0 / 0
129,53214/10/2015

هل للحيوانات عقل ؟

السؤال: 229311

هل للحيوانات عقل وفهم مثل الإنسان :
فإن كانت الإجابة ” لا “، فكيف فهم هدهد سيدنا سليمان عليه السلام سجود بلقيس للشمس ، وتعجب من ذلك ، إضافة إلى أن الله عز وجل أخبرنا أن الطيور والحيوانات تسجد ، وتصلي ، وتسبح ، وتنطق ، فكيف تفعل كل هذا وهي لا تملك فهما ولا عقلا .
وإن كانت الإجابة ” نعم “، فلماذا لم تصبح مكلفة مثل الإنسان ، طالما أن لديها عقلا مثله ، وما وجه تكريم الإنسان عن بقية الكائنات ؟

ملخص الجواب

والخلاصة : أن العقل الذي هو مناط التكليف هو من خصائص الإنسان التي تميزه عن سائر الحيوان . وأن ما نشهده من سلوك الحيوانات تجاه إصلاح معاشها والتصرف بمحيطها إنما هو " هداية " غريزية ، أودعها الله الحيوان ، من غير تعقل قادر على تقبل العلوم وتطوير المهارات . والله أعلم .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

يتفق جميع العلماء والعقلاء على أن الإدراك الذي ركبه الله عز وجل في الحيوانات ليس هو العقل الغريزي ، أو ما يسميه الفلاسفة ” الهيولاني ” الذي كان الفارق الحقيقي بين الإنسان والحيوان ، والذي أدخل الإنسان دائرة التكليف والمسؤولية .
وأما الحيوان ، فما وهبه الله سبحانه مما نراه في إدراكه طرق تدبير معيشته ، والخضوع لخالقه ، سماه القرآن الكريم ” هداية “، وذلك في قول الله سبحانه : ( قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) طه/50. ويسميه العلماء في كتبهم ” إدراك الحيوان “، أو ” فطنة الحيوان “، أو ” حيلة الحيوان “، ونحو ذلك من الأسماء.
يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله :
” أُعطِيَت [يعني الحيوانات] من التمييز والإدراك ما تتم به مصلحتها ومصلحة من ذللت له ، وسلبت من الذهن والعقل ما ميز به عليها الإنسان ، وليظهر أيضا فضيلة التمييز والاختصاص ” انتهى من ” مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة ” (1/ 234) .
نعم ، سمى بعض العلماء هذه ” الفطنة الحيوانية ” عقلا ، كما فعل ابن العربي رحمه الله في كتابه ” أحكام القرآن ” (3/472-473) .
لكن مثل هذا الوصف للحيوان بالعقل لا يقصد به على الإطلاق : “العقل الإنساني” الذي هو ” ملكة حاصلة بالتجارب ، يستنبط بها المصالح والأغراض ، ويحصل به الوقوف على العواقب ، و[التمييز] بين الأمور الحسنة ، والقبيحة ” كما في ” شرح التلويح ” (2/312) .
وإنما يراد به ، ما سبق ذكره ، من أنه إدراك تدبير شؤون معاشها بالغريزة والحيلة ، وإدراك ما ألهمها الله سبحانه ، وركبه في طبيعة خلقها من أمور تهتدي بها إلى مصالحها ، وقوام عيشها .
هكذا ينبغي أن نفهم النصوص التي تتحدث عن ” هداية الحيوان “، سواء في القرآن الكريم أم في السنة النبوية .
ولهذا لم يكن الحيوان مكلفا أبدا ، لأنه لا يملك العقل الذي ينمو ويدرك عواقب الأمور ، ويصبح هو المحرك للفعل الحيواني .
يقول السرخسي رحمه الله :
” [العقل] عبارة عن الاختيار الذي يبتني عليه المرء ما يأتي به وما يذر ، مما لا ينتهي إلى إدراكه سائر الحواس ، فإن الفعل أو الترك لا يعتبر إلا لحكمة وعاقبة حميدة ، ولهذا لا يعتبر من البهائم ، لخلوه عن هذا المعنى .
والعاقبة الحميدة لا تتحقق فيما يأتي به الإنسان من فعل أو ترك له إلا بعد التأمل فيه بعقله ، فمتى ظهرت أفعاله على سنن أفعال العقلاء ، كان ذلك دليلا لنا على أنه عاقل مميز ، وأن فعله وقوله ليس يخلو عن حكمة وعاقبة حميدة ” انتهى من ” أصول السرخسي ” (1/ 347)
ويقول نجم الدين الطوفي رحمه الله :
” العقل قوة غريزية ، يدرَك بها الكليات وغيرها ، وهو يوجد بوجود الإنسان ، ثم يتزايد بتزايد البدن تزايدا تدريجيا خفيا عن الحس ، كتزايد الأجسام النباتية والحيوانية في النماء ، وضوء الصبح ، وظل الشمس ، ونحوها من المتزايدات الخفية ، فلا يمكن الوقوف على أول وقت يفهم فيه الخطاب ، فجعل الشرع بلوغه عَلَمًا ظاهرا على أهليته للتكليف ، وضابطا له ” انتهى من ” شرح مختصر الروضة ” (1/ 186)
أما ما وقع من الهدهد في قصته مع سليمان عليه السلام ، فقد قال بعض العلماء : إن هذه حالة متقدمة لا يقاس عليها ، ولا نظير لها في الحيوانات ، جعلها الله تعالى معجزة خاصة بنبي الله سليمان ، فلا يقاس عليها شأن سائر الحيوان .
قال ابن حزم رحمه الله :
” وقد علمنا بضرورة الحس أن الله تعالى إنما خص بالنطق – الذي هو التصرف ومعرفة الأشياء على ما هي عليه ، والتصرف في الصناعات على اختلافها – الإنسانَ خاصة ، وأضفنا إليهم بالخبر الصادق مجرد الجن ، وأضفنا إليهم بالخبر الصادق وببراهين أيضا ضرورية الملائكة .
