0 / 0

القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق

السؤال: 227441

أعلم أنّ القرآن صفة من صفات الله كالعين واليد وغيرها من الصفات ، وأنه كلام الله حقيقة ، أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم من خلال جبريل عليه السلام ، وأنّ القرآن غير مخلوق ، ولكن ما المقصود بذلك؟ هل يعني ذلك أنّ كلام الله غير مخلوق ، حتى عندما نقرأه ، فنحن مخلوقات الله ، وكل ما يصدر عنا هو من خلق الله ؟ هل التفكير بهذا الشكل فيه نوع من التعدي ؟ فأنا لا أريد ذلك وكل ما أريد هو أن تكون عقيدتي صحيحة ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق .
والمقصود بذلك : أن الله تعالى تكلم بالقرآن ، وسمعه منه جبريل عليه السلام ، ونزل به على النبي صلى الله عليه وسلم ، وبلغه إياه .
وصفات الله تعالى كلها غير مخلوقة ، فهي أزلية لا أول لها . وكلام الله من هذه الصفات ، ومنه القرآن . فلذلك قال العلماء : إن القرآن غير مخلوق ، لأنه كلام الله الذي هو صفة من صفاته .
أما أفعال العباد : فمخلوقة ، قال الله تعالى : ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) الصافات/ 96 .

فهاهنا أمران ينبغي التمييز بينهما
الأول : كلام الله جل وعلا ، الذي تكلم به ابتداء ، وسمعه منه جبريل عليه السلام ، ونقله إلينا النبي صلى الله عليه وسلم : فهذا صفة الله ، غير مخلوقة ، بحروفه ، وكلماته ، وكذا صوته الذي تكلم الله به ابتداء ، وسمعه منه جبريل عليه السلام .
فهذا كله : كلام الله غير مخلوق منه شيء ، كيفا كتب ، أو تلي ، أو سمع .

والثاني : عمل العبد ، الذي هو وعاء الذي يحمل به كلام الله ، فيكتبه في كتاب ، ويقرؤه ، ويسمعه ، وكل ما كان من العبد وعمله : فهو مخلوق .
فيد البعد مخلوقة ، والمداد الذي يكتب به : مخلوق ، والأوراق التي يكتب فيها : مخلوقة ، ولسان العبد : مخلوق ، وصوته الخاص به : مخلوق ؛ وكل هذه أوعية ، يحمل بها العباد كلام الله ، وينقلونه ، ويبلغونه .

وقد حرر غير واحد من الأئمة المقام ، وميزوا بين الأمرين ، وعلى رأسهم إمام المحدِّثين : محمد بن إسماعيل البخاري رحمه ، فقد صنف في ذلك كتابا خاصا أسماه "خلق أفعال العباد"، ومما جاء فيه (2/70) :
" قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ : سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ : مَا زِلْتُ أَسْمَعُ أَصْحَابُنَا يَقُولُونَ : إِنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ : حَرَكَاتُهُمْ وَأَصْوَاتُهُمْ وَاكْتِسَابُهُمْ وَكِتَابَتُهُمْ مَخْلُوقَةٌ ، فَأَمَّا الْقُرْآنُ الْمَتْلُوُّ الْمُبَيَّنُ الْمُثَبَّتُ فِي الْمُصْحَفِ الْمَسْطُورُ الْمَكْتُوبُ الْمُوعَى فِي الْقُلُوبِ فَهُوَ كَلاَمُ اللهِ لَيْسَ بِخَلْقٍ ، قَالَ اللَّهُ تعالى : بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ .
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ : فَأَمَّا الأَوْعِيَةُ فَمَنْ يَشُكُّ فِي خَلْقِهَا ؟ ." انتهى .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" إذَا قَرَأْنَا الْقُرْآنَ فَإِنَّمَا نَقْرَؤُهُ بِأَصْوَاتِنَا الْمَخْلُوقَةِ الَّتِي لَا تُمَاثِلُ صَوْتَ الرَّبِّ، فَالْقُرْآنُ الَّذِي نَقْرَؤُهُ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ ، مُبَلَّغًا عَنْهُ لَا مَسْمُوعًا مِنْهُ، وَإِنَّمَا نَقْرَؤُهُ بِحَرَكَاتِنَا وَأَصْوَاتِنَا، الْكَلَامُ كَلَامُ الْبَارِي ، وَالصَّوْتُ صَوْتُ الْقَارِئِ، كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مَعَ الْعَقْلِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ) " انتهى من "مجموع الفتاوى" (12/ 98) ، وينظر: "مجموع الفتاوى" (12/ 53) .

وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
" الاعتقاد الواجب نحو القرآن وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة ودل عليه الكتاب والسنة – أن القرآن كلام الله حقيقة ، حروفه ومعانيه ، منزل غير مخلوق ، منه بدأ وإليه يعود ، وهو كلام الله تعالى ، حيث تلي وحيث كتب ، قال الله تعالى : ( فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ ) عبس/13، 14 ، وقال سبحانه : ( رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ) البينة/ 2 ، 3 .
فالقرآن الذي نقرؤه هو كلام الله تعالى ، وإنما نقرؤه بحركاتنا وأصواتنا ، فالكلام كلام الباري والصوت صوت القاري " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (3 /21) .

وينظر تفصيل هذه المسألة في "مختصر الصواعق المرسلة" لابن القيم (503-510) .

وينظر للاستزادة جواب السؤال رقم : (215224) ، (219613) .
والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android