0 / 0
21,72607/11/2016

صحة إيمان المقلد وبيان فضل الله على أهل التوحيد

السؤال: 244937

أمرنا الله أن نتفكر ، ونعمل عقلنا ؛ لكي يزيد إيماننا ، أو ليطمئن قلبنا به ، ولكن أغلب المسلمين لا يفعلون ذلك ، ولا يشغلون بالهم أصلا بذلك ، فأغلبهم وجد نفسه ولد مسلما ، لذلك فهو يؤدي الشعائر الإسلامية ، ولا يشغل نفسه هل ما يؤمن به هو الصواب أم لا .
، ثم بعد موته يحاسبه الله علي أعماله ، ولكن سيدخل الجنة بعد حسابه ؛ لأنه مسلم ، كذلك من ارتكبوا كبائر الذنوب ، فهم بالنهاية مسلمين ـ، وسمعت كثير من الشيوخ يقول : إنه سيحاسب على ما فعله ، ثم يدخل الجنة فأتعجب من ذلك ، فالسبب الذي أدخله الجنة بالنهاية هو لم يشغل باله به .
ومن الناحية الأخري نجد أن غير المسلمين برغم ما يفعلونه من أعمال حسنة ، فمصيرهم النار ، وأنا لست معترضة علي ذلك ، فهم ارتكبوا أكبر الكبائر وهو الشرك .

ولكن سؤالي :

عمن هم مسلمين فقط ، لأنهم وُلدوا من أبوين مسلمين ، وهم الأغلبية ، فهم يسيرون بمبدأ ما ذكره القرآن في تبرير الكفار لموقفهم بقولهم هذا ما وجدنا عليه أبائنا ، وأنا أعتقد ولست أعلم ذلك صحيح أم لا أنه يجب علي كل منا أن يبحث بنفسه ، ويكون الإيمان والاقتناع نابع من هذا البحث .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:
من ولد مسلما فليحمد الله على هذه النعمة ، وليجتهد في شكرها، ومن ذلك فعل الطاعات واجتناب المعاصي والموبقات، وأداء الشعائر .
ثم : لا يلزمه بعد أن من الله عليه بالإيمان : أن يشك في دينه ، أو أن ينظر هل هو على صواب أم لا، بل هذا الشك حرام وكفر، وإنما ينبغي أن يزيد إيمانه بالتفكر والتدبر في آيات الله الكونية والشرعية.
وهذا المسلم الموحد إن مات، كان من أهل الجنة، وقد يدخل النار لذنوب اقترفها ولم يتب منها، ثم مآله إلى الجنة ، كما هو معتقد أهل السنة والجماعة في أصحاب الذنوب والمعاصي.

ولا يقال: إن السبب الذي أدخله الجنة لم يكن مباليا به ، فإن هذا كلام غير دقيق ؛ فالسبب هو الإيمان والتوحيد ، فما دام مؤمنا موحدا لم يقترف شركا ولا ناقضا من نواقض الإيمان ، فقد أتى بالسبب العظيم الموجب للجنة .
ولا يضره كونه لم ينظر في أدلة هذا الإيمان، فإن إيمان المقلد صحيح نافع له ، والحمد لله.

على أنه لا يخلو إنسان من نظر وتفكر واعتبار، وإن لم يكن كنظر أهل العلم والتدبر ، أو أهل الفسلفة والكلام والتعمق.
ولا يقال لمن كان ثابتا على الإيمان مقيما عليه: إنه غير مبال به، بل هو مبال به، محافظ عليه، جازم به، وغايته أنه مقلد في اعتقاد صحته، وهذا لا يضره.
قال السفاريني رحمه الله: ” قال بعض علماء الشافعية : اعلم أن وجوب الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر لا يشترط فيه أن يكون عن نظر واستدلال ، بل يكفي اعتقاد جازم بذلك ، إذ المختار الذي عليه السلف ، وأئمة الفتوى من الخلف ، وعامة الفقهاء ، صحة إيمان المقلد ، قال : وأما ما نقل عن الإمام الشيخ أبي الحسن الأشعري من عدم صحة إيمان المقلد ، فكذب عليه كما قاله الأستاذ أبو القاسم القشيري .
ثم قال : ومما يرد على زاعمي بطلان إيمان المقلد أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فتحوا أكثر العجم ، وقبلوا إيمان عوامهم ، كأجلاف العرب ، وإن كان تحت السيف ، أو تبعا لكبير منهم أسلم ، ولم يأمروا أحدا منهم بترديد نظر ، ولا سألوه عن دليل تصديقه ، ولا أرجئوا أمره حتى ينظر.
والعقل يجزم في نحو هذا بعدم وقوع الاستدلال منهم لاستحالته حينئذ ، فكان ما أطبقوا عليه دليلا أي دليل على إيمان المقلد .
وقال : إن التقليد أن يسمع من نشأ بقمة جبلٍ ، الناسَ يقولون : للخلق رب خلقهم ، وخلق كل شيء من غير شريك له ، ويستحق العبادة عليهم ، فيجزم بذلك إجلالا لهم عن الخطأ ، وتحسينا للظن بهم ، فإذا تم جزمه ، بأن لم يُجِز نقيض ما أخبروا به ، فقد حصل واجب الإيمان ، وإن فاته الاستدلال ، لأنه غير مقصود لذاته بل للتوصل به للجزم ، وقد حصل .
وقال الإمام النووي : الآتي بالشهادتين مؤمن حقا ، وإن كان مقلدا ، على مذهب المحققين والجماهير من السلف والخلف ، لأنه – صلى الله عليه وسلم – اكتفى بالتصديق بما جاء به ، ولم يشترط المعرفة بالدليل ، وقد تظاهرت بهذا الأحاديث الصحاح يحصل بمجموعها التواتر والعلم القطعي ، انتهى .
وبما تقرر تعلم أن النظر ليس بشرط في حصول المعرفة مطلقا ، وإلا لما وجدت بدونه ، لوجوب انتفاء المشروط ، بانتفاء الشرط ، لكنها قد توجد ؛ فظهر أن النظر لا يتعين على كل أحد ، وإنما يتعين على من لا طريق له سواه ، بأن بلغته دعوة النبي – صلى الله عليه وسلم – أول ما بلغته دعوته ، وصدق به تصديقا جازما بلا تردد ، فمع صحة إيمانه بالاتفاق ، لا يأثم بترك النظر ..” انتهى من ” لوامع الأنوار” (1/269).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

