0 / 0
14,00312/12/2018

هل كان ابن تيمية مبتدعا ثم صار سلفيا ؟

السؤال: 280553

هل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في أول حياته نشأ على غير طريقة السلف ، ونشأ على طريقة أهل البدع ، ومشايخه لم يكونوا على طريقة السلف، كما ورد في “مجموع الفتاوى”(6 /258)
” وَلَكِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ، وَ مَسْأَلَةُ الزِّيَارَةِ ، وَغَيْرُهُمَا حَدَثَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيهَا شُبَهٌ ، وَأَنَا وَغَيْرِي كُنَّا عَلَى مَذْهَبِ الْآبَاءِ  فِي ذَلِكَ نَقُولُ فِي الْأَصْلَيْنِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْبِدَعِ ؛ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَنَا مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ أَنْ نَتَّبِعَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ أَوْ نَتَّبِعَ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا فَكَانَ الْوَاجِبُ هُوَ اتِّبَاعُ الرَّسُول ….” ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

النقل المذكور يبين فيه شيخ الإسلام رحمه الله أنه كان على عقيدة آبائه في مسألتي: الصفات الاختيارية ، أو حلول الحوادث، ومسألة الزيارة.

وقد تأثر جماعة من الحنابلة بمذهب السالمية ، ونفوا حصول الفعل الاختياري من الله تعالى، وهو مذهب ابن كلاب أيضا.

قال رحمه الله: “فصل: في الصفات الاختيارية :

وهي الأمور التي يتصف بها الرب عز وجل فتقوم بذاته بمشيئته وقدرته؛ مثل كلامه وسمعه وبصره وإرادته ومحبته ورضاه ورحمته وغضبه وسخطه؛ ومثل خلقه وإحسانه وعدله؛ ومثل استوائه ومجيئه وإتيانه ونزوله، ونحو ذلك من الصفات التي نطق بها الكتاب العزيز والسنة=

فالجهمية ومن وافقهم من المعتزلة وغيرهم يقولون: لا يقوم بذاته شيء من هذه الصفات ولا غيرها.

والكلابية ، ومن وافقهم من السالمية وغيرهم يقولون: تقوم صفات بغير مشيئته وقدرته” .

انتهى من “مجموع الفتاوى”  (6/ 217).

وساق رحمه الله حجج النفاة ، وتسميتهم المسألة بحلول الحوادث، وأجاب عنها.

إلى أن قال (6/ 258) :

“و”الرؤية” و “السمع” : أمر وجودي ، لا بد له من موصوف يتصف به .

فإذا كان هو الذي رآها ، وسمعها : امتنع أن يكون غيره هو المتصف بهذا السمع، وهذه الرؤية ،  وأن تكون قائمة بغيره .

فتعين قيام هذا السمع وهذه الرؤية به ، بعد أن خُلقت الأعمال والأقوال .

وهذا مطعن لا حيلة فيه… ولكن ” هذه المسألة ” و” مسألة الزيارة ” وغيرهما : حدث من المتأخرين فيها شُبَه !!

وأنا وغيري : كنا على “مذهب الآباء” في ذلك ؛ نقول في ” الأصلين ” بقول أهل البدع .

فلما تبين لنا ما جاء به الرسول : دار الأمر بين أن نتبع ما أنزل الله ، أو نتبع ما وجدنا عليه آباءنا ؟!!

فكان الواجب : هو اتباع الرسول” !! انتهى.

فالمراد بالأصلين هنا : الصفات الاختيارية، والزيارة البدعية.

ثم قال رحمه الله مؤكدا ذلك (6/ 264):

“فهذا بعض ما يبين أن ” الفاتحة ” ، أم القرآن : اشتملت على بيان المسألتين المتنازع فيهما: ” مسألة “الصفات الاختيارية” ، ومسألة “الفرق بين الزيارة الشرعية والزيارة البدعية”.

