0 / 0
54,10107/01/2017

ذكر النعم وشكرها يكون بالقلب واللسان والجوارح

السؤال: 259676

يأمرنا ربنا سبحانه وتعالى في القرآن الكريم بأن نذكر نعمة الله علينا في كذا وكذا، وذكر نعما عديدة ، مثل قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) ) سورة الأحزاب سؤالي هو ، كيف يكون ذكر النعمة كما أمر ربنا ، هل المقصود هو ذكرها أمام الناس والتحدث بها ، أم المقصود تذكرها فقط ، أم ماذا ؟ جزاكم الله كل خير .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

الأمر في هذه الآية الكريمة التي أوردها السائل : هو أمر للصحابة والمؤمنين أن يذكروا نعمة الله وفضله عليهم وإحسانه إليهم في هزيمة أعدائهم ورد كيدهم .

قال ابن كثير رحمه الله :

" يقول تعالى مخبرا عن نعمته وفضله وإحسانه إلى عباده المؤمنين، في صرفه أعداءهم وهزمه إياهم عام تألبوا عليهم وتحزبوا ، وذلك عام الخندق " انتهى من "تفسير ابن كثير" (6/383) .

وحيثما جاء الأمر في القرآن بذكر النعمة فهو يعني : ذكرها بالقلب ، وذلك باستحضار فضل الله على عباده بها ، وذكرها باللسان ، وذلك بالتحدث بها قولا ، وذكرها بالجوارح ، وذلك بأن لا يستخدمها فيما يغضب الله عز وجل .

فذكر النعمة هو شكرها ، ويكون بالقلب واللسان والجوارح ، فكل نوع يصدق الآخر ، وإلا كان الشكر كاذبا .

ولذلك قال الشاعر :

أفادتكم النَّعماءُ مِنِّي ثلاثة* يدي ولساني والضَّمير المحجَّبا .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في تفسير قوله تعالى (واذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) البقرة: 231 :

" والذكر يكون بالقلب، واللسان، والجوارح؛ فذكرها باللسان أن تقول: أنعم الله علي بكذا، كما قال تعالى: (وأما بنعمة ربك فحدث) الضحى: 11 ؛ فتثني على الله عز وجل بها تقول: اللهم لك الحمد على ما أنعمت علي به من المال، أو الزوجة، أو الأولاد، أو ما أشبه ذلك .

وذكرها بالقلب : أن تستحضرها بقلبك ، معترفا بأنها نعمة من الله .

وذكرها بالجوارح : أن تعمل بطاعة الله، وأن يرى أثر نعمته عليك " انتهى من "تفسير سورة البقرة" (3/132) .

وقال الهروي : "وَمَعَانِي الشُّكْرِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: مَعْرِفَةُ النِّعْمَةِ. ثُمَّ قَبُولُ النِّعْمَةِ. ثُمَّ الثَّنَاءُ بِهَا" .

قال ابن القيم رحمه الله شارحا قول الهروي :

" أَمَّا مَعْرِفَتُهَا: فَهُوَ إِحْضَارُهَا فِي الذِّهْنِ، وَمُشَاهَدَتُهَا وَتَمْيِيزُهَا.

فَمَعْرِفَتُهَا: تَحْصِيلُهَا ذِهْنًا.

وقَبُولُهَا: هُوَ تَلَقِّيهَا مِنَ الْمُنْعِمِ ، بِإِظْهَارِ الْفَقْرِ وَالْفَاقَةِ إِلَيْهَا. وَأَنَّ وُصُولَهَا إِلَيْهِ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ مِنْهُ، وَلَا بَذْلِ ثَمَنٍ. بَلْ يَرَى نَفْسَهُ فِيهَا كَالطُّفَيْلِيِّ. فَإِنَّ هَذَا شَاهِدٌ بِقَبُولِهَا حَقِيقَةً.

