0 / 0

حكم التوسط لشخص ليحصل على وظيفة في شركة خاصة مقابل مال

السؤال: 260187

أريد أن أقترح على رجل يعمل حارسا في شركة خاصة بأجرة معينة ، وهو قد إقترب عن الترك هذا العمل ، أن يهيء لي أن أعمل مكانه في هذا العمل ، فإذا أصبحت أعمل مكانه أعطيه عشر الأجرة . علما أني أنوي من قبل التصدق بعشر مالي إن رزقني الله عملا أرزق منه . فهل تعتبر هذه العشر من المال صدقة أم رشوة ؟ أو ما حكمها ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

إذا كنت صالحا لهذا العمل، فلا حرج على من يتوسط لك لتحصل عليه، فإن هذا من الشفاعة الحسنة.

قال الله تعالى : ( مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا ) النساء /85 .

وعَنْ أَبِي مُوسَى : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ السَّائِلُ – وَرُبَّمَا قَالَ جَاءَهُ السَّائِلُ – أَوْ صَاحِبُ الحَاجَةِ، قَالَ: ( اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا ) " رواه البخاري ( 6028 ) .

وإذا لم تكن صالحا للعمل، لم يجز التوسط لك فيه، وهو من الشفاعة السيئة، وفيه غش لأصحاب العمل.

ثانيا:

الظاهر أن هذا الرجل لا يبذل جهدا ولا عملا في سبيل توظيفك، وإنما يتوسط ويشفع.

وقد اختلف الفقهاء في أخذ الأجرة على الشفاعة أو ما يسمى ب "ثمن الجاه"، فذهب بعضهم إلى جوازه، كما يفهم من كلام الشافعية والحنابلة ، وذهب آخرون إلى منعه أو كراهته أو التفصيل في حكمه، وهي أقوال في مذهب المالكية .

قال في "الروض المربع" في باب القرض : " وإذا قال : اقترض لي مائة ، ولك عشرة : صح ؛ لأنها في مقابلة ما بذله من جاهه " انتهى .

ومثل ذلك في "مغني المحتاج" (3/35).

وقال في "الإنصاف" (5/134) : " لو جعل له جُعلا (أي : أجرة) على اقتراضه له لجاهه : صح ؛ لأنه في مقابلة ما بذله من جاهه فقط " انتهى .

وقال الدسوقي رحمه الله: " (قوله وذي الجاه) قال أبو علي المسناوي: محل منع الأخذ على الجاه إذا كان الإنسان يمنع غيره بجاهه، من غير مشي ولا حركة . وأن قول المصنف (وذي الجاه) مقيد بذلك ، أي : من حيث جاهه فقط، كما إذا احْتُرم زيدٌ مثلا بذي جاه، ومُنع من أجل احترامه، فهذا لا يحل له الأخذ من زيد، ولذا قال ابن عرفة: يجوز دفع الضيعة لذي الجاه للضرورة ، إن كان يحمي بسلاحه، فإن كان يحمي بجاهه فلا؛ لأنها ثمن الجاه اهـ

وبيانه : أن ثمن الجاه إنما حرم؛ لأنه من باب الأخذ على الواجب، ولا يجب على الإنسان أن يذهب مع كل أحد اهـ.

وفي المعيار: سئل أبو عبد الله القوري عن ثمن الجاه ، فأجاب بما نصه:

اختلف علماؤنا في حكم ثمن الجاه ، فمن قائل بالتحريم بإطلاق، ومن قائل بالكراهة بإطلاق، ومن مفصل فيه ، وأنه إن كان ذو الجاه يحتاج إلى نفقة وتعب وسفر ، فأخذ أجر مثله : فذلك جائز ؛ وإلا حرم اهـ.

قال أبو علي المسناوي: وهذا التفصيل هو الحق" انتهى من حاشية الدسوقي (3/ 234).

واستدل المانعون بحديث أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ شَفَعَ لأَخِيهِ بِشَفَاعَةٍ ، فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً عَلَيْهَا ، فَقَبِلَهَا : فَقَدْ أَتَى بَابًا عَظِيمًا مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا ) .

