتأسى بأنبياء الله ، والصالحين من عباده ، في عظيم توبتهم ، وإنابتهم إلى ربهم ، ولزوم استغفاره، والفرار إليه ، والشفقة من التقصير في حقه ؛ وأما أن تجعل همك، وشغلك، وأسفك أيضا على معرفة ذنوب الأنبياء ؛ فتلك سلعة البطالة ، وتكلف ما لا منفعة فيه ، بل فيه المضرة على قلب الضعيف المسكين، مع تضييع الأيام والليالي في غير ما أمر به .

فيكفينا في هذه المسألة أن نعرف الأصل العام : أن الله تعالى غفر لنبينا ولجميع الأنبياء ما وقعوا فيه من صغائر ، وأن نعرف كيف نتأسى بالأنبياء في التوبة ، والاستغفار ، والإنابة إلى الغفور الرحيم ؛ ثم بعد ذلك ننشغل بما هو مطلوب منا ، وأنفع لنا .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android