0 / 0

لماذا لم يصلنا خبر آية انشقاق القمر من قبل الأمم الأخرى؟

السؤال: 285427

لماذا لم تكتب الحضارات التي بعصر النبي صلى الله علية وسلم عن حادثة انشقاق القمر ، حيث كان في عهد النبي الكثير من الحضارات ، فهل يعقل أنهم لم يروا الانشقاق ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

قد ثبت انشقاق القمر بأدلة ثابتة وواضحة؛ ومن ذلك قول الله تعالى:

( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ، وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ) القمر/1 – 2.

قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:

” وقد روى البخاري ومسلم في “صحيحيهما” من حديث ابن مسعود قال: ( انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شقتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشهدوا )…

وعلى هذا جميع المفسرين، إلا أن قوما شذوا فقالوا: سينشق يوم القيامة. وقد روى عثمان بن عطاء عن أبيه نحو ذلك .

وهذا القول الشاذ لا يقاوم الإجماع؛ ولأن قوله: ( وَانْشَقَّ ) لفظ ماض، وحمل لفظ الماضي على المستقبل يفتقر إلى قرينة تنقله ودليل، وليس ذلك موجودا. وفي قوله: ( وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا ) دليل على أنه قد كان ذلك ” انتهى من “زاد المسير” (8 / 87 – 88).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

” أخبر -في سورة القمر- باقتراب الساعة وانشقاق القمر، وانشقاق القمر قد عاينوه وشاهدوه وتواترت به الأخبار، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه السورة في المجامع الكبار مثل الجمع والأعياد؛ ليسمع الناس ما فيها من آيات النبوة ودلائلها والاعتبار، وكل الناس يقر ذلك ولا ينكره، فعلم أن انشقاق القمر كان معلوما عند الناس عامة ” انتهى من ” الجواب الصحيح ” (1 / 414).

وقد روى قصة الانشقاق غير ابن مسعود – الذي سبق حديثه في كلام ابن الجوزي- كحديث عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ( إنَّ القَمَرَ انْشَقَّ عَلَى زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) رواه البخاري (3870) ، ومسلم (2803).

قال القرطبي رحمه الله تعالى:

” إن عبد الله بن مسعود أوضح كيفية هذا الانشقاق، حتى لم يترك لقائل مقالا…

وقد روى هذا الحديث جماعة كثيرة من الصحابة – رضي الله عنهم -.

منهم : عبد الله بن مسعود ، وأنس ، وابن عباس ، وابن عمر ، وحذيفة ، وعلي، وجبير بن مطعم، وغيرهم.

وروى ذلك عن الصحابة أمثالهم من التابعين، ثم كذلك ينقله الجمُّ الغفير ، والعدد الكثير إلى أن انتهى ذلك إلينا ، وفاضت أنواره علينا، وانضاف إلى ذلك ما جاء من ذلك في القرآن المتواتر عند كل إنسان .

فقد حصل بهذه المعجزة العلم اليقين الذي لا يشك فيه أحد من العاقلين ” .

انتهى من “المفهم” (7 / 403).

ثانيا:

قد سعى بعض الناس من القديم في التشكيك في هذه الحادثة، واستبعاد حصولها؛ وعمدتهم؛ هي أن القمر يشترك جميع البشر في رؤيته، فلو انشق حقيقة لعلمه جميع سكان الأرض ولتناقلوا هذا الحدث العظيم، ولسطروه في كتبهم، لكن هذا كله لا نعلم له وجود، فهذه الحادثة لا تعرف إلا من جهة المسلمين فقط؟

وهذا التشكيك لا أصل له عند كل عاقل درس هذه القضية بموضوعية؛ وبيان ذلك بأمرين:

الأمر الأول:

يجب فهم هذه القضية على ضوء طبيعة حياة الناس في ذلك الزمن، حيث كان الليل محلا للسكن والقرار، ولم يكن كزمننا هذا شبيها بالنهار.

وهذه الحادثة وقعت بطلب من كفار قريش؛ فهم المقصودون بهذه المعجزة وليس كل البشر في ذلك الوقت، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً، فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ القَمَرِ) رواه البخاري (3637) ، ومسلم (2802).

فالذي يناسب طبيعة الحياة في ذلك الزمن، هو أن يحصل مثل هذا الحوار والنقاش في بدايات الليل، فيستبعد أن يخرجوا في منتصف الليل من أجله.

وإذا كان هذا هو الحاصل؛ فمن الطبيعي أن تغيب هذه الحادثة عن أغلب سكان الأرض في ذلك الزمن؛ لأن بداية الليل في مكة يقابلها منتصف الليل أو ما يقاربه في معظم بلاد الشرق أي أنهم يكونون في نوم عميق، ومن كان ساهرا فلا شك أنه يكون قارا داخل سكنه، وأما البلاد الواقعة في غرب مكة فيكون أغلبها في ذلك الوقت مازال في النهار لم يدخل عليه الليل بعد .

والظاهر المتبادر إلى الذهن من هذه الحادثة أنها كانت للحظات ولم تبق زمنا طويلا أو الليل كله، فلهذا لا إشكال أن ينتبه إلى هذه الحادثة سكان مكة، لأنهم كانوا منتظرين لها، ويغفل عنها باقي الناس لما سبق بيانه.