وقيل يكفي الجزم إجماعاً بما … يطلب فيه عند بعض العلما
وهذا قول ثان في هذه المسألة ؛ وهو أنه يكفي الجزم بما يطلب فيه الجزم ، ولو عن طريق التقليد؛ فالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر : هذا مما يجب فيه الجزم، ولكن العامي لا يدرك ذلك بدليله ، ومع ذلك نصحح إيمانه ، ونقول إنه مؤمن وإن كان لا يدرك ذلك بدليله.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (وقيل يكفي الجزم إجماعا) : يعني انه إذا وجد الجزم ، حصل المقصود ، بالإجماع.
وقوله: (بما يطلب فيه) ، نائب فاعل (يطلب) يعود على الجزم، يعني يكفي الجزم بما يطلب فيه الجزم بالإجماع، وقائل هذا بعض العلماء ، ولهذا قال: (عند بعض العلما)
وهذا القول هو الصحيح، والدليل على ذلك أن الله أحال على سؤال أهل العلم في مسألة من مسائل الدين التي يجب فيها الجزم، فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (الأنبياء: 7) ؛ وواضح أننا نسألهم لنأخذ بقولهم، ومعلوم أن الإيمان بأن الرسل رجال هو من العقيدة، ومع ذلك أحالنا الله فيه إلى أهل العلم…
ثم إننا لو ألزمنا العامي بترك التقليد والتزام الأخذ بالاجتهاد ، لألزمناه بما لا يطيق، وقد قال الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) (البقرة: الآية 286) وقال: (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ* وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) (المؤمنون/61،62)
فالصواب المجزوم به : هو القول الثاني؛ وهو أن ما يطلب فيه الجزم ، يكتفى فيه بالجزم، سواء عن طريق الدليل ، أو عن طريق التقليد.
قال المؤلف رحمه الله: (فالجازمون من عوام البشر) يعني الذين يجزمون بما يعتقدون من العوام الذين ليس عندهم علم لأنهم عوام، قال: (فمسلمون) يعني فهم مسلمون ، وإن كانوا لم يأخذوا ما يطلب فيه الجزم عن طريق الاجتهاد.
ثم قال: (عند أهل الأثر) وكفى بأهل الأثر قدوة، فأهل الأثر يرون أنه يجوز التقليد فيما يطلب فيه الجزم، والمقصود أن يحصل الجزم ، سواء عن طريق التقليد أو عن طريق الاجتهاد، وإذا كان هذا هو ما يراه أهل الأثر ، فهو الذي نراه نحن ، وهو الصحيح” انتهى من “شرح العقيدة السفارينية” (ص310) .

فعلم مما سبق أنه لا يجب البحث والاستدلال على من ثبت إسلامه، بل يطلب منه العمل والسعي في زيادة اليقين.

ثانيا:
الكافر مهما عمل من الحسنات في الدنيا، فإن مصيره في الآخرة النار، فإن سيئة الكفر لا يعدلها شيء. وقد ينعمه الله في الدنيا بأعماله الحسنة، فيعطيه الصحة والمال ونحو ذلك، وما له في الآخرة من نصيب.
فقد روى مسلم (2808) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا ، حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا).

ولا يقال هنا: لم، ولا كيف؟ فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء ، فالمؤمن عامله الله بفضله، والكافر جازاه بعدله ، وهو سبحانه (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) الأنبياء/23، (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) فصلت/46.

وينظر للفائدة: سؤال رقم : (130271) ، ورقم : (130271) ، ورقم: (150930) .
والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android