0 / 0
4,78912/02/2017

أعطى المريض حقنة من الكالسيوم لئلا يدخل في غيبوبة فحصل له سكتة ومات فهل يضمن

السؤال: 256182

أنا طبيب أتتني في بداية حياتي المهنية حالة مستعصية ومتردية، تتمثل في كون المريض كان به نقص حاد في مادتي الكالسيوم والبوتاسيوم ، وهو على مشارف الغيبوبة، فيحتاج لحقنه بالمادتين، لكنه كان يتناول دواء لا يتجانس مطلقا مع مادة الكالسيوم، ولذا فحقنه بمادة الكالسيوم قد يسبب له سكتة قلبية وقد لا يسبب. وبعد تفكير ارتأيت أن أعطيه أدنى جرعة ممكنة كي يمكنه تجاوز الغيبوبة، فإن تحملها المريض سأرفع له تدريجيا في الجرعات. لكنه وبمجرد حقنه بالجرعة القليلة جدا، حصلت له سكتة قلبية مات على إثرها. بعد ذلك مباشرة راجعت ثلاثة أطباء أكثر خبرة مني وذوي أقدمية، فكان جوابهم أنهم كانوا سيفعلون مثل ما فعلت بالنظر إلى حالة المريض. سؤالي : هل علي شيء؟ وحسب الحالة المذكورة هل انا مخطئ ؟ وهل علي دية أو كفارة أو هما معا ؟ وإن كان الأمر كذلك ، فالحالة ترجع إلى سنوات عديدة خلت، لا يمكنني معها الوصول إلى أسرة الهالك، فيكف العمل؟ أفتونا مأجورين. جزاكم الله كل خيرا.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

الطبيب إذا أعطى المهنة حقها، فعالج وفق ما يقضي به الطب، فلم يصف دواء خاطئا، ولم تجن يده، وكان بإذن المريض أو وليه : فلا ضمان عليه اتفاقا؛ لأن فعله مأذون فيه شرعا .  والقاعدة : أن ما ترتب على المأذون ، فهو غير مضمون.

قال ابن القيم رحمه الله مبينا أقسام الأطباء ، ومن يضمن ، ومن لا يضمن:

الأقسام خمسة :

أحدها : طبيب حاذق ، أعطى الصنعة حقها ، ولم تجنِ يدُه ، فتولَّد من فعله ، المأذون فيه من جهة الشارع ، ومن جهة من يَطُبُّه : تلفُ العضو ، أو النفس ، أو ذهاب صفة : فهذا لا ضمان عليه ، اتفاقاً ؛ فإنها سِرايةُ مأذونٍ فيه [السِّرَاية : ما ترتب على الفعل ونتج منه] ، وهذا كما إذا ختن الصبي في وقت ، وسنُّه قابل للختان ، وأعطى الصنعة حقها ، فتلف العضو ، أو الصبي: لم يضمن …

القسم الثاني : متطبِّب جاهل ، باشرت يدُه من يطبه ، فتلف به : فهذا إن علم المجني عليه أنه جاهل لا علم له ، وأذن له في طبه : لم يضمن ، ولا تخالف هذه الصورة ظاهر الحديث ؛ فإن السياق وقوة الكلام يدل على أنه غرَّ العليل ، وأوهمه أنه طبيب ، وليس كذلك ، وإن ظن المريض أنه طبيب ، وأذن له في طبِّه لأجل معرفته : ضمِن الطبيب ما جنت يدُه ، وكذلك إن وصف له دواء يستعمله ، والعليل يظن أنه وصفه لمعرفته ، وحذقه ، فتلف به : ضمنه ، والحديث ظاهر فيه ، أو صريح .

القسم الثالث : طبيب حاذق ، أُذن له ، وأَعطى الصنعة حقها ، لكنه أخطأت يدُه ، وتعدَّت إلى عضو صحيح ، فأتلفه ، مثل : أن سبقت يدُ الخاتن إلى الكَمَرة – وهي : رأس الذَّكَر- : فهذا يضمن ؛ لأنها جناية خطأ ، ثم إن كانت الثلث فما زاد [أي كانت الجناية توجب ثلث الدية فأكثر] : فهو على عاقلته ، فإن لم تكن عاقلة : فهل تكون الدية في ماله ، أو في بيت المال ؟ على قولين هما روايتان عن أحمد… فإن لم يكن بيت مال، أو تعذر تحميله، فهل تسقط الدية، أو تجب في مال الجاني؟ فيه وجهان أشهرهما: سقوطها.