وإنما شارك من ذكرنا سائر الحيوان في الحياة الخاصة ، وهي الحس ، والحركة الإرادية ، فعلمنا بضرورة العقل أن الله تعالى لا يخاطب بالشرائع إلا من يعقلها ، ويعرف المراد بها ، وبقوله تعالى : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )
ووجدنا جميع الحيوان – حاشا الناس – يجري على رتبة واحدة في تصرفها في معايشها وتناسلها ، لا يجتنب منها واحد شيئا يفعله غيره . هذا الذي يدرك حسا فيما يعاشر الناس في منازلهم ، من المواشي والخيل والبغال والحمير والطير وغير ذلك ، وليس الناس في أحوالهم كذلك ، فصح أن البهائم غير مخاطبة بالشرائع .
فإن اعترض معترض بفعل النحل ، ونسج العنكبوت !
قيل له وبالله التوفيق :
إن هذه طبيعة ضرورية ؛ لأن العنكبوت لا يتصرف في غير تلك الصفة من النسج ، ولا توجد أبدا إلا كذلك .
وأما الإنسان فإنه يتصرف في عمل الديباج ، والوشي ، والقباطي ، وأنواع الأصباغ ، والدباغ ، والخرط ، والنقش ، وسائر الصناعات من الحرث والحصاد والطحن والطبخ والبناء والتجارات ، وفي أنواع العلوم من النجوم ، ومن الأغاني ، والطب ، والجبر ، والعبارة ، والعبادة ، وغير ذلك . ولا سبيل لشيء من الحيوان إلى التصرف في غير الشيء الذي اقتضاه له طبعه ، ولا إلى مفارقة تلك الكيفية .
فإن اعترض معترض بقول الله تعالى : ( عُلِّمنا مَنطِقَ الطَّير )، وبما ذكر الله تعالى من قول النملة : ( يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ) الآية ، وقصة الهدهد .
قيل له وبالله تعالى التوفيق :
لم ندفع أن يكون للحيوان أصوات عند معاناة ما تقتضيه له الحياة من طلب الغذاء ، وعند الألم ، وعند المضاربة ، وطلب الفساد ، ودعاء أولادها ، وما أشبه ذلك ، فهذا هو الذي علمه الله تعالى سليمان رسوله عليه السلام ، وهذا الذي يوجد في أكثر الحيوان ، وليس هذا من تمييز دقائق العلوم والكلام ، ولا من عمل وجوه الصناعات كلها في شيء ، وإنما عنى الله تعالى بمنطق الطير أصواتها التي ذكرنا ، لا تمييز العلوم ، والتصرف في الصناعات الذي من ادعاه لها أكذبه العيان ، والله تعالى لا يقول إلا الحق .
وأما قصة النملة والهدهد فهما معجزتان خاصتان لذلك النمل ، ولذلك الهدهد ، وآيتان لسليمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ككلام الذراع ، وحنين الجذع ، وتسبيح الطعام لمحمد صلى الله عليه وسلم ، آيات لنبوته عليه السلام ، وكذلك حياة عصا موسى عليه السلام آية لرسول الله موسى عليه السلام ؛ لأن هذا النطق شامل ولأنواع هذه الأشياء ” انتهى باختصار من ” الفصل في الملل والأهواء والنحل ” (1/69-71)
ويقول أبو حامد الغزالي رحمه الله :
” العقل اسم يطلق بالاشتراك على أربعة معان :
فالأول : الوصف الذي يفارق الإنسان به سائر البهائم ، وهو الذي استعد به لقبول العلوم النظرية وتدبير الصناعات الخفية الفكرية ، وهو الذي أراده الحارث بن أسد المحاسبي حيث قال في حد العقل : إنه غريزة يتهيأ بها إدراك العلوم النظرية . وكأنه نور يقذف في القلب به يستعد لإدراك الأشياء .
الثاني : هي العلوم التي تخرج إلى الوجود في ذات الطفل المميز ، بجواز الجائزات ، واستحالة المستحيلات ، كالعلم بأن الاثنين أكثر من الواحد ، وأن الشخص الواحد لا يكون في مكانين في وقت واحد ، وهو الذي عناه بعض المتكلمين حيث قال في حد العقل : إنه بعض العلوم الضرورية .
الثالث : علوم تستفاد من التجارب بمجاري الأحوال ، فإن من حنكته التجارب ، وهذبته المذاهب ، يقال : إنه عاقل في العادة ، ومن لا يتصف بهذه الصفة فيقال : إنه غبي غمر جاهل . فهذا نوع آخر من العلوم يسمى عقلا .
الرابع : أن تنتهي قوة تلك الغريزة إلى أن يعرف عواقب الأمور ، ويقمع الشهوة الداعية إلى اللذة العاجلة ويقهرها ، فإذا حصلت هذه القوة سمى صاحبها عاقلا ، من حيث إن إقدامه وإحجامه ، بحسب ما يقتضيه النظر في العواقب ، لا بحكم الشهوة العاجلة .
وهذه أيضا من خواص الإنسان التي بها يتميز عن سائر الحيوان .
فالأول هو الأس والمنبع ، والثاني هو الفرع الأقرب إليه ، والثالث فرع الأول والثاني ، إذ بقوة الغريزة والعلوم الضرورية تستفاد علوم التجارب ، والرابع هو الثمرة الأخيرة ، وهو الغاية القصوى فالأولان بالطبع والأخيران بالاكتساب ” انتهى من ” إحياء علوم الدين ” (1/85-86)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android