0 / 0
35,58909/02/2020

لماذا لا نقول بوجوب الجهر في الصلاة الجهرية؟

السؤال: 282982

آمل بيان الدليل على أن من ترك الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية أن صلاته لا تبطل ، وأن الجهر بالقراءة مجرد سنة وليست فرضا بخصوص حكم الجهر بالقراءة في الصلوات الجهرية ، فجمهور العلماء يقولون : إن ذلك سنة، وأن من ترك الجهر متعمدا فإن صلاته لا تبطل، ولكن فعله مكروه ، ومخالف للسنة. والمشكلة في هذا القول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (صلوا كما رأيتموني أصلي) ، ولَم يثبت فيما علمت ، ولَم ينقل عنه أحد فيما علمت أنه ترك الجهر في أي صلاة جهرية قط ، ولا حتى مرة واحدة ، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يكون هذا سنة وليس فرضا ؟ ونحن قد أمرنا أن نصلي كما كان يصلي الرسول صلى الله عليه وسلم ، فمن تعمد مخالفته في شيء ثبت أنه لم يتركه عمدا قط ، فقد خالف هديه عليه الصلاة والسلام في الصلاة ، وهذا لا يجوز. ولا أعلم قرينة تصرف الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية إلى الاستحباب ، والأصل الوجوب ، نعم قد ثبت إنه كان أحيانا يجهر بشيء من الآيات في السرية ، ولكن لم يثبت أنه أسر في الجهرية قط ، وهذا الأمر يشبه قول الحنابلة فيمن ترك التشهد الأوسط عمدا أن صلاته تبطل بذلك ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتركها عمدا قط ، إنما تركها سهوا فدل ذلك على وجوبها.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

عَنْ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي  رواه البخاري (631).

هذا الحديث أرشدنا إلى التقيد بكيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه لا يتجه الاستدلال به على أن كل ما في صفة الصلاة يجب فعله؛ لأن الأمة متفقة على أن الصلاة مشتملة على واجبات وسنن ، وإن كان الخلاف حاصلًا في بعضها ؛ حتى إن ابن قدامة رحمه الله تعالى، نص على أن أكثر أفعال الصلاة من السنن.

فقال رحمه الله :

” وفعل النبي صلى الله عليه وسلم يحمل على المشروعية والسنة؛ فإن أكثر أفعال النبي  صلى الله عليه وسلم في الصلاة مسنونة غير واجبة ” انتهى من “المغني” (2 / 244).

وعليه : فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نصلي كما صلى ، يحمل على الوجوب ، فيما علم بدليل آخر أنه من واجبات الصلاة ، ويكون  للاستحباب فيما علم بالدليل أنه من سننها . ولا يدل بمجرده على عموم الوجوب في أفعاله في الصلاة .

قال أبو بكر الجصاص رحمه الله تعالى:

” ويجوز أن يقال في قوله ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) أن لا يصح الاستدلال به في وجوب أفعاله فيها، لأنه أمرنا بالاقتداء به على وصف، وهو: أن نصلي كما رأيناه صلى، فنحتاج أن نعلم كيف صلى: من ندب، أو فرض، فعليه مثله ” انتهى من “الفصول في الأصول” (3 / 232).

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

” فجميع الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة ، من فعله وقوله وتعليمه وإرشاده : داخل في قوله: ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) وهو مأمور به، أمر إيجاب أو استحباب بحسب الدلالة ” انتهى من “بهجة قلوب الأبرار” (1 / 61).

ثانيا:

إذا كان هذا الحديث لا يدل على وجوب كل ما ورد في كيفية الصلاة ، فإن الحكم على فعل أو قول بالوجوب : يحتاج إلى استدلال خاص به.

والجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية، لم يرد ما يدل على وجوبه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بالقراءة في الصلاة ، لم يبين أنها تكون جهرا أو سرًّا ، فعلم من ذلك أن هذا لا يدخل في الوجوب .

فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ  رواه البخاري (756) ، ومسلم (394).

فلم يشترط في قراءتها أن تكون سرا أو جهرا، فإذا قرأ المصلي الفاتحة على أي وجه فقد امتثل الأمر وأبرأ ذمته.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

” الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية : ليس على سبيل الوجوب ، بل هو على سبيل الأفضلية، فلو أن الإنسان قرأ سراً فيما يشرع فيه الجهر : لم تكن صلاته باطلة، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن )، ولم يقيد هذه القراءة بكونها جهراً أو سراً، فإذا قرأ الإنسان ما يجب قراءته سراً أو جهراً فقد أتى بالواجب … ” انتهى من  “مجموع فتاوى ابن عثيمين” (13 / 73 – 74).

ثالثا:

الاستدلال على وجوب أشياء في الصلاة بمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على فعلها مع انضمام حديث  صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي  ، هذه الطريقة لا تكفي وحدها للحكم الوجوب، فقد صحت مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على أفعال ، والتزمتها الأمة على مر الأجيال، ومع ذلك الأمة متفقة على عدم وجوبها كرفع اليدين عند تكبيرة الإحرام.

قال النووي رحمه الله تعالى:

” وأجمعت الأمة على استحباب رفع اليدين في تكبيرة الإحرام، ونقل ابن المنذر وغيره الإجماع فيه، ونقل العبدري عن الزيدية أنه لا يرفع يديه عند الإحرام ، والزيدية لا يعتد بهم في الإجماع، ونقل المتولي عن بعض العلماء انه أوجب الرفع، ورأيت أنا فيما علق من فتاوى القفال أن الإمام البارع في الحديث والفقه أبا الحسن أحمد بن سيار المروزي ، من متقدمي أصحابنا في طبقة المزني، قال: إذا لم يرفع يديه لتكبيرة الإحرام : لا تصح صلاته؛ لأنها واجبة ، فوجب الرفع، بخلاف باقي التكبيرات لا يجب الرفع لها؛ لأنها غير واجبة.

وهذا الذي قاله مردود بإجماع من قبله ” انتهى من “المجموع” (3 / 305).

وترجيح الحنابلة لوجوب التشهد الأوسط ليس اعتمادا على مجرد المواظبة فقط ، بل هناك أدلة  أخرى يقوي بعضها بعضا –كورود الأمر به- فتدل على الوجوب .

قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:

” إذا صلى ركعتين جلس للتشهد، وهذا الجلوس والتشهد فيه مشروعان بلا خلاف، وقد نقله الخلف عن السلف، عن النبي صلى الله عليه وسلم نقلا متواترا، والأمة تفعله في صلاتها .

فإن كانت الصلاة مغربا أو رباعية، فهما واجبان فيها، على إحدى الروايتين؛ وهو مذهب الليث، وإسحاق.

والأخرى: ليسا بواجبين. وهو قول أبي حنيفة، ومالك، والشافعي؛ لأنهما يسقطان بالسهو، فأشبها السنن.

ولنا، أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، وداوم على فعله، وأمر به في حديث ابن عباس، فقال: ( قولوا: التحيات لله ). وسجد للسهو حين نسيه.

وقد قال: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )” انتهى من “المغني” (2 / 217).

وقال ابن رجب رحمه الله تعالى:

” وقال الثوري، وأحمد في ظاهر مذهبه، وإسحاق، وأبو ثور، وداود: أن ترك واحداً منها عمداً بطلت الصلاة، وإن تركه سهواً سجد لسهو.

وحكى الطحاوي مثله عن مالك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يداوم عليه، وقال: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، وإنما تركه نسيانا وجبره بسجود السهو.

وقد رُوي عنه الأمر به كما خرّجه أبو دواد من حديث رفاعة بن رافع، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسيء في صلاته: ( فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن، وافترش فخذك اليسرى، ثم تشهد ) ” انتهى من “فتح الباري” (7 / 318).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android