قال الخطابي رحمه الله تعالى:

” هذا شيء طلبه قوم خاصٌّ من أهل مكة على ما رواه أنس بن مالك، فأراهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ليلاً لأن القمر آية الليل، ولا سلطان له بالنهار، وأكثر الناس في الليل تنام ومُستكنُّون بأبنية وحجب، والأيقاظ البارزون منهم في البوادي والصَّحارى قد يتفق أن يكونوا في ذلك الوقت مشاغيل بما يُلهيهم من سمر وحديث ، وبما يهمّهم من شغل ومهنة ، ولا يجوز أن يكونوا لا يزالون مقنعي رؤوسهم ، رافعين لها إلى السماء مترصِّدين مركز القمر من الفلك ، لا يغفلون عنه ، حتى إذا حدث بجرم القمر حدثٌ من الانشقاق: أبصروه في وقت انشقاقه، قبل التئامه واتِّساقه . وكثيراً ما يقع للقمر الكسوف ، فلا يشعر به الناس ، حتى يخبرهم الآحاد منهم والأفراد من جماعتهم .

وإنما كان ذلك في قدر اللحظة التي هي مدرك البصر ” انتهى من “أعلام الحديث” (2 / 1619).

وقال القرطبي رحمه الله تعالى:

” وقد استبعد هذا كثير من الملحدة، وبعض أهل الملة ، من حيث إنه لو كان كذلك ، للزم مشاركة جميع أهل الأرض في إدراك ذلك ؟

والجواب: أن هذا إنما كان يلزم، لو استوى أهل الأرض في إدراك مطالعه في وقت واحد، وليس الأمر كذلك، فإنه يطلع على قوم ، قبل طلوعه على آخرين.

وأيضا: فإنما كان يلزم ذلك ، لو طال زمان الانشقاق، وتوفرت الدواعي على الاعتناء بالنظر إليه، ولم يكن شيء من ذلك، وإنما كان ذلك في زمن قصير ، شاهده من نُبِّه له …

ثم إنها كانت آية ليلية، وعادة الناس في الليل كونهم في بيوتهم نائمين، ومعرضين عن الالتفات إلى السماء إلا الآحاد منهم، وقد يكون منهم من شاهد ذلك، فظنه سحابا حائلأ، أو خيالا حائلا.

وعلى الجملة : فالموانع من ذلك لا تنحصر، ولا تنضبط .

والذى يحسم مادة الخلاف بين أهل ملتنا أن نقول: لا بعد في أن يكون الله تعالى خرق العادة في ذلك الوقت، فصرف جميع أهل الأرض عن الالتفات إلى القمر في تلك الساعة ، لتختص مشاهدة تلك الآية بأهل مكة ، كما اختصوا بمشاهدة آياته؛ كحنين الجذع، وتسبيح الحصى، وكلام الشجر، إلى غير ذلك من الخوارق التي شاهدوها، ونقلوها إلى غيرهم ” .

انتهى من “المفهم” (7 / 403 – 404).

الأمر الثاني:

أنه لا يعرف عمن عاصر ذلك الزمن أو قاربه من المؤرخين من نفى هذا، وهذا كاف.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

” وأما من سأل عن السبب في كون أهل التنجيم لم يذكروه، فجوابه: أنه لم ينقل عن أحد منهم أنه نفاه، وهذا كاف ” انتهى من “فتح الباري” (7 / 185).

كما لا يستبعد أن يكون رآه بعض الناس في أماكن شتى خارج بلاد العرب، ودوّن في كتبهم، لكن لعدم كثرة المشاهدين له ، لم يأخذه من جاء بعدهم على محمل اليقين، وجعله من جملة الأساطير ، فتنوسي الخبر ، ولم يتناقله الكتاب بعدهم ، فضاعت المصادر الأولى أو بقيت لكن مغمورة لا ينتبه إليها.

وإذا كان القرآن قد نص على ذلك ، وثبتت به السنة ثبوتا لا مطعن فيه ، ثم وجد من شكك في وقوع هذه الآية الحسية ، وتأولها على أمر مستقبل ؛ فكيف بغيرنا من الأمم والجماعات ، الذين لم يبلغهم بذلك خبر السماء ، فينقل لهم الواحد بعد الواحد من الناس : أن القمر قد انشق ؟!

قال العلامة الشيخ محمد رحمت الله الهندي رحمه الله تعالى:

” … قلما يقع أن يبلغ عدد ناظري أمثال هذه الحوادث النادرة الوقوع إلى حد يفيد اليقين، وإخبار بعض العوام لا يكون معتبراً عند المؤرخين في الوقائع العظيمة، نعم يُعتبر إخبارهم أيضاً في الحوادث التي يبقى أثرها بعد وقوعها، كالريح الشديد، ونزول الثلج الكثير، والبرد، فيجوز أن مؤرخي بعض الديار لم يعتبروا إخبار بعض العوام في هذه الحادثة، وحملوه على تخطئة أبصار المخبرين العوام …

والسابع: أن المؤرخين كثيراً ما يكتبون الحوادث الأرضية ، ولا يتعرضون للحوادث السماوية إلا قليلاً ، سيما مؤرخي السلف، وكان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم في ديار إنكلترة وفرانس شيوع الجهل، واشتهارها بالصنائع والعلوم إنما هو بعد زمانه صلى الله عليه وسلم بمدة طويلة.

والثامن: أن المنكر إذا علم أن الأمر الفلاني معجزة أو كرامة للشخص الذي ينكره تصدى لإخفائها، ولا يرضى بذكرها وكتابتها غالبا … ” انتهى من “إظهار الحق” (4 / 1041).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android