قَوْلُهُ: "ثُمَّ الثَّنَاءُ بِهَا" : الثَّنَاءُ عَلَى الْمُنْعِمِ، الْمُتَعَلِّقٌ بِالنِّعْمَةِ نَوْعَانِ: عَامٌّ، وَخَاصٌّ :

فَالْعَامُّ: وَصْفُهُ بِالْجُودِ وَالْكَرَمِ، وَالْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ، وَسَعَةِ الْعَطَاءِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَالْخَاصُّ: التَّحَدُّثُ بِنِعْمَتِهِ، وَالْإِخْبَارُ بِوُصُولِهَا إِلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى: 11] .

وَفِي هَذَا التَّحْدِيثِ الْمَأْمُورِ بِهِ قَوْلَانِ :

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ ذَكَرَ النِّعْمَةَ، وَالْإِخْبَارَ بِهَا. وَقَوْلُهُ: أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ بِكَذَا وَكَذَا. قَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي اشْكُرْ مَا ذَكَرَ مِنَ النِّعَمِ عَلَيْكَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ: مِنْ جَبْرِ الْيُتْمِ، وَالْهُدَى بَعْدَ الضَّلَالِ، وَالْإِغْنَاءِ بَعْدَ الْعَيْلَةِ.

وَالتَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ شُكْرٌ. كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا (مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَلْيَجْزِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَجْزِي بِهِ ، فَلْيُثْنِ. فَإِنَّهُ إِذَا أَثْنَى عَلَيْهِ فَقَدْ شَكَرَهُ. وَإِنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ، وَمَنْ تَحَلَّى بِمَا لَمْ يُعْطَ كَانَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ) [ الحديث رواه البخاري في الأدب المفرد (215)، وصححه الألباني ] .

فَذَكَرَ أَقْسَامَ الْخَلْقِ الثَّلَاثَةَ: شَاكِرُ النِّعْمَةِ الْمُثْنِي بِهَا، وَالْجَاحِدُ لَهَا وَالْكَاتِمُ لَهَا. وَالْمُظْهِرُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا، وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا. فَهُوَ مُتَحَلٍّ بِمَا لَمْ يُعْطَهُ.

وَفِي أَثَرٍ آخَرَ مَرْفُوعٍ: (مَنْ لَمْ يَشْكُرِ الْقَلِيلَ لَمْ يَشْكُرِ الْكَثِيرَ. وَمَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ. وَالتَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ شُكْرٌ. وَتَرْكُهُ كُفْرٌ. وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ وَالْفُرْقَةٌ عَذَابٌ) [ رواه عبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" (18449) ، وحسنه الألباني] .

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ التَّحَدُّثَ بِالنِّعْمَةِ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ [ يعني: آخر سورة الضحى ، وقد سبقت] : هُوَ الدَّعْوَةُ إِلَى اللَّهِ، وَتَبْلِيغُ رِسَالَتِهِ، وَتَعْلِيمُ الْأُمَّةِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ النُّبُوَّةُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ بَلِّغْ مَا أُرْسِلْتَ بِهِ، وَحَدِّثْ بِالنُّبُوَّةِ الَّتِي آتَاكَ اللَّهُ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ الْقُرْآنُ. أَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَهُ.

وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ يَعُمُّ النَّوْعَيْنِ. إِذْ كَلٌّ مِنْهُمَا نِعْمَةٌ مَأْمُورٌ بِشُكْرِهَا ، وَالتَّحَدُّثِ بِهَا. وَإِظْهَارِهَا مِنْ شُكْرِهَا" انتهى مختصرا من "مدارج السالكين" (2/237) .

وقال ابن القيم رحمه الله عن الشكر :

"وهو مبني على ثلاثة أركان: الاعتراف بها باطناً، والتحدث بها ظاهراً، وتصريفها في مرضاة وليها ومسديها ومعطيها" انتهى من "الوابل الصيب" (ص5) .

وينظر جواب السؤال (125984) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android