رواه أبوداود (3541) ، وحسنه الألباني في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " ( 7 / 1371).

وذلك لأن الشفاعة عمل صالح يثاب عليه الإنسان من الله تعالى ، فإذا أخذ عليه أجرا أو هدية فقد ضيع أجره عند الله ، كما أن الربا يضيع الحلال .

ينظر : " عون المعبود " ( 9 / 457).

وأما المجيزون فأجابوا عن الحديث بأنه ضعيف، فقد ضعفه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام بقوله : في إسناده مقال، أو يحمل على الشفاعة التي يجب القيام بها، أو الشفاعة في شيء محرم .

قال الصنعاني رحمه الله تعالى :" فيه دليل على تحريم الهدية في مقابلة الشفاعة …

ولعل المراد : إذا كانت الشفاعة في واجب ، كالشفاعة عند السلطان في إنقاذ المظلوم من يد الظالم ، أو كانت في محظور ، كالشفاعة عنده في تولية ظالم على الرعية ، فإنها في الأولى واجبة ، فأخذ الهدية في مقابلها محرم ، والثانية محظورة ، فقبضها محظور .

وأما إذا كانت الشفاعة في أمر مباح:

فلعله جائز أخذ الهدية ، لأنها مكافأة على إحسان غير واجب .

ويحتمل أنها تحرم ، لأن الشفاعة شيء يسير ، لا تؤخذ عليه مكافأة " انتهى من " سبل السلام " ( 5 / 128 ).

وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى :"وقد ترجم أبو داود للحديث بقوله " باب في الهدية لقضاء الحاجة " .

وعليه أقول: إن هذه الحاجة هي التي يجب على الشفيع أن يقوم بها لأخيه ، كمثل أن يشفع له عند القاضي أن يرفع عنه مظلمة ، أو أن يوصل إليه حقه ، ونحو ذلك …

وقد يتبادر لبعض الأذهان أن الحديث مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من صنع إليكم معروفاً فكافئوه ، فإن لم تستطيعوا أن تكافئوه ؛ فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه ) . رواه أبو داود وغيره.

فأقول : لا مخالفة ، وذلك بأن يحمل هذا على ما ليس فيه شفاعة ، أو على ما ليس بواجب من الحاجة . والله أعلم " انتهى من " سلسلة الأحاديث الصحيحة " (7/1371) .

والحاصل : أن ثمن الجاه فيه تفصيل:

1-فإن كان التوسط مما يجب على الشافع، لم يجز.

2-وإن كان مما لا يجب عليه، كالتوسط في تحصيل الوظائف الخاصة، فإن بذل فيه جهدا وعملا، فهو جائز.

وإن لم يبذل فيه جهدا، فاختلف فيه على ما سبق بيانه .

فعلى القول بالجواز: لا حرج أن تعطي هذا الرجل مالا ليشفع لك ، وتنال الوظيفة، لكن لا يجوز إعطاؤه عشر الراتب على الدوام، لما في ذلك من الجهالة والغرر ، واقتطاعه من مالك ، على جهة الدوام ، ما لم يكسبه ، ولم يعمل له على جهة الدوام ، ودخول الضيق عليك، غالبا .

بل غاية ما هنالك أن تتفق معه على مبلغ مقطوع، أو عشر الراتب لمدة معينة كستة أشهر مثلا.

بل لا نرى لك أن تلزم نفسك بالقدر المذكور صدقة ، لا على وجه النذر ، ولا على نية الالتزام ، بل اجتهد في أن تتصدق ما تقدر عليه ، مما فضل عن قوتك ، وقوت عيالك ، بحسب يسارك وإعسارك ، ولا تدخل الضيق على نفسك بالتزام أمر ، قد يشق عليك التزامه ، أو يضيق عليك أمر عيشك ؛ فعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ

رواه البخاري (1426) ومسلم (1034) .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android