القسم الرابع : الطبيب الحاذق الماهر بصناعته ، اجتهد ، فوصف للمريض دواءً ، فأخطأ في اجتهاده ، فقتله : فهذا يخرَّج على روايتين ، إحداهما : أن دية المريض في بيت المال ، والثانية : أنها على عاقلة الطبيب ، وقد نص عليهما الإمام أحمد في خطأ الإمام ، والحاكم .

القسم الخامس : طبيب حاذق أعطى الصنعة حقَّها ، فقطع سِلْعة – لحمة زائدة – مِن رجُل ، أو صبي ، أو مجنون ، بغير إذنه ، أو إذن وليه ، أو ختن صبيّاً بغير إذن وليه ، فتلف ، فقال أصحابنا : يضمن ؛ لأنه تولد من فعل غير مأذون فيه ، وإن أذِن له البالغ ، أو ولي الصبي ، والمجنون : لم يضمن .

ويحتمل أن لا يضمن مطلقاً ؛ لأنه محسن ، وما على المحسنين من سبيل .

وأيضاً : فإنه إن كان متعديّاً : فلا أثر لإذن الولي في إسقاط الضمان ، وإن لم يكن متعديّاً : فلا وجه لضمانه .

فإن قلت : هو متعدٍّ عند عدم الإذن ، غير متعد عند الإذن ؟

قلت : العدوان ، وعدمه ، إنما يرجع إلى فعله هو ، فلا أثر للإذن وعدمه فيه ، وهذا موضع نظر” انتهى من “زاد المعاد” (4/128 – 130) .

 ثانيا:

المرجع في كون الطبيب قد اختار الدواء المناسب،  كما وكيفاً، إلى الأطباء.

وعليه، فإذا قال ثلاثة من الأطباء الثقات : إن ما قمت به من حقن المريض بالقليل من الكالسيوم ، كان هو المناسب لحالته : فقد أديت ما عليك، ولا ضمان حينئذ ؛ فلا يلزمك دية ، ولا كفارة.

جاء في الموسوعة الفقهية (12/ 138): ” .. فلا ضمان على طبيب وبزاغ (جراح) وحجام وختان ما دام قد أذن لهم بهذا ولم يقصروا، ولم يجاوزوا الموضع المعتاد، وإلا لزم الضمان…

وفي “القُنْيَة” ـ من كتب الأحناف ـ : سئل محمد نجم الدين عن صبية سقطت من سطح، فانفتح رأسها، فقال كثير من الجراحين: إن شققتم رأسها تموت. وقال واحد منهم: إن لم تشقوه اليوم تموت، وأنا أشقه وأُبرئها، فشقه، فماتت بعد يوم أو يومين. هل يضمن؟

فتأمل مليا ، ثم قال: لا، إذا كان الشق بإذن، وكان الشق معتادا، ولم يكن فاحشا خارج الرسم (أي العادة) .

قيل له: فلو قال: إن ماتت فأنا ضامن، هل يضمن؟

فتأمل مليا، ثم قال: لا.

فلم يَعتبر شرط الضمان؛ لأن شرطه على الأمين باطل، على ما عليه الفتوى… ” انتهى .

وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: ” إذا كان الطبيب حاذقاً ، وأعطى الصنعة حقَّها ، ولم تجن يده ، أو يقصر في اختيار الدواء الملائم بالكمية، والكيفية ، فإذا استكمل كل ما يمكنه ، ونتج من فعله المأذون من المكلف ، أو وليِّ غيرِ المكلف ، تلف النفس ، أو العضو : فلا ضمان عليه ، اتفاقاً ؛ لأنها سراية مأذون فيها ، كسراية الحد ، والقصاص” انتهى من فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (8/104).

وينظر في اعتبار شهادة ثلاثة أطباء: فتاوى اللجنة الدائمة (25/ 80)، فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (11/ 254)، وجواب السؤال رقم (175020) في الموقع .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android