أتصفح الآن في التاريخ الإسلامي ، لكن يقابلني بعض الأحيان عدة معلومات متضاربة أو غير واضحة ، فمثلا : حال وقوفي عند معركة مرج الصفر أجد أن خالد بن سعيد بن العاص قد استشهد بها ، وقتلت زوجته أم حكيم سبعة من الروم حين رأت قتله ، وهي عروس ، وذلك بعد أن كانت متزوجة من عكرمة بن أبي جهل وقتل عنها ، ومن خلال بحثي وجدت أن عكرمة قتل بعد ذلك ، فكيف ؟ ، ومن المفترض أن يكون قد قتل أولا ، ووجدت معلومات متغايرة كثيرة في هذا الصدد ، وذلك في كتب لعلماء وباحثين ، فأرجو التوضيح متي استشهد خالد ؟ ومتي استشهد عكرمة ؟ وفي أي معركة استشهدا ؟ وفي أي معركة قتلت أم حكيم السبعة ؟ وأخيرا لماذا يوجد هذا الاختلاف والتضارب بين كتب المؤرخين والباحثين ؟
حول المعلومات التاريخية المتعارضة في تاريخ استشهاد عكرمة بن أبي جهل وخالد بن سعيد بن العاص وزواجه من أم حكيم
السؤال: 302074
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
كثيرا ما يحدث التعارض في روايات أحداث السير والمغازي ، وذلك لأنها في الغالب لا تنقل بالأسانيد المتصلة الصحيحة ، وإنما غالبها مراسيل ينقلها الإخباريون المهتمون بنقل هذه الأحداث .
ولذا قال الإمام أحمد بن حنبل :” ثلاثة كتب ليس لها أصول : المغازي ، والملاحم ، والتفسير ” انتهى من “الجامع لأخلاق الراوي” للخطيب البغدادي (2/162) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في “مجموع الفتاوى” (13/349) :” قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَد ثَلَاثَةُ أُمُورٍ لَيْسَ لَهَا إسْنَادٌ: التَّفْسِيرُ وَالْمَلَاحِمُ وَالْمَغَازِي ، وَيُرْوَى لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ أَيْ إسْنَادٌ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهَا الْمَرَاسِيلُ ، مِثْلُ مَا يَذْكُرُهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَالشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَابْنُ إسْحَاقَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ كَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيِّ وَالْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ والواقدي وَنَحْوِهِمْ فِي الْمَغَازِي “. انتهى
ويستدل بتعدد المراسيل على ثبوت أصل القصة والواقعة ، وإن كان قد يحدث الخلاف في تفاصيل القصة والواقعة ، وهو مما لا يقدح في أصلها .
ثانيا:
نقل جعفر بن عبد الله بن الحكم ، كما في “الطبقات الكبرى” لابن سعد (4/98) ، والزبير بن بكار كما في “تاريخ دمشق” (70/225) ، وسليمان بن أبي شيخ كما في “الإشراف في منازل الأشراف” لابن أبي الدنيا (302) ، وسعيد بن عبد العزيز ، ومحمد بن شعيب كما في “تاريخ دمشق” (70/228) ، أن أم حكيم بنت الحارث كانت زوجة عكرمة بن أبي جهل ، ثم استشهد رضي الله عنه ، ثم تزوجت بعده من خالد بن سعيد بن العاص ، ثم استشهد عنها أيضا .
هذا القدر بهذا الترتيب لا إشكال فيه .
وإنما وقع الخلاف بين علماء السير والمغازي في أمرين :
الأول : وهو في أي المعارك استشهد عكرمة وخالد ؟
الثاني : في تاريخ وترتيب حدوث هذه المعارك
أما الأمر الأول :
فقد اختلف علماء السير في أي المعارك استشهد عكرمة وخالد .
أما عكرمة فقد اختلف أهل السير في ذلك على أربعة أقوال ، وهي ( أجنادين ، واليرموك ، ومرج الصفر ، وفحل )
قال ابن عبد البر في “الاستيعاب” (3/1083) :” ثُمَّ لزم عكرمة الشام مجاهدا ، حَتَّى قتل يَوْم اليرموك فِي خلافة عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، هَذَا قول ابْن إِسْحَاق .
واختلف فِي ذَلِكَ قول الزُّبَيْر ، فمرةً قَالَ: قتل يَوْم اليرموك شهيدا ، وقال فِي موضع آخر: استشهد عكرمة يَوْم أجنادين ، وقيل: إنه قتل يَوْم مرج الصفر ، وكانت أجنادين ومرج الصفر فِي عام واحد ، سنة ثلاث عشرة فِي خلافة أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ “. انتهى
وجمهور علماء السير والمغازي ، وعلى رأسهم موسى بن عقبة ، ومغازيه من أصح المغازي كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في “الصارم المسلول” (ص147) ، على أن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه : استشهد في وقعة أجنادين ، وخالد بن سعيد استشهد في وقعة مرج الصفر ، وكانت وقعة أجنادين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة ، ووقعة مرج الصفر في المحرم سنة أربعة عشر .