والله تعالى هو المسئول أن يهدينا وسائر إخواننا إلى صراطه المستقيم ، صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا” انتهى.

ثانيا:

وقد بين رحمه الله في موضع آخر : أنه صنف منسكا ذكر فيه استحباب زيارة مساجد مكة وما حولها ، ثم تبين له أن ذلك بدعة.

قال رحمه الله: “وقد ذكر طائفة من المصنفين في المناسك استحباب زيارة مساجد مكة وما حولها، وكنت قد كتبتها في منسك كتبته قبل أن أحج في أول عمري، لبعض الشيوخ، جمعته من كلام العلماء .

ثم تبين لنا : أن هذا كله من البدع المحدثة التي لا أصل لها في الشريعة، وأن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، لم يفعلوا شيئا من ذلك، وأن أئمة العلم والهدى ينهون عن ذلك، وأن المسجد الحرام هو المسجد الذي شرع لنا قصده للصلاة والدعاء والطواف، وغير ذلك من العبادات، ولم يشرع لنا قصد مسجد بعينه بمكة سواه، ولا يصلح أن يجعل هناك مسجد يزاحمه في شيء من الأحكام، وما يفعله الرجل في مسجد من تلك المساجد، من دعاء وصلاة وغير ذلك، إذا فعله في المسجد الحرام كان خيرا له؛ بل هذا سنة مشروعة، وأما قصد مسجد غيره هناك تحريا لفضله، فبدعة غير مشروعة” انتهى من “اقتضاء الصراط المستقيم” (2/ 339).

وهذا من تمام نصحه رحمه الله.

ووقوعه رحمه الله في الخطأ في مسألة أو مسألتين : لا يقال معه إنه نشأ مبتدعا، أو على طريقة أهل البدع، بل الظاهر من سيرته ومن مصنفاته أنه كان على منهج السلف ، إلا في أحرف يسيرة ، لم يكن قد تبين له وجه الصواب فيه ، كغيره من أهل العلم والاجتهاد ، لا يزال يفتح عليه في العلم ما شاء الله له ، ويتعلم مما كان يجهل ما شاء الله له ، ويتبين له صواب ما كان أخطأ ، ما شاء الله له ؛ وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .

قال الدكتور عبد الرحمن بن صالح المحمود حفظه الله: “المتتبع لحياة شيخ الإسلام ابن تيمية يلمس منها أن ما أعطاه الله من ذكاء ، وقوة حافظة ، وسرعة إدراك ، وجو علمي مليء بالعلماء وبالكتب التي ألفها من كان قبلهم : ساعده على أن يكون ذا قدرة علمية مستقلة ، بعيدة عن التقليد الأعمى .

ولذلك استمر طول حياته على منهج واحد ، لم يتغير، بخلاف بعض العلماء- خاصة من غاصوا في علم الكلام والفلسفة- تجد الواحد منهم يمر في حياته بأكثر من مرحلة، كل مرحلة لها منهج وطريقة تخالف المرحلة الأخرى.

ومع ذلك فنلمس- من خلال تتبع حياة ابن تيمية- رجوعه عن بعض المسائل التي قد يكون أخذها تقليدا، أو لم تتكامل معرفته بالشخص أو المسألة المعينة”.

ثم ذكر ما سبق من المسائل، ثم قال:

” فهذه المواقف له : تدل على المنهل الأصيل الذي انطلق منه، متبعا للكتاب والسنة ، ولو كان ذلك فيه مخالفة لما كان عليه الآباء والأجداد، أو ما يترسمه الشيوخ والعلماء والقضاة، فالحق أحق أن يتبع، والأمور لا توزن بكلام الناس وما اعتادوه ، ولو كانوا علماء فضلاء- وإنما توزن بميزان الحق والعدل المبني على الشرع المنزل ” .

انتهى من “موقف ابن تيمية من الأشاعرة” (1/ 157).

والله أعلم.

البدعة

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android