قال البخاري في “التاريخ الكبير” (7/48) في ترجمة عكرمة :” قَالَ عَبد اللَّه بْن مُحَمد ، عَنْ إِبراهيم بْن المُنذر ، عَنْ مُحَمد بْن فُلَيح ، عَنْ مُوسَى بْن عُقبة: قُتِلَ يَوْمَ أَجنادِين ، وَذَلِكَ فِي عَهْدِ عُمَر ” انتهى .
وقال ابن حجر في “الإصابة في تمييز الصحابة” (4/538) في ترجمة عكرمة رضي الله عنه :” وذكر الطبري أن النبي صلى الله عليه و سلم استعمله على صدقات هوازن عام وفاته ، وأنه قتل بأجنادين ، وكذا قال الجمهور ، حتى قال الواقدي : لا اختلاف بين أصحابنا في ذلك .
وقال ابن إسحاق والزبير بن بكار قتل يوم اليرموك في خلافة عمر ” انتهى .
وأما خالد بن سعيد بن العاص ، فكذلك اختلف أهل السير في وقعة استشهاده ، وجمهورهم على أن ذلك كان في موقعة مرج الصفر ، وممن قال ذلك : عروة بن الزبير كما في “المستدرك” للحاكم (5084) ، والزبير بن بكار كما في “تاريخ دمشق” (70/225) ، وابن إسحاق كما في “التاريخ الكبير” للبخاري (3/139) ، وموسى بن عقبة في رواية عنه ، كما في “الإصابة في تمييز الصحابة” لابن حجر (2/204) .
ومنهم من يرى أنه استشهد بأجنادين ، وهي رواية أخرى عن موسى بن عقبة ، كما في “التاريخ الكبير” (3/139) .
وأما تاريخ الوقعتين : فمختلف فيه أيضا .
وجمهور المؤرخين على أن موقعة أجنادين كانت في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة ، في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه
وقد نص على ذلك : الزهري كما في “المعرفة والتاريخ” للفسوي (3/309) ، وابن إسحاق كما في “تاريخ الطبري” (3/418) ، والواقدي كما في “فتوح الشام” (1/60) ، والذهبي في “العبر” (1/13) .
وكذلك موقعة مرج الصفر كانت في شهر المحرم من السنة الرابعة ، على عهد عمر الفاروق رضي الله عنه .
ونص على ذلك : ابن منده في “المستخرج” (2/423) ، والبلاذري في “فتوح البلدان” (ص117) ، والذهبي في “العبر” (1/14) .
وبهذا الترتيب لا إشكال ، حيث يكون استشهاد عكرمة في أجنادين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة ، ثم اعتدت أم حكيم عدتها ، ثم تزوجها بعد ذلك خالد بن سعيد بن العاص ، ولم يمكث معها إلا قليلا ، ثم قتل عنها في وقعة مرج الصفر في شهر المحرم من السنة الرابعة .
والذي أوقع التعارض عند المؤرخين هو خلافهم في ترتيب هذه الوقائع الأربع ( أجنادين ، ومرج الصفر ، واليرموك ، وفحل ) ، ثم اختلافهم في وقت وتاريخ وقوع كل منها .
قال ابن الأثير في “أسد الغابة” (2/472) ” يقع الاختلاف كثيرًا فيمن قتل باليرموك ، وأجنادين ، والصفر ، وكلها بالشام ، وكذلك اختلفوا في أي هذه الأيام قبل الآخر؟ وسبب هذا الاختلاف قرب بعضها من بعض ” انتهى .
ومما سبق يتبين أن جمهور المؤرخين على ما بينا ، وأن الاختلاف بين المؤرخين إنما هو في ترتيب وقوع هذه الوقائع ، وتواريخها ، وهذا لا يؤثر في أصل المعلومة التاريخية ؛ من كون أن أم حكيم بنت الحارث كانت زوجة عكرمة رضي الله عنه ، وأنه استشهد في فتوح الشام ، إما في أجنادين على قول الجمهور ، أو في غيرها على الأقوال الأخرى ، ثم تزوجت بعده خالد بن سعيد بن العاص ، ثم استشهد أيضا عنها في فتوح الشام ، في وقعة مرج الصفر على قول الجمهور ، أو في غيرها .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب